صرفاً "للنظر عن كل الحبر الذي سال في الصحف والدوريات عن المسلسلات المحليّة في "تلفزيون لبنان" مشيداً بها أو مقللاً من اهميتها، انطلاقاً من ثغر ونواقص شابتها، لا بد من التسليم بأن مجرد تخصيص ساعات مقبولة في شبكة البرامج لعرض هذا الانتاج، يشكِّل تحدياً غير سهل ويتطلب قسطاً وافراً من الجرأة، في وقت كان يعيش التلفزيون الرسمي أزمات كبيرة على المستويات كافة. قبل أعوام قليلة اختار "تلفزيون لبنان" ان ينتج أعمالاً محلية خاصة بلبنان ولا تخضع لشروط السوق العربية مع مراعاة ما يفرضه القانون اللبناني، وحقق بذلك خلوة كبيرة في حقل "الصناعة" التلفزيونية بشّرت بتحرك هذا القطاع الحيوي بعد ركود استمر أعواماً. وكانت المفاجأة ان الأعمال التي انتجت في هذه المرحلة بيعت من البلدان العربية - باستثناء بلد أو بلدين - مما دفع شركات انتاج وتلفزيونات أخرى الى تكرار التجربة نفسها مع التحفظ عن مستوى هذه الأعمال درامياً وفنياً. المشاهدون تابعوا مسلسلات "أسمها لا" و"ليل الذئاب" و"يا غافل الك الله"، مستنفرين كل حواسهم ومنسجمين مع حوادث المسلسلات، آملين في ان تنجلي الحقائق في الختام، ويا له ختاماً. المشاهدون فوجئوا بوقف هذه المسلسلات مع قرار الاقفال الموقت للتلفزيون! مسلسل "اسمها لا" وصل الى الحلقة 51، ويبدو ان كاتبه كان عازماً على انهائه بعد 16 حلقة، لكنه "فوجئ" مثل جميع الناس. واستناداً الى النباح الكبير الذي انتزعه "العاصفة تهب مرتين" و"نساء في العاصفة"، جاء "اسمها لا" في صيغة درامية أكثر احادية، مكتسباً خبرة من التجربتين السابقتين. صحيح انه توسّع في دائرة التصعيد عبر الخيوط المترامية والمتشابكة، الاّ انه كان عارفاً منذ البداية من اين يبدأ وما الشكل الذي يمكن ان يعطيه لملامح الختام. لكن قرار وقف البث في "تلفزيون لبنان" فاجأه قبل ان يحين الوقت لتفكيك الخيوط المعقدة التي نسجها تدريجاً. ما هو مصير المسلسل؟ يجيب فاخوري: "أرى ان "تلفزيون لبنان" سيعود بحلة لا علاقة لها بالحلة القديمة، معتمداً طرح قضايا سياسيّة ووطنية واجتماعية وحياتية واقتصادية. مع ذلك، علينا الانتظار ريثما تظهر بوادر تلك الحلة. لا أخفي ان بعض التلفزيونات أبدت استعدادها لإكمال المسلسل، لكنني أفضِّل ان أبقى وفياً للشاشة التي استضافتني طوال التسعينات. ثمة ثلاثة حلول مطروحة، هي: إكمال المسلسل فور عودة التلفزيون بحلة جديدة، أو عرضه على شاشة أخرى أو القبول برحيله شهيداً مع رحيل التلفزيون بحلته القديمة". المخرج البير كيلو قال: "المسلسل يضم اكثر من 70 ممثلاً وممثلة، لذا من غير الطبيعي ألاّ يستكمل، وهذا الأمر يُعتبر قلة احترام للجمهور. أنا أتوقع عودة المسلسل في مكانه الطبيعي، أيّ "تلفزيون لبنان". كارمن لبس التي تؤدي دوراً جميلاً وشريراً في المسلسل، تقول: "وعدنا وزير الاعلام غازي العريضي بأن المسلسل سيعود، علماً ان مسألة أكماله ضرورية لأن بعض التلفزيونات الفضائية ترغب في شرائه". ليل الذئاب مسلسل "ليل الذئاب" الذي كتبه جبران ضاهر وأخرجه جورج غياض، طرح أيضاً بعض القضايا بجرأة. الخيانة الزوجيّة والعلاقات المشبوهة والعصابات. عاش المشاهدون مواقف المسلسل بحرارة لأنها بسيطة في مفهومها وتآلفوا مع الشخصيات وانتظروها أسبوعياً. كل هذا نتيجة جهود كثيرة بذلها الكاتب والمخرج وعدد لا يستهان به من الممثلين والممثلات الجدد والمخضرمين. وعلى رغم تجربة ضاهر الجديدة، سرعان ما تعمق في الشخصيات كاتباً على قياسها وآخذاً من طبيعة الممثل نفسه الشيء الكثير، حتى بدت الشخصيات متمايزة لكل منها كلامها وفكرها وكيانها. عن مصير المسلسل تحدث المخرج جورج غياض: "صوّرنا 51 حلقة، عرض منها 44 وكانت القصة أوشكت على نهايتها، وشارك في المسلسل 130 ممثلاً وممثلة. لم نلمس أيّ بوادر حتى الآن تبشّر بأن المسلسل يستكمل مع عودة "تلفزيون لبنان". أضاف غياض: "المسلسل من انتاج التلفزيون ويعود اليه وحده مسألة اكماله أو بيعه من تلفزيونات أخرى". انطوان كرباج كان له رأي أيضاً: "الكاتب أعد هذا المسلسل في شكل متقن. ووضع ملفاً لكل شخصية مع دراسة دقيقة وسيكولوجية لكل شخصياته الثانوية والرئيسية". وتابع: "هذا العمل يعود الى "تلفزيون لبنان" في شكل حصري. نحن نريد ان نصدف بأنه سيعود في 24 أيار مايو، على رغم اننا لا نثق بوعود الدولة". وتقول تقلا شمعون التي تشارك في المسلسل: "اقترب من النهاية وبدأت الخيوط المعقدة تتفكك تدريجاً، ومعظم المشاهدين كانوا ينتظرون النهاية، لذا فإن وقفه بهذا الشكل المفاجئ لا يمكن فهمه. اتمنى ان يعود المسلسل عبر "تلفزيون لبنان". يا غافل... أما المسلسل الكوميدي "يا غافل الك الله" الذي يؤدي بطولته أحمد الزين وبرناديت حديب وخالد السيد وليلى كرم وحشد كبير من الممثلين، فلم يكن واضحاً انه يحافظ على مستوى ثابت في مضمونه. أحياناً كان يضحك المشاهدون من قلوبهم للطرائف التي تمر في الحلقات. وأحياناً أخرى لم يكن الكاتب يوفق في المادة الفكاهيّة التي يقدمها لسبب بسيط: الافتقار الى الفكرة المبتكرة، البعيدة من الاجترار والتكرار والابتذال. مع ذلك، فئة غير قليلة من المشاهدين كانت تنتظر المسلسل ولا يجوز ان تحرم من متابعته. تقول برناديت حديب: "عرض من المسلسل 15 حلقة وكان من المتوقع ان نصوّر 15 حلقة جديدة. لا أعرف ما اذا كان سيكمل المسلسل أم لا. لكنني اقترح ان يصدر مجلس الوزراء بياناً لاطلاع الناس على النهايات الموضوعة لهذه المسلسلات! كان من المستحسن ان ينذر كل كاتب قبل شهر على الأقل، لينهي مسلسله في شكل مقبول. اما الطريقة التي توقفت فيها المسلسلات فقد صدمتنا وصدمت معظم المشاهدين". اذا عاد "تلفزيون لبنان" في 24 أيار فهل ستستكمل هذه المسلسلات التي توقفت اعتباطاً؟ سؤال نطرحه وندعه برسم المهتمين جدياً بنهضة "تلفزيون لبنان"، ولا سيما ان المخرجين والكتاب والممثلين والتقنيين جاهزون ولا ينقصهم سوى قرار مجنون، وجميعهم مقتنعون بأن الأمور لا تتغيّر الاّ من جذورها وان المستقبل الزاهر في حاجة الى قرار حاسم من الدولة.