ثمة أسباب كثيرة للقلق خلال المرحلة الانتقالية في ليبيا. المجلس الوطني الانتقالي يحظى باعتراف العالم به، غير أن هناك نزاعاً على السلطة داخل البلاد ظاهره التنافس بين القيادة السياسية، وتحديداً رئيس الوزراء الانتقالي محمود جبريل وقيادة الثوار، أو عبدالحكيم بلحاج الذي خدم في أفغانستان وكان على علاقة مع القاعدة. وباختصار، فالثوار الذين لعبوا الدور الأساسي في إنهاء نظام معمر القذافي يخشون أن يكون السياسيون يسعون للانفراد بالحكم، ويقولون إن القيادة السياسية لا تشرك الثوار في اتخاذ القرارات. وفي حين أكد الجانبان أن الليبيين جميعاً ينتمون الى إسلام معتدل، فإن من الواضح أن هناك أقليات متطرفة تريد دوراً لها في الحكم الجديد. اليمين الاميركي يحرض إدارة اوباما على أن تكف عن «القيادة من الخلف» وأن تسعى الى قيام حكم جديد في ليبيا مؤيد للغرب. غير ان الادارة تقدّم على هذا قلقها ازاء الأسلحة الكيماوية التي يفترض أن تكون بحوزة ليبيا، فالقذافي بعد إعلانه التخلي عن أسلحة الدمار الشامل سنة 2003 خوفاً من أن يلقى مصير صدام حسين لم ينفذ كل وعوده. والاميركيون وخبراء في الأسلحة يتحدثون عن عشرة آلاف طن من غاز الخردل خبأها القذافي عن عيون المراقبين. ليبيا تستطيع بدخلها النفطي أن تصلح ما خرب القذافي، غير ان النفط الليبي سبب آخر للقلق فثمة حاجة لإصلاح المنشآت النفطية لاستئناف التصدير، فخلال 42 سنة من حكم القذافي لم تكن هناك خطة انمائية من أي نوع، وإنما مثّل النفط 95 في المئة من الدخل القومي. إعادة بناء قطاع النفط سيمكن الحكومة الانتقالية من تسريع السير نحو الديموقراطية عبر دستور وانتخابات نيابية وضمانات للقطاع الخاص المحلي والخارجي للمساهمة في إعمار البلد. عندي سبب آخر للقلق هو أطماع الدول الغربية، فالدور الذي لعبته فرنسا وبريطانيا لم يكن أبداً لوجه الله الكريم أو حبّاً بالعيون السود لليبيين، ونحن الآن نعرف جازمين أن الحكومة العمالية في بريطانيا تعاونت مع القذافي، الى درجة تسليمه مطلوبين رغم إدراكها أنهم سيُعذبون، مقابل صفقات نفطية وغيرها. وقد فعلت مثلها فرنسا، وزادت ايطاليا على ما سبق العلاقة الخاصة بين سيلفيو بيرلوسكوني ومعمر القذافي والدور النسائي فيها. نيكولا ساركوزي وديفيد كاميرون زارا طرابلس واستقبلا استقبال الأبطال، وكانا ليوم واحد أكثر شعبية في ليبيا منهما في بلادهما، وأقدر اعتراف الشعب الليبي بالدور الذي لعبه الناتو في ضرب قوات القذافي. غير أن شيئاً في الزيارة زاد قلقي أضعافاً، ففي الصور التي رأيتها (تابعت التلفزيون والتغطية الحية قليلاً) كان هناك ساركوزي وكاميرون ومعهما باستمرار الفيلسوف الفرنسي برنار - هنري ليفي، وهو ليكودي الميول متطرف، وصاحب مواقف ضد العرب والمسلمين، خصوصاً الفلسطينيين، وقد رأيته في بعض الصور متقدماً على وزير خارجية فرنسا آلان جوبيه، ربما بصفته مستشاراً غير رسمي للرئيس الفرنسي، فهو زار بنغازي في آذار (مارس) وأعلن تأييد الثورة على القذافي، ونصح ساركوزي بالتدخل العسكري بعد ذلك. ليست لي أي ثقة بنيات ليفي ازاء ليبيا أو أي بلد عربي، فهو يدافع عن حكومة نتانياهو رغم انها فاشستية مجرمة، ويرى القشة في عين المقاومة الفلسطينية ولا يرى الخشبة في عيون عصابة الحكم المتطرف في اسرائيل. مهارة ليفي هي في العلاقات العامة أكثر منها في الفلسفة، والسنة الماضية كانت له فضيحة مدوية بعد صدور كتاب آخر له بعنوان «عن الحرب في الفلسفة» فقد استشهد مطولاً بفيلسوف اسمه جان - باتيست بوتول في مهاجمة ايمانويل كانت واعتباره مجنوناً ومزيفاً، ثم تبين أن بوتول لا وجود له وانما هو من اختراع صحافي فرنسي كمزحة، ونشرت «الصنداي تايمز» في 9/2/2010 خبراً عن الموضوع عنوانه «برنارد - هنري ليفي أضحوكة للنقل عن فيلسوف غير موجود». شخصياً، أتمنى لو تمنع كل دولة عربية دخول ليفي أراضيها ليكتفي ببيع فلسفته الجوفاء في بلاده بدل أن يحاول بيعنا حلفاءه الاسرائيليين فهم سدرته ومنتهاه، لا أي مناضل عربي. [email protected]