} ثار جدل في أميركا شاركت فيه الصحافة حول أريكتين ومقعد من البامبو ومائدة إفطار ومسند للقدم، وقطع أثاث أخرى قدر سعرها بنحو 28 ألف دولار، احتفظ بها الرئيس السابق بيل كلينتون بعد خروجه من البيت الأبيض، على رغم أنها كانت بين المقتنيات الدائمة لمقر الرئاسة الأميركية. وتدخلت في الحوار الشركتان اللتان أنتجتا الأثاث، وأصدر مكتب كلينتون بياناً يؤكد فيه أن أي خطأ سيصحح بسرعة. وكادت القضية أن تصبح فضيحة جديدة تلاحق الرئيس السابق. فهل تستحق القضية كل هذا الجدل؟ نعم تستحق هذا الجدل وأكثر منه، ليس بسبب قيمتها المادية، ولا تشفياً بالرئيس السابق، أو حرصاً على تشويه سمعته التي لا تحتاج إلى مزيد، وإنما من أجل قطع دابر قانون "هذا لكم وهذا لي"، الذي يجيز استحلال الهبات الشخصية التي يحصل عليها الإنسان خلال عمله في منصب عام، وخشية أن يصبح القانون ممارسة مقبولة من الرؤساء وكبار الموظفين في الحكومة، على غرار ما فعل ابن اللتبية الأزدي الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني سليم، فلما قدم قال لعمال بيت المال: هذا لكم وهذا أُهدِيَ لي. فقال الرسول الكريم: "هلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر يهدى له أم لا...". وابن اللتبية الأميركي لم يكن جالساً في بيت أمه خلال السنوات الثماني الماضية، وكل ما حصل عليه يعتبر من الممتلكات الحكومية، وإن كان مسند قدم يعلوه الغبار. إذا كان الأميركان غضبوا على ابن اللتبية الأميركي لأنه فهم خطأً أن منضدة وكرسياً وديباجة بالية تحق له، وتعهد بعدما عرف الخطأ أن يعيد الأثاث إلى الحكومة مع بالغ أسفه، فماذا سيقولون لو علموا أن ابن اللتبية في العالم العربي يستحل الملايين ويسخر كل ممتلكات الحكومة لخدمته وخدمة زوجته وأولاده ومحاسيبه وأقاربه، ولا يفرّق بين حقوق الحكومة وحقه الخاص، ولا يقول "هذا لكم وهذا لي"، وإنما يقول هذا لي و"هذا لكم مني" بحكم المنصب، ومن لم يعجبه فليشرب من البحر. وإذا ترك المنصب بدأ يكتب عن الوطنية والشفافية ويعلن تبرعاته للأيتام والأرامل والمرضى.