فنان مخضرم يقف منذ أربعة عقود في موقع متقدم بين أقرانه، ما جعله فرس الرهان في الأعمال الدرامية السورية، خصوصاً تلك التي ترصد مواضيع اجتماعية. انه الفنان سليم كلاس الذي ارتبط اسمه بنجاحات كثير من الأعمال الدرامية السورية. وهو يتحدث الى "الحياة" بنوع من التكثيف، عن تجربته الفنية ومسيرته الحافلة، وواقع الفن في سورية بين الأمس واليوم. اختلفت المفاهيم الفنية بين سبعينات القرن الماضي وتسعيناته، ومررت في حينه بعثرات ومصاعب في العمل الفني، كيف استطعت التأقلم مع الأجيال الفنية لمواكبة مسيرتك الفنية، خصوصاً في البدايات؟ - أنا أعمل في الدراما السورية منذ ما يقارب اربعين سنة، اي في تزامن مع تأسيس التلفزيون السوري، الى عملي في المسرح حيث قدمنا مسرحيات عالمية لشكسبير وموليير وأخرى محلية وعربية. وعندما تأسس التلفزيون السوري اتجهت الى الدراما وكنت لا أزال عضواً في "المسرح القومي" وخضت خلال تلك المسيرة كل أنواع الفن وتمرست في أدائي أمام الكاميرا وعايشت الأجيال الفنية، وهي تنمو في رعاية الجيل الأسبق. وقدمت ما أستطيع الى هذا الجيل، لجهة تنمية الشخصية الفنية، وسبر الامكانات التي اكتسبها من دراسته الأكاديمية، فضلاً عن انه جيل لم يعد يعاني تزمت الأهل ورفضهم دخول أبنائهم ميدان الفن، كما حدث لجيلنا نحن، وكما حدث معي في عائلتي الى أن أثبت وجودي على الشاشة. مقدم برامج شاهدناك مقدماً بعض البرامج التلفزيونية والاذاعية، وكنت موفقاً الى حد كبير، لماذا لم تستمر في هذه المهنة؟ - من خلال عملي المتلازم في الاذاعة والتلفزيون، كنت الجامع المشترك لأكثر الأعمال التلفزيونية والاذاعية، ما شجعني على السير في طريق الفن بثقة وتمرس، خصوصاً انني كنت أقدم برامج المسابقات والمنوعات واللقاءات مع كبار الفنانين، وكلها كانت تبث مباشرة، اضافة الى البرامج الاسبوعية التي لا أزال أعمل فيها. ومع ذلك لم أتوقف عن التمثيل، وأحاول دائماً أن أحقق نوعاً من التوازن في الأعمال وبحسب الظروف والأوقات المتاحة. ألا ترى أن جهد الفنان لم يعد يكفي لاطلاق شهرته، وان هناك مؤهلات يجب أن يتمتع بها قبل وصوله الى المشاهدين؟ - "لكل مجتهد نصيب". ولمهنة الفن مسالك وطرق عدة للوصول الى الأضواء خصوصاً في الفضائيات، إذ تغيرت المفاهيم الفنية، ولكن من حيث الشكل فقط لا من حيث المضمون. مع هذا تبقى الموهبة هي الأساس في اطلاق الفنان نحو عالم الشهرة، ولكل فنان مسرى يتجه به نحو الأعلى لتحقيق قيمته الفنية، ولا أقصد أي حضور كان بل المدروس والقائم على أسس متينة. فالموهبة والاجتهاد كلاهما يساعد في اطلاق نجومية وشهرة الفنان، وكلما تفانى الفنان في دوره، مشاعر وأحاسيس، وصل الى ما يبتغيه في شكل أسرع وأفضل. الفنان الناجح ما مواصفات الفنان الناجح؟ - من الصعب تحديدها في دقة، لكن ثمة ما يدل اليه. فإلى الموهبة كأساس للنجاح، هناك تقمص الشخصية وتخيلها كأنها أمامه، ومن ثم ادخالها الى مشاعره وأحاسيسه بكل قدرة وبراعة واجتهاد، ثم اجادتها كأنها واقع مادي يعيشه. وعلى الفنان الناجح ان يُخرج نفسه من هذه الشخصية فور انتهائه منها لمتابعة مسيرته في دور آخر الى جانب احترامه المواعيد بدقة، وحفظه دوره واستعداده للتصوير في شكل جيد. أما الناحية الأخرى فهي الاعلام الذي يخدم الفنان في شكل كبير، وهو في بعض الأحيان سبب لنجاحه. للسينما متعتها الخاصة ومع ذلك نجد أن السينمائيين السوريين اتجهوا الى الدراما التلفزيونية. لماذا؟ - يمكن القول ان عصر السينما الذهب في سورية هو سبعينات القرن الماضي، وقد سبقته وواكبته أفلام مشتركة بين فنانين من سورية ومصر، وحالفنا الحظ اننا عملنا مع كوكبة كبيرة من نجوم مصر كفريد شوقي وناهد شريف وعمر خورشيد ونجلاء فتحي ونور الشريف. أما موضوع قلة السينمائيين السوريين الذين يعملون في السينما فيعزى الى قلة الانتاج السينمائي السوري خلال السنوات الماضية، إذ لا يكفي فيلم أو فيلمان لإحياء السينما السورية، ثم ان هدف المخرجين اليوم عرض أفلامهم في المهرجانات التي تقام سنوياً وغايتهم الجوائز لا الجماهيرية. إذاً ليست هناك نافذة مفتوحة للعمل في السينما، بينما نجد ان هناك نوافذ عدة مفتوحة على مصراعيها في التلفزيون. وبالنسبة إليّ فقد عملت في أكثر من خمسة عشر فيلماً من مثل "عملية الساعة السادسة" و"ثلاث عمليات في فلسطين" و"قتل عن طريق التسلسل" للمخرج محمد الشاهين و"المخدوعون" لتوفيق صالح وآخر فيلم لي للمخرج سعيد حامد عنوانه "قميص وشورت وفانيلا" ويعرض في صالات مصر. هل اكتسبت من العمل مع ياسر العظمة تجربة جديدة استطعت من خلالها وضع بصماتك على مسلسله "مرايا"؟ ولماذا لم تشارك في عمله الأخير؟ - أعمل مع ياسر العظمة في مراياه منذ الثمانينات، وأجد اننا توأمان في الأفكار وأسلوب التعامل مع الشخصيات. وهذه تجربة فنية غنية لها أبعادها التي يتعلم منها الفنان كل يوم، فيترك بصماته على المرايا التي تعكس حياتنا اليومية بأسلوب شيق، أما سبب عدم مشاركتي هذا العام فهو انشغالي في أعمال عدة كنت التزمتها. وصلت الدراما السورية الى مرحلة من التألق والحضور يزدادان يوماً بعد يوم، فما رأيك فيها؟ - الدراما السورية تطورت وتألقت على الشاشات العربية، ومع ذلك فنحن في محاولات جادة لايجاد صيغة درامية اكثر تطوراً، وقد قطعنا شوطاً على هذا الصعيد. ونأمل من كل عمل جديد الارتقاء الى الأفضل من خلال ايجاد الامكانات المادية والمساعدات اللازمة الانتاج الضخم. ونحن نطمح ان يكون التلفزيون السوري بقطاعه العام المبادر الأول لأنه متميز عن أعمال القطاع الخاص الذي لا يبغي الا التجارة أو الربح. بم تنصح الجيل الجديد الذي أحب الفن؟ وما هي أوجه التشابه والاختلاف بينكم وبين الجيل الجديد؟ - لا أميل كثيراً الى النصائح. فالانسان يتعلم من تجاربه، لكن هناك أموراً كثيرة لا بد من توافرها لتحقيق النجاح في حياة الفنان. عليه مثلاً أن يعتبر الفن مهمة نبيلة ورسالة سامية، والا يهبط الى درك المتاجرة. وعلى الفنان الشاب أن يفيد من تجارب الجيل الذي سبقه، وأن يكون مؤهلاً تأهيلاً علمياً، خصوصاً أن الظروف أتاحت لجيل الشباب سبلاً ووسائط للتعليم والدراسة والتأهيل الأكاديمي من خلال المعاهد المختلفة. وعلى الفنان ألا يقع في الغرور، مهما حقق من نجاح، لأن الغرور لا يوصل في النهاية إلا الى السقوط.