الباقة المتفجرة بألوان الموسيقى الكلاسيكية على أنواعها وصلت الى مرفأها السنوي في التلة الصنوبرية المشرفة على العاصمة بيروت، بيت مري، حيث يبقى فندق البستان حاضناً للتظاهرة الفنية المثلى، خصوصاً على صعيدي التنظيم والمستوى. وهذا العام إذ يبدأ مهرجان البستان للموسيقى الكلاسيكية في العشرين من شباط فبراير الجاري، للتظاهرة نكهة ايطالية مقطوفة بدراية وحرص من الحقل الأوروبي كله، حتى حفلة الافتتاح التي تحييها الأوركسترا السمفونية الوطنية سيقودها اومبيرتو بينيديتي ميكيلانجيلي، ويشارك في احيائها أحد أبرز عازفي الكمان الايطاليين، ماركو ريتزي. ولعل ما يلفت في نشوء وتطوّر الفرقة السمفونية اللبنانية انها ما توقفت عن احياء الامسيات المتنوعة - المجانية - خلال العام المنصرم، ومعظمها برعاية وزير الثقافة غسان سلامة وادارة المايسترو وليد غلمية، ناهيك عن قيادته، حتى استطاعت ان تجذب الى قصر الأونيسكو وأماكن أخرى كالاسمبلي هول، جمهوراً ذواقة بدأ يتشكل ويأتزر حولها. وتلك ظاهرة قلّ نظيرها في العالم العربي، حيث تسود ظواهر الموسيقى الايقاعية التقليدية، لئلا نتطرّق الى سواد الموسيقى الهابطة. مما يشمل لبنان ايضاً. يبقى السؤال المحيّر الذي طرحناه وطرحه سوانا غير مرّة: هل تستطيع الفرق السمفونية الوطنية، وبالتالي المهرجانات الكلاسيكية، كمهرجان البستان، ان تساهم في رفع مستوى الذائقة الموسيقية لدى العامة وربما تكوين حصان طروادة مطلوب لاقتحام حصون الرداءة المتفشية في عالمنا الموسيقي، على رغم ما لدينا فيه من تركة، أقل ما يقال فيها ان ماضيها افضل ألف مرّة من هذا الحاضر المبتذل؟ يبدأ المهرجان بالفصول الأربعة لفيفالدي، اضافة الى عملين لموتسارت مع الأوركسترا السمفونية اللبنانية. ويمكن القول انه خيار اغرائي جذاب من الدرجة الأولى، ذلك ان الاذن العامة لا بد من أن تكون قد تعرّضت لمساع "الفصول" في ردهات دور العرض السينمائي أو حتى عند "وصلات" الانتظار على الهاتف، إذ بات استعمال مقاطع منها رائجاً جداً. ويندرج هذا الاغواء النوعي على الطبيعة الجياشة والملوّنة للموسيقى الايطالية عموماً، والأوبرالية على وجه الخصوص. فالرباعي الوتري الوافد من مدينة البندقية وفرقة "ديليتو موديرنو" الأوبرالية من المدينة العائمة نفسها سيليان حفلة الافتتاح. ثم فرقة اركاتا شتوتغارت بقيادة باتريك ستراب في معزوفات مختارة لبوتشيني والبينوني وموتسارت يصحبها نجمان لامعان في عالم العزف هما اينغو غوريتشكي وغابي باس - فان ريف. ويقطف البستان من الحديقة البولندية أشهى ثمار الأوبرا الايطالية كما تؤديها فرقة أوبرا الغرفة في وارسو التي جاءت لتقدم "عودة عوليس الى وطنه" و"عرس الفيغارو" في نهاية شباط ومطلع آذار مارس المقبل. وتتألق في هذين العملين السوبرانو مارتا بابرينسكا كما تقدم زميلتها دوروثا لاشويتش امسية مستقلة في كنيسة مار ساسين القريبة من فندق البستان في بيت مري مساء الأول من آذار. ويتضمن مطلع آذار عودة أحد أكثر عازفي البيانو قرباً الى قلوب جمهور البستان، بوريس بروزمنسكي الذي يعود للمرة السادسة عند إلحاح الجمهور، كما يعود في الثاني عشر من الشهر نفسه نيكولاي دميدنكو الملقب بعملاق البيانو ليعزف مقطوعات صعبة وبالغة السطوة من ليست وشومان. وتأخذ ادارة البستان جمهورها المختار هذا العام الى مغارة جعيتا ذات المعلقات الساحرة في أمسية اعطيت لمئة وخمسين شخصاً ممن يودون دعم المهرجان مادياً حيث سيستمعون الى أناشيد جورجية يقدمها أعضاء فريق الانشاد الديني في مدينة كريمونا. وسيقدم هؤلاء حفلة سابقة في كنيسة مار ساسين للجمهور العريض. الا أن المشاركة المحلية لا تقتصر على ليلة الافتتاح، بل ستشارك فرقة الموسيقى الايقاعية اللبنانية المنبثقة من الكونسرفاتوار الوطني بسهرة خاصة في 11 آذار، كما سيعزف اللبناني زيار كريدي مساء الثالث عشر مع فرقة بليزر الهولندية الشهيرة في مقطوعات لبيتهوفن وموتسارت. للمرة الأولى يدرج البستان في برنامجه حصة "كلاسيكية معاصرة" أو ما يمكن اعتباره موسيقى شعبية ترسخت وبرهنت عن جدارة عالية، وذلك مساء الثامن عشر من آذار اذ يقدم سبعة موسيقيين، معظمهم زنوج، من شمال لندن، وأصول ترينيدادية يعزفون ايقاعيات سبق ان عرفها قصر باكنغهام الملكي البريطاني وويستمنستر آبي وهايغروف هاوس. أما المفاجأة السارة من باب النجومية على الأقل فتنتظر جمهور البستان مساء الثالث والعشرين من آذار مع مغنية الأوبرا الساحرة سومي جو يرافقها على البيانو فينسنزو سكاليرا الذي كان زار البستان عام 1999 للمرة الأولى، وهو سيرافق أيضاً أرمونيللا جاهو مساء السادس عشر. هؤلاء وغيرهم - خصوصاً المالطية الأصل اليزابيث وود، والسوبرانو الصاعدة، سيقدمون باقة بالغة الثراء من أفضل ما تحتويه الخزانة الكلاسيكية بين 20 الجاري و25 آذار مارس. كما سيكون لعشاق المسرح الخالص مناسبة نادرة لمشاهدة اداء خارج عن المألوف، يقدم للمرة الأولى، من بطولة جولي ليسيستراتا واخراج دانييل كريمر، وذلك مساء 20 آذار.