بينما أعلن في سورية عن رفع الحصانة النيابية عن أربعة من أعضاء مجلس الشعب، أحدهم يرأس منظمة شعبية عريضة هي اتحاد الفلاحين وعضو في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، للتحقيق معهم باتهامات متعلقة بالفساد، برزت فجأة مشكلة جديدة موازية تمثلت في الاعتداء الغامض الذي تعرض له الكاتب الروائي الصديق نبيل سليمان. وما دار حول هذا الاعتداء الغامض وضعنا أمام "حصانة الكاتب". بعض من التقوا في مكتب الدكتور علي عقلة عرسان، رئيس اتحاد الكتّاب العرب، أرادوا أن يطرحوا الموضوع على أساس بعد سياسي وأمني له، الدليل عليه استدعاء نبيل من قبل أحد الأجهزة الأمنية، بعد إعلانه عن "المنتدى الثقافي" في اللاذقية. وإذا صحّ هذا التصور، فإنه تترتب عليه استنتاجات في غاية الأهمية والخطورة. أهمها أن "حصانة الكاتب" تجعل الأجهزة الأمنية عاجزة عن الوصول إليه مباشرة، فتصل إليه مداورة. فهل هذه هي حقيقة الموقف؟ لا نظنّ أن "حصانة الكاتب" في سورية، أو في أي بلد من بلدان العالم، وصلت الى الحد الذي تتفوق فيه على حصانات رؤساء ونواب رؤساء وزارات ووزراء وأعضاء مجالس نيابية وقادة منظمات شعبية، فلا يستطيع الجهاز الأمني أو القضائي مساءلة كاتب عبر الأجهزة ومنظوماتها، فيرسل إليه بدلاً عن ذلك من يضربه في عرض الطريق أو من يحطم باب سيارته! فمن ضرب نبيل سليمان إذن؟ إسألوا نبيل سليمان أولاً، واسألوا زوجته السيدة سميعة، فربما كان "عند سميعة الخبر اليقين". ودعوا أجهزة الأمن تحقق لمعرفة الجناة وقصدهم من وراء الجرم ودوافعهم لارتكابه. فالأمر لا يمكن ان يكون امنياً - سياسياً له صلة بجهاز ما من أجهزة السلطة لسبب بسيط، وهو أن هذا الجهاز إذا تنازل عن حقوقه وسلطاته في المساءلة المباشرة، وتحوّل الى مثل الأسلوب الذي حدث، يكون قد تخلّى عن كبريائه. ولا نظن أن "حصانة الكاتب"، مهما بلغت يمكن ان تضطر جهازاً امنياً للتخلي عن سلطاته وعن كبريائه وعن كرامته التي هي في نظره من كرامة السلطة التي يمثلها. ولو أن "المنتدى الثقافي"، وما ألقي فيه من محاضرات، كان الدافع لما حدث، لكان من الأولى أن يتعرض المحاضران المحامي جاد الكريم الجباعي، والناقد عبدالرزاق عيد، للاعتداء، وليس نبيل سليمان. أما إذا كان بعضهم يرى أن ما كتبه نبيل سليمان في روايته "سحر الليالي" يستفز مشاعر ما، ومنها مشاعر دينية، فإننا نود أن نوضح حقيقة أساسية بصدد النشر في سورية، وهي أن أيّ كتاب ينشر يعرض مسبقاً على الرقابة. وهذا العرض المسبق والمقترن بالموافقة يشكل حماية سلطوية مسبقة للكتاب والناشر" كما أن الموافقة المسبقة على الطباعة تتبعها الموافقة المسبقة على التداول. فإذا حدث على رغم ذلك، أن أثار كتاب ما مشاعر استياء في بعض الأوساط واعترض عليه، خضع الاعتراض للدراسة من قبل الجهات المختصة، مثل وزارة الأوقاف بالنسبة لكتاب يتعرض لأمور دينية. وينتهي الأمر عند هذه الإجراءات الإدارية المنظمة والمعروفة والمتعارف عليها. وتشكل بمجموعها جزءاً من "حصانة الكاتب". وإذا لم ينل الكاتب موافقة الطباعة بوسعه نشر كتابه خارج سورية. ومن المحتمل أن يحظى بموافقة التداول داخلها، فإذا حظي بموافقة التداول تحققت الحصانة. نورد هذه التفاصيل لكي يكون واضحاً ان رواية "سحر الليالي" لا يمكن ان تكون نشرت أصلاً من دون الموافقتين. فإذا كانت على رغم هذه الحصانة المسبقة، تستفز مشاعر اناس ما من زاوية دينية، وفق تقديرات من طرحوا هذا التصور، وأعادوا الى الذهن ما حدث للكاتب الكبير نجيب محفوظ في مصر، فإن المشكلة عندئذ تعود الى أساسها الجرمي كما رجح الدكتور علي عقلة عرسان، بغض النظر عن طبيعة دوافع الفاعلين. ولن تتضح جلية الأمر إلا إذا كشف النقاب عن الفاعلين وعرفت دوافعهم .... حتماً إن المسألة جنائية، والمجني عليه هو الأقدر على مساعدة الشرطة في التعرف على الجناة. عبدالرحمن غنيم رئيس فرع اتحاد الكتّاب والصحافيين الفلسطينيين في سورية