الزيارة الرسمية التي يقوم بها رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري لباريس في 14 و15 شباط فبراير الجاري، تلبية لدعوة نظيره الفرنسي ليونيل جوسبان، تكاد تكون حدثاً عادياً جداً، نظراً الى الصداقة التي تربطه بالرئيس الفرنسي جاك شيراك، وزياراته الخاصة غير المعلنة له، لو انها لم تأتِ في مرحلة دقيقة بالنسبة الى العلاقات اللبنانية - الفرنسية وأيضاً بالنسبة الى الوضع الداخلي الفرنسي في ظل التعايش بين الرئيس الديغولي وجوسبان الاشتراكي الذي سينافسه في انتخابات الرئاسة عام 2002. وتعزو مصادر فرنسية مطلعة دقة المرحلة بالنسبة الى العلاقات اللبنانية - الفرنسية الى الجمود الكبير الذي شهدته عقب انتخابات الرئاسة اللبنانية وتسمية الرئيس اميل لحود الدكتور سليم الحص رئيساً للحكومة في بداية عهده. وترى المصادر "ان الجانب اللبناني هو الذي تسبب بهذا الجمود في حينه، كون شيراك بادر بتهنئة لحود هاتفياً بانتخابه ودعاه الى القيام بزيارة دولة لفرنسا، ندم عليها لاحقاً، لكنه عاد وأكدها مجدداً. الا ان لحود لم يرد بعد على الدعوة او يفصح هل هو راغب في القيام بمثل هذه الزيارة ام لا. فعندما زاره مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية السفير ايف اوبان دو لا ميسوزيير، ابلغه ان فرنسا تتطلع الى إعادة دفع العلاقات مع لبنان، عبر مراحل ثلاث: زيارة الحريري المقبلة، ثم زيارته المرتقبة، ثم القمة الفرنكوفونية المقرر عقدها في بيروت في تشرين الاول اكتوبر المقبل". وأدى عدم تعليق لحود على امكان تلبية الدعوة الفرنسية، الى تساؤلات فرنسية: هل يرغب فعلاً في زيارة باريس، ام انه يتريث في الخوض في الموضوع، في انتظار ان تتم زيارة الرئيس بشار الاسد للعاصمة الفرنسية في حزيران يونيو المقبل، ليتخذ قراره بعدها. وأشارت المصادر المطلعة الى ان شيراك عاد وأكد دعوته لحود، وان الكرة الآن في ملعبه، اذ يعود اليه امر تقرير موعد قيامه بالزيارة. وزيارة الحريري التي يتخللها لقاء منفرد مع جوسبان، يتبعه غداء عمل موسع يضم اعضاء الوفدين اللبناني والفرنسي، ولقاء مع شيراك الذي يقيم له ولزوجته عشاء خاصاً في قصر الاليزيه، تهدف الى مطالبة فرنسا بتأييد سياسي واسع لموقف لبنان. وقالت اوساط فرنسية ان باريس ستؤكد للحريري دعمها للبنان، مع التذكير بضرورة نشر الجيش في الجنوب، وان هذا الدعم لا يمنع الاختلاف في وجهات النظر على بعض المواضيع. وأبلغت هذه الاوساط "الحياة" ان العلاقات الفرنسية - اللبنانية شهدت بين 1994 و1997 انطلاقة كبيرة ونشاطاً كثيفاً، لكنها جمدت بعد ذلك. ومن شأن زيارة الحريري ان تعيد دفعها على كل المستويات في ما يتعلق بالسياسة. اما على الصعيد الاقتصادي فهناك اتفاق بين البلدين بدأ تفعيله منذ نحو سنة، وهو في مستوى 2،1 بليون فرنك فرنسي. وكان هذا الاتفاق وقع في سنتي 1995 - 1997 وبدأ استخدام 80 في المئة منه منذ سنة على النحو الآتي: 616 مليون فرنك لمشاريع في حقل المياه، و243 مليوناً لمشاريع في حقل الكهرباء، و103 ملايين للطيران المدني والاعلام المرئي. وقالت مصادر فرنسية مطلعة ان الحريري يريد من فرنسا دعماً للحصول على مساعدات مالية من الاتحاد الاوروبي، في مقابل جهد لبنان للاستعداد لتوقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد. وأضافت ان الحريري اكد حرصه على العمل للتقدم نحو هذا الاتفاق، لكنه يتوقع في المقابل ان يبذل الاتحاد جهداً مالياً خاصاً حيال لبنان من دون ان يشرح بالتفصيل طبيعة هذا الجهد وشكله، على ان يوضحهما خلال زيارته لباريس، على ما هو متوقع. وتتزامن زيارة الحريري هذه مع تولي آرييل شارون رئاسة الحكومة الاسرائيلية، وتبدي الاوساط الفرنسية اهتمامها بمعرفة رأيه في التأثير المحتمل لهذا التطور على صعيد الوضع في لبنان. كذلك تأتي الزيارة في ظل التنافس المبكر على الرئاسة الفرنسية الذي بدأ يطغى على التعايش، لكن جوسبان عازم تحسين صورته عربياً ويعلق اهمية على العلاقة الفرنسية - اللبنانية لأنه مدرك تعلق الرأي العام الفرنسي بلبنان. وعلى رغم الصداقة بين الحريري وشيراك، فإن اوساط جوسبان تعلق اهمية على زيارته لباريس، وقد تبين انه اكثر نشاطاً من سلفه على الصعيد الدولي، وان فريقه الحكومي يضم وزير الثقافة غسان سلامة الذي يحظى باحترام وتقدير في الاوساط الفرنسية المسؤولة، خصوصاً على صعيد الاشتراكيين وأوساط جوسبان ووزارة الخارجية. وكان الحريري ذكر الجانب الفرنسي بضرورة الاهتمام بالاعداد لزيارة دولة يقوم بها الاسد لباريس، اذ تنبغي مساعدة الرئيس الشاب في مسيرة الانفتاح التي يتولاها، وأشاد بمزاياه امام زواره الفرنسيين الذين شاركوه هذا الرأي. الا ان الاوساط الفرنسية استغربت العدد الكبير للوزراء الذين يرافقون الحريري الى باريس وهم: المال فؤاد السنيورة والاقتصاد باسل فليحان والطاقة والمياه محمد بيضون والدفاع خليل الهراوي والدولة للشؤون البرلمانية ميشال فرعون والثقافة غسان سلامة والخارجية محمود حمود والاشغال العامة والنقل نجيب ميقاتي والداخلية الياس المر والاتصالات جان لوي قرداحي. وأبلغت رئاسة الحكومة الفرنسية السفير اللبناني في فرنسا اليزيه علم ان قاعة الغداء في القصر الحكومي لا تتسع لأكثر من 9 أعضاء لكل من الوفدين اللبناني والفرنسي. وقالت مصادر فرنسية ل"الحياة" ان الحريري اوضح ان ارتفاع عدد اعضاء الوفد يهدف الى اظهار اهمية الزيارة، وذكرت ان المواعيد الموازية للقاءات بين الوزراء اللبنانيين ونظرائهم الفرنسيين حددت. ويختتم الحريري زيارته الرسمية الخميس 15 شباط، بلقاء صباحي في غرفة التجارة والصناعة، ومن المتوقع ان يبقى في العاصمة الفرنسية حتى نهاية الاسبوع.