القاهرة - "الحياة" - تعددت أهداف الرحلات التي قام بها الأوروبيون الى مكةالمكرمة في مختلف العصور الإسلامية. فبعض هؤلاء كانوا جواسيس، هدفهم نقل معلومات إلى دولهم أو إلى الشركات التي كانت تمثل مصالح هذه الدول، كشركة الهندالشرقية، الإنكليزية. والبعض الآخر كان هدفه التمتع بسحر الشرق متأثراً بحكايات "ألف ليلة وليلة". أما بعض التجار الأوروبيين الذين اشهروا اسلامهم فكان حجهم الى مكةالمكرمة أمراً طبيعياً. ولكننا نقف أمام حال متفردة بين هؤلاء هي حال جوزيف بتس، الذي حج الى مكةالمكرمة، في ظل توتر سافر في العلاقات الإسلامية - الاوروبية في الربع الاخير من القرن السابع عشر. كان أول من اهتم برحلة بتس هو الباحث عبدالرحمن الشيخ الذي ترجمها الى العربية، مبيناً أهميتها في إلقاء الضوء على نتائج الصراعات السياسية في القرن السابع عشر. ولد جوزيف بتس في انكلترا، ودفعه ذكاؤه وحبه للمعرفة الى مغادرة بلده سنة 1678م، قبل أن يتجاوز السادسة عشرة من عمره. عمل بحاراً على إحدى السفن، فيما كانت حروب الجهاد البحري من جانب المسلمين في غرب البحر المتوسط تسجل انتصاراتها، ومن ضمن ما أسفرت عنه هو اسر بتس وبيعه الى ثري مسلم يعيش في الجزائر. وعندما قرر ذلك الثري أن يحج دعا بتس إلى الإسلام ليتمكن من اصطحابه في تلك الرحلة المباركة. وفي وصفه لتلك الرحلة وقع بتس في أخطاء عدة نتيجة عدم إلمامه بالدين الإسلامي، على رغم اعتناقه له. ومن ذلك اعتقاده ان الطواف حول الكعبة يعني انها وثن يعبده المسلمون. وهناك رحالة آخر شهير هو بيرتون، مترجم "ألف ليلة وليلة" الى الانكليزية، الذي زار مكة في أوائل القرن التاسع عشر. كان أكثر نضجاً من بتس، إذ ذكر ان ابسط مسلم يعلم أنه يطوف حول الكعبة تأسياً بإبراهيم الخليل وأنه لا يعبد الكعبة، وذكر أن العقائد الإسلامية المرتبطة بالكعبة هي أبعد ما تكون عن الوثنية. أما الرحالة بوركهارت الذي زار مكةالمكرمة في مطلع القرن التاسع عشر فكرر في صفحات رحلته أن المسلمين يعبدون الله سبحانه وتعالى، وانهم موحدون من الطراز الأول. قدم بتس وصفاً لمكة فذكر أنها تقع في وادٍ غير ذي زرع وسط تلال صغيرة كثيرة، لذا فهي لا تحتاج إلى أسوار حربية لحمايتها. وذكر أيضاً أن في مكة ماءً وافراً، إلا أن العشب فيها نادر إلا في مواضع قليلة، ويخطئ حين يذكر أن الفاكهة تأتي إلى مكة من الحبشة، فالصحيح أنها كانت تأتي إليها من الطائف. ويروي بتس أن كثيراً من الحجاج المغاربة كانوا يقومون ببيع نماذج مصغرة للمسجد الحرام، وبتقديم خدمات للحجاج. وبعد انتهاء بتس من مناسك الحج غادر مع قافلة الى المدينةالمنورة، التي يذكر عنها أنها ليست إلا بلدة صغيرة يحيط بها سور وفيها مسجد كبير في أحد أركانه قبر الرسول عليه الصلاة والسلام. وبعد أن عاد بتس الى الجزائر، اعتقه سيده واعتبره ابناً له، وظل حلم العودة الى انكلترا يراود بتس حتى قرر مغادرة الجزائر على ظهر سفينة ذاهبة الى اسطنبول، وهناك فكر كثيراً في العودة الى الجزائر ، ولكن تاجراً انكليزياً شجعه على العودة إلى انكلترا فعاد إليها حيث سجل رحلته تلك، ووضع كتاباً عنوانه "حقائق عن الإسلام".