لا أظن ان مقولة الشعراء الرواد تمثل اليوم ما كانت تمثله في الستينات، فهي اليوم مقولة انقضى زخمها التجديدي وكفت عن تغذية الشعرية العربية الجديدة بأي اقتراح أسلوبي أو جمالي. لا يتأسس شعر اللحظة الراهنة على الرواد مباشرة ولا على مقولاتهم وأشكالهم بل على الجيلين اللاحقين عليهم وخصوصاً على المغامرة الشعرية الكبيرة التي قام بها الجيل السبعيني العربي الذي تواجدت طليعته في بيروت واتضحت ملامح مقترحاته المذهبية بدءاً من منتصف السبعينات. لكن هذا لا يعني ان مقولة الرواد ذهبت سدى او انها ليست ذات أثر بيّن. فما جاء به الرواد من تجديد وما قطعوا به مع جانب من الشعرية العربية مثَّلا العتبة الأولى التي دخلت منها الشعرية العربية الى العصر وأفق الحداثة. فلم يكن ممكناً لعشريتنا اليوم التي تواصل مغامرتها مع اللغة والموضوع والشكل وان تكون على ما هي عليه لولا "الرواد"، فهم خطوتها الجريئة الأولى. انظر الى الرواد، الذين يراد لهم ان يكونوا خالدين مثلهم مثل زعماء الحياة السياسية العربية البليدة، نظرة تاريخية واراهم في ضوء تاريخي، وأي محاولة لفصلهم عن التاريخ وسياقاته ومن تبقّى منهم يسهم في ذلك انما ترمي الى تأبيدهم في الكتابة العربية وايقاف تلك الكتابة عند ما انتهت اليه خطاهم. تعنيني مقولة الرواد من هذه الزاوية، وأفهمها من هذا المنظور، عدا ذلك فهي لا تمسني كثيراً. تخاطبني وتمسني تجارب جيلي السبعيني ومن جاء بعدهم أكثر مما تسميني أو تخاطبني كتابة الرواد. ليس "الرواد" خرافة فهم موجودون بمعنى الأثر وهم أساسيون من وجهة نظر التأسيس ولكن علينا ان نأخذ بأيديهم الى المتحف، فهناك يتم الاحتفاظ بالأثر والمقتنيات النفيسة التي لم يعد ممكناً استئناف مشروعها. شاعر أردني.