يعيد الباحث المكتبي العراقي فؤاد يوسف قزانجي في كتابه الصادر حديثاً في بغداد "المكتبات في العراق" قراءة تاريخ المكتبات وخزائن الكتب ودور الوثائق والسجلات كما دونته مراحل حضارية تمتد الى نحو خمسة آلاف عام. تصدرت كتاب قزانجي جملة تقول: "الى الملك المثقف أشور بانيبال الذي أسس في قصره بنينوى أول مكتبة في العالم وفي القرن السابع قبل الميلاد". مشيراً الى أن أشور بانيبال بنى موضعاً خاصاً لمدونات تركها له جده في مكان يقع اليوم في الطرف الغربي لمدينة الموصل نينوى. وبحث المؤلف في الباب الأول في شكل المدونة الكتابية الرقم والألواح الطينية، كما انه يفسر السبب في وجود الألواح مخزونة في أروقة المعابد ويشير الى ان الكاهن كان ينسخ على تلك الألواح مختلف القضايا التجارية والحياتية والمعاملات الشخصية ولتتحول لاحقاً الى خزائن "المكتبة الملكية في نينوى". والمكتبات في العراق القديم مؤشر على غنى الكتابة واثرها في نقل حركة المجتمع، وعنها يعرض المؤلف قزانجي مشيراً الى ان بلاد وادي الرافدين عرفت الكتابة في "عصر الوركاء" وذلك نحو 3500 قبل الميلاد، وكيف تحولت الواح الطين المكتوبة بالقلم المسنن الى بداية عصر المعرفة"، وفي لمسة حيوية يذهب المؤلف الى شرح أنواع الألواح وأصنافها لجهة الشكل: عريضة ومستطيلة وبيضوية ومنشورية ومخروطية، ولجهة المادة المدونة: نص أدبي أو تجاري أو قانوني أو خاص بوصف حروب الجيش. ويرى الباحث ان "المكتبات الطينية" في بلاد وادي الرافدين مرت في ادوار كثيرة منذ اكتشاف "المكتبة" في معابد مدن: أوروك، سبار، نفّر، لكش، كبش، شادوبم ونينوى. وتضمنت الألواح التي بلغ عددها في احدى المكتبات نحو مئة الف رقم طيني مجالات حياتية ودينية اضافة الى الحكايات والسير. واذا كانت المكتبات في العراق شهدت في تاريخه القديم حضوراً راسخاً فإنها شهدت انتقالة كبرى مع بناء المدن: البصرة والكوفة وبغداد. ولتنتعش الحياة الثقافية والعلمية من خلال حركة التأليف والترجمة والتجليد وصناعة الورق والاحبار والنسخ والطباعة وبناء المدارس والجامعات. وهنا يشرح المؤلف نشوء صناعة خزن المؤلفات والمصنفات في خزائن الجوامع والصوامع وفي الاديرة مؤكداً ان صناعة الورق انتقلت من سمرقند الى بغداد التي صارت ملتقى المعارف والفكر والأدب والعلوم ويكفي انها في فترتها الذهبية انتجت اكثر من ثلاثة ملايين مخطوطة توزعت على مكتبات العالم. ومن الدور المؤثر للمكتبات بوصفها بؤر معرفة في أزمنة ازدهار بغداد الى "المذابح" التي تعرضت لها المكتبات اثر الغزوات المتواصلة التي تعرضت اليها بغداد على امتداد قرون. ويرسم المؤلف صورة لهذه الفترة حتى يصل الى العراق الحديث، حين انشئت أول مكتبة بعد تأسيس الدولة العراقية المعاصرة وأشرف عليها الأب انستاس ماري الكرملي بمعاونة جمع من المثقفين وذلك عام 1922. ويثني المؤلف على دور المساجد والجوامع في اغناء المكتبات بعلوم الدين والدنيا مثلما يشدد على مكتبات المراقد الشيعية والجامعات الاسلامية في بغداد والنجف وكربلاء في حفظها دوراً معرفياً وفكرياً ظلت المكتبة حارسته، فيما قدم عرضاً لمكتبات العراق اليوم وأبرزها.