لا تكتفي الباحثة والرحالة روجرابتون في كتابها "الخيول الأصيلة في الصحراء العربية" بتناول مسوغات وتفاصيل عن الحصان العربي، بل تقوم بوصف الرحلة التي قامت بها مع فريق خاص في مختلف البلدان العربية، وصفاً أدبياً وشاعرياً وتتناول العالم العربي وجغرافيا أمكنته. تتوغل روجرابتون في بحثها في عادات القبائل العربية وتقاليدها وأحوالهم وتتابع العائلات الثلاث الكبيرة لدى العرب البائدة وعرب قحطان وعرب الإسلام، وكذلك اخلاق البدو وعدم قابليتهم للتغيير وتفردهم في الأفكار والمشاعر. هذه القراءة تقوم بها كتوطئة للتعريف بأنواع الخيول العربية وتاريخها وأسمائها وأماكن تواجدها وصفاتها النبيلة والأصيلة وتهجينها مع الخيول الغربية. والحال اننا نقرأ عن "الحصان العربي" وندرك انه يعبر عن السلالة والعرق من جب معين. الحصان العربي له شهرته في ميدان الخيول المتواجدة بين القبائل العربية، والعربي كان مشهوراً بتعلقه بخيله، فإذا أجدبت الأرض كان يطعمه من قديد اللحم. وإذا قلتْ المياه، سقاه اللبن. وكان أشراف العرب يتباهون بخدمة خيولهم بأنفسهم، ويتباهون بها. وحبهم لها جعلهم يسمونها ب"الخير". وقيل إن اشتقاق اسمها هو من الحصن، لأن الحصان حصن صاحبه وأصل بيت صاحبه وميزة الأحصنة العربية بنية وشكلاً جعلت الرحالة الأجانب يأتون الى الصحراء العربية لاكتشاف أحوال الأحصنة. لكن روجرابتون تبين في كتابها ان المعلومات التي قدمها الرحالة كانت ضئيلة. عندما كان أحدهم يشاهد حصاناً كان يكتفي بالأقوال التي تكون متعارضة في بعض النقاط، ولا تمكن معرفة تفاصيلها ومدى صحتها. وهم حصلوا على هذه المعلومات من الأشخاص المستقرين في البلدان المجاورة وليس من البدو أنفسهم. ونتجت عن هذه المعلومات المتناثرة أفكار غامضة ولكنها مقبولة وهي ان هناك ثلاث سلالات من الخيول العربية وهي العتيقي والكديش والكوكلاني، اما الأول فلا قيمة له وأحياناً يتواجد في شكل متوحش، أما الكديش فهو طبقة من الخيول التي تحسنت بإضافة دم نقي إليها من طبقة الكوكلاني. والكديش معناه الحصان المخصي ويطلق هذا الاسم على أي نوع عام من الخيول المستخدمة للسفر ونقل الأمتعة. وإن كثيراً من هذه الخيول مخصية وبعض أنواعها يصلح للجري أو السباق. أما الكوكلاني، فهو نوع من الخيول العربية من الكحيلات التي تربيها وتمتلكها قبائل "العنزة". الخيول العربية الموجودة داخل الصحراء أكثر أصالة ونقاء من الخيول التي تأتي من مصادر أجنبية. والحق ان قبائل "عنزة" وهي عرق كبير من عروق البدو وتعود في تاريخها الى ماض سحيق، وتتألف من قبائل عدة، كانت من أقوى وأغنى عناصر الصحراء وأهمها وكانت تمتلك الخيول الأصيلة والمتحدة من سلالة أو عرق واحد من الخيول. وقد دعي الحصان بالعربي لأنه من "أصل" واحد ولم ينشأ من اختلاط انواع من عائلات الخيول. ذلك ان عنزة لم تكن تستعمل أي خيول سوى خيولها، التي تعتبر ذات سلالة متميزة فضلاً عن أنها من أفضل الخيول. على أن البدو أو قبائل العنزة لم يحترموا الحيوانات التي رباها سكان المدن والحضر. فهم كانوا يتغنون بنقاء دم خيولهم التي لم تختلط أو لم تتهجن. والحق ان قبائل "العنزة" كانت تحافظ على نقاء دم أحصنتها. وظل هذا الأمر مستمراً في حالته النقية باسم الخميسة وهي عائلة تشكلت في اصطفاء عرق "الكحل" بصورة عامة في بلاد العرب. وقد حفظه البدو في سجلات موثقة للسلالات النقية من الخيول. وجميع خيول الخمسة هي من الكحيلات وأفراسها من الكحيلات. وهذا هو الاسم الأصلي للسلالة الحقيقية للخيول العربية. والكحل هو المفهوم الأساس لوصف الحصان العربي لتمييزه كعرق. واسم الكحل أطلق على الحصان العربي من دون شك من الشبه العظيم في جلده وليس الوجه فحسب بل جميع انحاء الجسم أيضاً بالكحل، الذي هو من الظواهر الأساسية في الحصان العربي بالنسبة لجلده ولونه. تبدي روجرابتون إعجابها بمظهر فرس الكحيلان الطبيعي. فهي تقدم شكلها ذات القامة المنسجمة دليلاً على جعلها من "عرق" غير ملوث. والحال ان الكحيلان تمتلك مظهراً متطرفاً، والتوازن الجميل ما بين قوتها وتناسق أعضائها يزيد من تطرف جمالها. وهناك التنظيم العادل بين الوظائف الحسية والوظائف البنيوية، وتقدّم الباحثة وصفاً دقيقاً للأحصنة المنتشرة لدى القبائل العربية وتقارن في ما بينها، وتبين ان الأسماء التي يطلقها العرب على مختلف أعضاء الحصان تظهر ان لدى البدو معرفة بالتشريح، فكلمة "رشيق" التي تستعمل لوصف الإنسان انما تستعملها القبائل أيضاً في وصف الحصان، أي من الركبة حتى مفاصل النتوء الواقع فوق الحافر. وكذلك كلمة "عقب" التي تعني كعب قدم الإنسان تستعمل للدلالة على عرقوب الحصان. وفي رحلتها أيضاً وجدت روجرابتون ان البدو يعرفون الكثير عن الخيول في شكل لا يقل، عن معرفة أي خبير متخصص. وهذه فرصة مناسبة للتلميح الى تلك الفرضية التي تقول إن وجود بعض العلامات أو الندبات الصغيرة على أذني الحصان إنما تدل على أنه من عائلة جيدة، ومن دم نقي. وقد ذكر الرحالة والكتّاب ان أذني الحصان العربي الأصيل ملتصقتان بعضهما ببعض فتبقى الأذنان منتصبتين. وكان الأوروبيون يبحثون عن هذه العلامات للتأكد من ان الحصان من دم نقي. إذ إن علامة الدم النقي في الأذن هي شكل الأذن الطبيعي الجميل. لكن الباحثة، تجد ان هذه العلامات لا علاقة لها بخيول الصحراء. فقبائل العنزة إذا وجدوا أن أذني المهر صغير الخيل ليست بالشكل أو الوضع الطبيعي المرغوب فيه فإنهم يتركون الأذنين وشأنهما. فالبدوي لا يلجأ أبداً الى أي طريقة صناعية لإخفاء عيوب حصانه، ولا يهتم بآراء الناس الآخرين فهو ليس تاجر خيول، وقلما يفضل ذلك. كتاب روجرابتون، في غنى معلوماته يقدم لنا صورة واضحة عن الخيل الأصيل، ويبين أنواع الخيول غير الأصيلة أو الهجينة، لدى القبائل البدوية. ويبين الكتاب أيضاً متى تعرف الغرب على الحصان العربي، إذ يقال إن أقدم الخيول العربية التي وصلت أوروبا كانت هدية من الخليفة هارون الرشيد. ولا بدّ من التذكّر أثناء قراءة الكتاب، أنه منذ عقود كانت في الولاياتالمتحدة، ثلاثة ألوان من الجنس البشري أسود، أبيض ومتوسط، ولكن منذ فترة، نشرت إحدى المجلات تحقيقاً، تبين ان هناك ثلاثين لوناً للبشرة، حصلت نتيجة الهجنة، والحال ان كتاب روجرابتون الذي صدر قبل عقود عدة، وصدرت ترجمته العربية حديثاً لم يعد يشكل سوى وثيقة اجتماعية. فالخيول الأصيلة "النقية الدم" بات من الصعب إيجادها إلا في بعض مناطق الجزيرة العربية. وهذا حصل نتيجة التحول الاجتماعي الذي طرأ على حياة العرب. * دار علاء الدين، بيروت، 2001، ترجمة أحمد غسان سبانو.