الكتاب: من أمير البيان شكيب أرسلان إلى كبار رجال العصر تصنيف: نجيب البعيني منشورات: دار المناهل - بيروت الطبعة الأولى: بيروت 1419ه/ 1998 م الكتاب الذي بين أيدينا هو ثالث كتاب يصنفه نجيب البعيني في موضوع أمير البيان. إذ أصدر كتاباً بعنوان "أمير البيان شكيب أرسلان ومعاصروه" سنة 1993، وفي سنة 1995 أصدر الكتاب الثاني بعنوان "أمير البيان شكيب ارسلان في الشعر والنثر". وصدر الكتابان عن الدار الجامعية في بيروت. الكتاب الثالث هو حلقة في سلسلة شكيب ارسلان للكاتب البعيني الذي أصدر حتى الآن 18 كتاباً في مواضيع عدة. يقع الكتاب في 432 صفحة ويتضمن بعضاً من رسائل الأمير التي تبادلها مع رجال عصره من العرب والعجم. أهدى المؤلف الكتاب إلى صديقه الدكتور محمد خليل الباشا، وقدم المؤلف لكتابه فذكر ان كتابه يضم بعض رسائل الأمير وتفوته رسائل كثيرة تناثرت في أقطار الأرض. وأعرب المؤلف عن عزمه على الاستمرار في البحث وإصدار الرسائل "خصوصاً ان عدداً منها ما زال في المغرب وسورية والجزائر وتونس والقاهرة وبرلين وجنيف وروما وباريس. والسفر إلى تلك البلدان ليس في هذه الأيام بالأمر اليسير، بل هو من عمل مؤسسة تتوافر فيها المقومات اللازمة لهذه المهمة". ومما جاء في المقدمة: ان شكيب ارسلان أحصى ما كتبه حتى سنة 1935 فكان عدد المكاتيب الخصوصية 1781، وعدد المقالات 176، وكان عدد القصائد قصيدتين ومقطوعة، وحرر كتاباً عن سوقي في 350 صفحة، كما كتب حواشي ابن خلدون في 560 صفحة، وطبع ديوان روض الشقيق لأخيه، وكتب الجزء الأول من كتاب الأندلس، وحضر ديوان شعره للنشر، ولخص كتاب ليفي بروفنسال. وهذه الأخبار تدل على ثراء مراسلات الأمير شكيب ارسلان. وذكر المصنف البعيني ان "أحد أساتذة الجامعة اللبنانية في بيروت عرض عليه شراء عدد من الرسائل" فرفض لأسباب مالية، ص11. ويقول المصنف: "ونمي إليّ أن هناك نحو أربعين رسالة يحتفظ بها أحد الاشخاص ويطلب فيها سعراً مرتفعاً، وآخر قال لي في إحدى المناسبات إنه يملك رسائل قديمة للأمير من أيام المتصرفية، وذهبت إليه في الجبل مرات عدة فلم اوفق، وتأكد لي أنه يطمع في الحصول على ثمن عالٍ بها، وشخص آخر من الدكاترة الباحثين لديه اضبارة فيها عدد من الرسائل ليست ملكه استعارها واستمسك بها، وقد كلفني صاحبها المحامي ان اطالبه بها لكي أنزلها في كتابي نظراً لأهميتها، ولما سلمته كتاب المحامي أنكر وجودها، سامحه الله" ص11. جمع البعيني في مصنفه 202 من رسائل شكيب ارسلان، وبهذا فتح الباب أمام إصدار سلسلة من رسائل أمير البيان. أولى الرسائل التي يضمها الكتاب رسالة من ارسلان إلى صديقه محمد بك خضر كتبها في المدرسة السلطانية في بيروت في 4/11/1886، والثانية موجهة إلى عبدالقادر قياني صاحب مجلة "ثمرات الفنون" التي استمرت بالصدور في بيروت حتى سنة 1909، والرسالة مؤرخة في 8/11/1890. والرسالة الثالثة تعزية إلى آل ملاعب بفقيدهم الشيخ ابي يوسف أمين صالح ملاعب، وكتبها من جنيف في 6/5/1932. والرسالة الرابعة وجهها الأمير إلى عضو مجلس إدارة جبل لبنان محمد بك صبرا الأعور يطالب فيها بالعفو عن المسجونين في قضاء حاصبيا والشوف في أيام المتصرف نعوم باشا 1898. والرسالة الخامسة دعوة عامة من الأمير إلى اخوته المحترمين لأجل الاشتراك بحفلة تنصيب شكيب ارسلان في منصب قائمقام الشوف في بعقلين في 26/7/1900 بعد استقالة عمه الأمير مصطفى ارسلان وكتبت الرسالة في 22/7/1900. وجاء فيها: "وتعيّن يوم الجمعة 26 تموز 318 لقراءة البيورلدي الكريمة، فالمأمول حضوركم في اليوم المذكور لأجل الاشتراك في الدعاء بحفظ ذات مولانا الخليفة الأعظم أيده الله، ووفقنا لخدمة دولته العلية ودام بقاكم". يلاحظ ان الأمير استخدم كلمة "البيورلدي" في هذه الرسالة، وهي كلمة عثمانية تركية، ومعناها أمر، مرسوم، ومصدرها بيورمق: الآمر، الحكم، التوقيع، التفضُّل. انظر قاموس اللغة العثمانية المسمى بالدراري اللامعات في منتخبات اللغات، جمع وترتيب محمد علي الانسي باشكاتب محكمة بداية بيروت. ص: 137. إن مصنف رسائل أمير البيان لم يفسر معنى كلمة "البيورلدي" التي استخدمها الأمير بمعنى قرار تعيين ونعته بالكريم، بينما وردت في نص البعيني الكريمة، ولا أدري لماذا أنث الصفة سيما وأن نص ارسلان المصور يمكن ان يُقرأ بالتذكير والتأنيث. وهذه الكلمة ليست الوحيدة من الكلمات المتداولة آنذاك واستخدمها الأمير شكيب ارسلان في رسائله. ففي الرسالة السادسة التي أوردها البعيني ووجهها ارسلان إلى محمد بك صبرا الأعور بخصوص سجناء عكا وطرابلس استخدم الأمير أكثر من كلمة عثمانية ولم يشرح المصنف معانيها باللغة العربية على رغم ان الذين يفهمون العثمانية من القراء العرب هم أندر من بيض الانوق. يقول أمير البيان: "وَرَدَ الجواب من دولتلو ناظم بأنه قدم العرض لباشكتابة المابين الهمايوني باسترحام العفو الشاهاني عنهم..." ص21. وهنا يضعنا المصنف وجهاً لوجه مع ألفاظ أعجمية من دون ترجمة، فكلمة "دولتلو" تعني صاحب الدولة. وهي عنوان للوزارة والمشيرية، أما كلمة "باشكتابة" رئاسة القلم، فهي مركبة من كلمتين الأولى عثمانية "باش" ومعناها رئيس، أول، آمر، مقدم. والثانية كتابة وهي عربية مفهومة. وأضاف الأمير إلى رئاسة القلم مضافاً إليه وهو "المابين الهمايوني" ومعني "ما بين" بالخاصة. ففي اللغة العثمانية استخدمت كلمة "مابينجي" بمعنى جليس السلطان وخاصته. وكلمة "مابينجيلك" تعني التقرب من السلطان. وكلمة "هُمايون" فارسية - عثمانية، معناها سعيد، سلطاني، ملوكي. وكلمة "الشاهاني" فارسية مردودة إلى كلمة "شاه" ومعناها ملك. سلطان، رئيس، والنسبة إليها بالفارسية والعثمانية "شاهانه" ومعناها ملوكي سلطاني. لكن الأمير ارسلان ألحق بها في رسالته باءَ النسبة العربية. إذا كان الاستاذ المصنف يفهم معاني هذه الكلمات، فإن القارئ العربي لا يستطيع فهمها ولا تتوافر المعاجم العثمانية إلا للباحثين المتخصصين، وشرح معانيها يضيف فوائد لما قدمه لنا المصنف بجمعه لرسائل الأمير. تنوعت مواضيع الرسائل، ففيها التعازي والتهاني، وفيها التدخل في القضايا الاجتماعية والسياسية والادبية والثقافية، ولا يقتصر اهتمامه على قضايا الأمة العربية، بل يتعدى حدود الوطن العربي ليتبنى قضايا المسلمين في البلقان ص118 وأندونيسيا والهند ص254 وص407. ففي القضايا المحلية الداخلية تبرز رسائله إلى رشيد نخلة، ومحمود الطويل حماده. أما القضايا العربية فقد تبناها الأمير قولاً وعملاً حين قصد ليبيا لمحاربة الغزو الاستيطاني الطلياني، والتقى أنور باشا واشترك معه في العديد من المعارك الحربية قرب طبرق. ومن هناك ارسل رسالة إلى صديقه في بعقلين محمود الطويل حمادة. وراسل الشيخ محمد رشيد رضا يدعوه إلى مساعدة الليبيين، كما راسل الشيخ محمد فراج المنياوي رئيس جمعية تضامن العلماء في مصر ودعاه إلى مساعدة المنكوبين الليبيين. الرسالة الثالثة والثلاثون في المصنف هي تلك التي بعثها الأمير إلى الزعيم الليبي بشير السعداوي في إطار التنسيق معه من أجل تدبر أمور المهجرين الليبيين ص66 كما ارسل له في 9/10/1934 بخصوص المهجرين باعتبار السعداوي رئيس اللجنة التنفيذية للجاليات الطرابلسية البرقاوية ص347. إن إيراد رسالتين من الأمير شكيب إلى بشير السعداوي هو قليل جداً، لأن الزعيمين تبادلا عشرات الرسائل خلال سنوات الكفاح والنضال عربياً وإسلامياً. جمع كتاب رسائل الأمير شكيب أرسلان عدداً من الرسائل لكن المصنف لم يترجم للرجال المذكورين في الرسائل وهذا يستدعي تحقيق الكتاب تحقيقاً علمياً لشرح كلماته الصعبة، وايضاح الكثير من الأمور كتراجم الرجال، وتعريف البلدان والاماكن، والقضايا السياسية التي تناولها الأمير في رسائله، إضافة إلى استكمال ما يمكن الحصول عليه من رسائل الأمير الموزعة ولم تنشر حتى الآن