في آذار مارس من العام 1930 أنشأ الأمير شكيب ارسلان وإحسان بك الجابري، مجلة عرفت باسم "الأمة العربية" واستمرت في الصدور الى العام 1938، وكان مركزها جنيف، وكانت شهرية سياسية أدبية اقتصادية اجتماعية و"لسان حال الوفد السوري - الفلسطيني لدى جمعية الأمم في جنيف. تخدم مصالح البلدان العربية ومصالح الشرق". صدرت هذه المجلة العربية المبدأ الافرنسية العبارة، وفي عنوانها ما يغني عن شرح المقصد الذي تأسس مشروعها لأجله، لأن الوفد السوري - الفلسطيني الذي كان يعاني منذ تسع سنوات أي منذ ابتدأت مهمته في أوروبا مشكلات كثيرة من جهة النشر والاذاعة. ورأى من العرب تقصيراً فادحاً في الدعاية لقضيتهم وبث الحقائق عنها في أوروبا. ونظراً للتجربة والاختبار والاختلاط وكون الوفد طوال هذه المدة لم يشتغل إلا في القضية السورية والقضايا العربية وحدها فقد صار مطلعاً حق الاطلاع على السياسة الأوروبية وعلى سياسة كل دولة فيها الصغيرة والكبيرة والمتوسطة، وعلم أن الرأي العام الأوروبي ذو مدخل عظيم في ادارة دفة السياسة العالمية. وان هذا الرأي العام لا يعلم من أمور العرب ولا من أمور القضية السورية ولا من غيرها من القضايا العربية شيئاً إلا النزر القليل، وان الذين يعرفون في أوروبا دقائق الأمور الشرقية هم رجال الحكومات الاستعمارية الذين هم البلاء الأعظم على الشرق وأهله، وهم الذين يقلبون جميع الحقائق المتعلقة بالشرق رأساً على عقب ويصبغونها بلون مصلحتهم وان الشرقيين مخطئون جداً في ظنهم ان الأوروبيين مطلعون من أحوالهم على كل شيء، فإن لكل أوروبي في الدنيا شغلاً يتابعه. وهذا الشغل يمنعه من استقصاء الأمور العائدة الى الأجانب عن بلاده واذا كان هناك صحافي مهنته الاطلاع أو نشر الأخبار أو تاجر تردد الى المشرق واطلع على ما فيه. فليس ينشر إلا ما يراه مطابقاً لسياسة بلاده وما شذَّ عن ذلك فهو نادر، والنادر لا يعوّل عليه" ولذلك كان أهم ما يجب أن تتوجه اليه همم العرب الناهضين، والمهتمين برقي بلادهم، لاسترداد مكانتهم واحراز استقلالهم هو استكمال أسباب الدعاية العربية بالألسنة الأوروبية حتى لا يكون الرأي العام الأوروبي ضدهم أو بعيداً عنهم. وحتى يفهم منهم الجاهل ويتنبه الغافل ويلين المتشدد ويعتمد المتردد ويعرف العدو الكاشح أن في السويداء رجالاً وانهم مقاتلوه بكل وسيلة فلا يطمح في تضليل الأفكار ولا يسترسل الى الدعايات الكاذبة والأخبار الملفقة. ولقد شافه الوفد السوري - الفلسطيني كثيراً من كبار رجال العرب، قبل اصدار هذه المجلة، للوقوف على رأيهم في هذا الموضوع. فكتب في الصحف وبث ونشر وصرّح بأن "اعتماد العرب على صحفهم وكتبهم غير كاف ولا واف مما يذاع بحقهم في أوروبا وان كل أقوال صحفهم ان هي إلا نداء في أنديتهم وصدى في أوديتهم، فالمصري يخاطب الشامي، والشامي ينادي العراقي والعراقي يهتف الى اليماني واليماني يصيح بالحجازي والحجازي يزهم على المغربي والمغربي يجاوب المشرقي، وبلغات أهلها مقاول تعبر عن مقاصدهم وتوضح لحقائقهم وتشرح لدعاويهم وتفند الأضاليل المنشورة جهلاً أو تجاهلاً بحقهم". ولقد لبث الوفد السوري - الفلسطيني طوال هذه السنوات التي أقامها في أوروبا ينصح ويرشد ويقوّم أبناء جلدته بالاهتمام بهذا المشروع الاعلامي الكبير، ولم يجد ملبياً أو تجاوباً كلياً لهذا العمل الجبّار. وأخيراً على رغم كثرة الأشغال ووفرة النفقات وشدة المعاكسات أجمع أن ينشر بقلم أعضائه مجلة إفرنسية العبارة، ترمي الى هذا الغرض النبيل وتقوم بحماية الحقائق العربية وردّ ما يناصبها من الأضاليل وجعلها في الوقت الحاضر مجلة شهرية لا تتجاوز صفحاتها 40 أو 50 صفحة حتى اذا صادفت اقبالاً ولقي مشروعها تسديداً ظهرت مرتين في الشهر. حرر هذه المجلة الشهرية الأمير شكيب ارسلان واحسان بك الجابري. وكلاهما مشهود لهما بالوطنية الصادقة وتفانيهما في الدفاع عن مصالح الوطن وبني قومه. وكلاهما مشهور ببلاغة البيان ورسوخ القدم في ميادين الأدب والتاريخ والاجتماع والسياسة. بل لقد عدّ امير البيان في ذلك الزمان في مقدمة الكتّاب العرب بلاغة في الأسلوب وسمّواً في الفكر واخلاصاً في الدفاع عن الشرق وقضايا الاسلام أمام التيارات الأوروبية وبدعها. واحسان بك الجابري احد المناضلين الوطنيين الذين لاحقهم الانتداب الفرنسي في سورية وأحد النهضويين السياسيين المرنين، الذي كان له شأن عظيم في سورية. كانت هذه المجلة الناطق الرسمي العربي في جنيف ملتقى مندوبي الأمم والدول فكانت لسان حال المثقفين والمتنورين واصحاب الأقلام الحرة تلاحق قضايا واهتمامات الوطن العربي والاسلامي بكل موضوعية وتجرّد وثبات وأمانة. جاء في كتاب عروة الاتحاد بين أهل الجهاد، مطبعة جريدة العلم العربي، بيونس ايرس، آب اغسطس سنة 1941 عن هذه المجلة هذه العبارة: "وأمّا مجلة لاناسيون آراب العربية المنهج الفرنسية الملهج، التي كان يصدرها الأمير شكيب واحسان بك الجابري من اعضاء الوفد السوري الفلسطيني، ثم صار يصدرها وحده، فإنها تصدر من عشر سنوات في جنيف، والجزء الواحد منها كان يكلفهما خمسين جنيهاً، وقلما كان يأتيهما من بدل الاشتراك ما يقوم بثلث مصاريف المجلة. وفي رسالة وجهها الأمير شكيب الى الإمام محمد رشيد رضا بتاريخ 7 من المحرم 1351 ه 1932 يشكو من عسر حالته المالية، وقلة الاشتراكات في المجلة. ولهذا تأخر الأمير أربعة أشهر حتى أصدر العدد الأخير من المجلة ويقول: "وربما آخر عدد إن لم تأتنا الاشتراكات المتأخرة". وكان يوزع منها في أوروبا نحو من ألف نسخة مجاناً بلا عوض، وذلك على رجال الحكومات، وعلى مشاهير السياسيين، والنواب والشيوخ، وأمهات الصحف الأوروبية، وكان يرسل منها 500 نسخة الى فرنسا وحدها. ويقول الأمير في رسالة أخرى وجهها الى السيد محمد رشيد رضا مدافعاً عن وجهة نظره في اصدار المجلة. وثناءه عليها: "هي مجلتنا لاناسيون آراب التي نشرناها أنا وزميلي احسان بك الجابري من سنة 1930، فأقبل الناس من المسلمين والأجانب على مطالعتها، لأنهم رأوا فيها لسان حال العروبة والاسلام في أوروبا، وكانت تظهر لنا علامات اهتمام الدول الأوروبية بما كان يُكتب الينا من تلك الدول في السؤال عن أعدادها، والإلحاح في ارسال ما يفقدونه منها. ولمّا كنّا نعلم أهمية وجود مجلة في أوروبا تتكلم بلسان الاسلام، وتدافع عن حقوقه وحقائقه، وهي محررة بأشهر لغة أوروبية، كنا ملتزمين اصدارها لفائدتها السياسية والأدبية، ولم تكن بدلات الاشتراك بها توازي نفقاتنا عليها، كما هو معلوم من تقصير المسلمين في تأدية بدلات الاشتراك في الصحف، وهذا مما كان يعلمه صاحب المنار أكثر من غيره، فقد ضاع له عند المشتركين بالمنار اموال لا تحصى. كمنا اننا من سبع سنوات ننفق أنا وزميلي من صلب مالنا الخاص على مجلتنا لاناسيون آراب، لا سيما بعد أن منعت الحكومة الافرنسية دخولها الى شمال افريقيا والى سورية، ومنعت الحكومة الانكليزية دخولها الى فلسطين، وقد كان قبل هذا المنع لا تقوم بنفقاتها، فكيف من بعده"؟ العدد الأول اشتمل العدد الأول على الموضوعات الآتية: كانت مقدمة المجلة في نشأة العرب المستأنفة وتليها مقالة عن حال سورية السياسية وتليها مقالة عن السياسة الاقتصادية في لبنان والغاء المدارس فيه. وتليها تصريحات للسيد عبدالحميد كامي عميد طرابلس الشام، ثم مقالة عن ذكرى استقلال سورية في 8 آذار/ مارس سنة 1920. وتليها مقالة تأمل قليل بمناسبة نازلة الجنوب الغربي من فرنسا. ثم بحث عنوانه الصهيونية الى الهاوية. ثم فصل عن ظفر ابن سعود. ثم مقال التجدد التركي والمدينة العربية. وفي ختام العدد قطعة للكاتب الفرنسي الشهير كلود فارير عن حمراء غرناطة. أما عدد صفحاتها 50 من القطع الوسط. ان مجلة الأمة العربية كغيرها من الصحف كانت شبيهة ب"العروة الوثقى" لجمال الدين الأفغاني، وجرائد الفتح والجهاد والشورى والمؤيد. أثارت قضايا الحق والعدالة والانصاف، وكانت منبراً من منابر الأحرار، وكأن صفحاتها الخمسين مجلدات تحوي الدفاع عن القضية العربية - الاسلامية، وتفند أباطيل الاستعمار وتقارع حججهم، وتحلل سياساتهم العدوانية. ويبدو ان الأمير شكيب نشأ صحافياً عندما كان في بيروت وراسل الأهرام بدءاً من العام 1890 عندما كان في الثامنة والعشرين من عمره. ولمّا رحل الى الغرب عاوده الحنين الى الصحافة، فعاد اليها كاتباً ولكن الآن بالفرنسية. يقول الجابري وارسلان في كلمة "التمهيد" في العدد الأول الذي صدر في آذار سنة 1930: هدفان يتصدران الاسباب التي دفعت الى تأسيس هذه المجلة وهما: الأول: التعريف بالأمة العربية، كما هي، بعيداً عن الأحكام الكيفية التي أصدرها زوّار كثر لم يهتموا، للأسف الشديد، بعنصري الحياد والموضوعية. والثاني: ان تعرض للعالم الغربي مطالب أمة أضاءت انوار حضارتها ظلمات القرون الوسطى وبقايا من أطلال العالم الاغريقي والروماني فأضحت من أهم العوامل التأسيسية للعالم الحديث. ان الأمة العربية جديرة بماضيها كما بحاضرها، بأن تدخل وبتناغم كبير مجتمع الأمم المتحضرة، مشددين على ان هذا الدخول سوف يدعّم روحية السلام والتضامن بين الشرق والغرب لما فيه المصلحة الكبرى للمجتمع الدولي. ان نهجنا سيلتزم الموضوعية في هذه المهمة الصعبة التي فرضناها على أنفسنا. فإن نحن استطعنا، بفضل هذه المجلة، ان نخاطب ونثير اهتمام العقل والفكر الأوروبي بأمور الشرق عموماً والأمة العربية خصوصاً، نكون قد حصلنا على التشجيع والدعم اللازمين، وتلك هي مكافأتنا الأهم". كانت قيمة اشتراك المجلة 10 فرنكات سويسرية، أي 40 قرشاً مصرياً، أو دولارين أو 8 شلنات. و"هذه فرصة لكل عربي مخلص في الدنيا يريد إعلاء شأن الأمة العربية وحضارتها والقضايا الشرقية ورفع شكايتها في العالم الخارجي، فالذي يعرف اللغة الافرنسية، من واجبه أن يشترك بها وأن يهديها المخلصون الى كبراء الساسة الاجانب واعضاء المجالس النيابية في أوروبا وأميركا. فيا أيها العربي أينما كنت. ويا أيها المسلم حيث أنت بادر الى خدمة وطنك المظلوم بإهداء مجلة الأمة العربية ليتسع انتشارها وتعمّ كلمتها فيرتفع صوتها وفي هذا ارتفاع صوتك وإعلاء شأنك". "بادر الحصول على هذه المجلة أو الاتصال بها أو التبرع لها أو اهداء لمن تريد أو لمن تشاء من القراء. هي فرصة للشعوب المظلومة فلتغتنمها وأي غنيمة أكثر ربحاً من نشر جريدة باللغة الفرنسية في أوروبا يحررها قلم كاتب الدنيا الأمير شكيب وقلم زميله السياسي الأشهر إحسان بك الجابري". كما يقول محمد علي الطاهر صاحب الشورى التي كانت تصدر في القاهرة في مقال له نشر يوم الأربعاء 17 ذو القعدة سنة 1348 ه. الموافق 16 ابريل نيسان سنة 1930. * كاتب لبناني.