ودّع الاوكراني سيرغي بوبكا مسابقات القفز بالزانة رسمياً في دونتسك المدينة التي شهدت نشأته الواعدة نحو الانجازات والألقاب، ومهدت لاطلاق "قيصراً" في عالم المسابقة وأحد أبرز وجوه ألعاب القوى في القرن العشرين. بات بوبكا بالنسبة للقفز بالزانة اسطورة لا تتكرر على غرار مايكل جوردان في عالم كرة السلة. وهذا التكريس لم ينطلق من فراغ بل نتاج مسيرة امتدت على مدى 18 عاماً، وتحديداً منذ ان فاجأ 30 متبارياً في هلسنكي في بطولة العالم الأولى لألعاب القوى 1983، وأحرز ميداليته الذهبية الأولى، وليحتكر بعدها اللقب العالمي ست مرات متتالية. مسيرته تضمنت ايضاً لقباً اولمبياً 1988 وتحطيم الرقم العالم 35 مرة، و"الطيران" فوق ارتفاع 6 امتار 43 مرة، وصولاً الى رقمين قياسيين خرافيين 15،6م داخل القاعة، و14،6 في الهواء الطلق. ألقى بوبكا كلمة في احتفال اعتزاله محاطاً بكوكبة من ابطال المسابقة، لكن احداً منهم لم يدنُ من حافة انجازاته، وجميعهم يجدون فيه مثالاً يحتذى ونموذجاً استثنائياً. وفي دونتسك انشأ بوبكا نادياً رياضياً متطوراً لألعاب القوى يضم 300 متمرن و10 مدربين، يبث فيهم دائماً روح اجتهاده ومثابرته، وهي صفة يمكن لمن عايشه والتقاه التحدث عنها باسهاب اكثر... سيرغي بوبكا صاحب العينين المتوقدتين المتحفزتين للتحدي كان ينطلق في كل مناسبة بقوة دفع للزانة تفوق بنسبة 10 الى 15 في المئة متقدماً على منافسيه... ولم يكتفِ باستغلال هذه الميزة بل عمل على تطوير حركات التحفز والانطلاق، ما حدا بصانعي الزانة الى الأخذ بالاعتبار هذه الظاهرة في انتاجهم الجديد بدءاً من العام 1985 الذي شهد تجاوز بوبكا ارتفاع الستة امتار للمرة الاولى. واذا كانت تجربة بوبكا الاخيرة في سيدني فاشلة ما تُرك الأسى في قلوب المعجبين به، فإن محطة "أثينا 1997" في بطولة العالم أكدت على تعملقه، وانه من طينة مختلفة من الابطال، حيث اعاد الى الاذهان فوزه في هلسنكي، اذا لم يُرجّح احد فوزه لكنه "تسيّد" الموقف وحصد "التاج والصولجان". اما بريق الألقاب، فلم يغزُ رأسه، فبقي على تواضعه الجم، ما يزيد من غنى هذه الشخصية التي خطّت صفحات ذهبية في تاريخ ألعاب القوى والرياضة العالمية، وأصبح اختيارها لعضوية اللجنة التنفيذية للجنة الاولمبية الدولية تكريماً مستحقاً وصورة جلية برسم اجيال المستقبل.