في مجال البحث في المجتمع الإسرائيلي والتعرف عليه على مراحل تكونه وتبلوره وعلى مكامن القوة والضعف داخله كان من الضروري التوجه صوب آداب هذا المجتمع وإذا كان الإنسان هو محور اهتمام الأدب عامة والرواية الواقعية بصفة خاصة، فإن الإنسان عند الأديب الإسرائيلي أهارون ميجد هو الأساس الأول في بؤرة اهتمامه في أعماله. وما لفت عناية الباحث الدكتور عبدالرازق سيد سليمان في “الواقعية في النثر العبري الحديث هو اهتمام الأديب الإسرائيلي هارون ميجد الايجابي بالإنسان العربي الفلسطيني وذلك منذ وصوله مهاجرًا إلى فلسطين واحتكاكه المباشر بالفلسطيني خلال عمله بالميناء وحتى مجاهرته بحق الفلسطيني في أرضه وفي تقرير مصيره.جاء اختيار الباحث عنة “الواقعية في النثر العبري الحديث” وأهارون ميجد كأحد أهم رموز الواقعية في الأدب الإسرائيلي من أجل أن يأتي بحثه موازيًا بشيء من التشابه مع ما تقوم به مراكز البحوث الأدبية الإسرائيلية المتخصصة في دراسته مصر والعالم العربي، مثل دراستهم وترجمتهم للأديب المصري العالمي نجيب محفوظ والعديد من رموز الواقعية في مصر.وانطلاقًا من ضرورة تعريف القارئ العادي بأهمية الأدب العبري وأهمية تقديم أطروحات أدبية عنه كدليل وشاهد على الصورة الغاصبة لإسرائيل وعلى سياسة القتل المتعمد بدم بارد والتي انتهجها قادة إسرائيل جاء هذا البحث الذي أعده الباحث عبدالرازق سليمان لنيل درجة الماجستير والذي صدر في كتاب عن مكتبة جزيرة الورد بالقاهرة ليكشف ويناقش ملف اغتيال الأسرى المصريين في حرب 1956 من خلال رواية “حادث الأبله”روايات الأديب الإسرائيلي أهارون ميجد”. تعتمد الرسالة بشكل أساسي على وثيقة أدبية إسرائيلية مهمة تناولت حزمة من القضايا الاستراتيجية والسياسية على رأسها قضية الأسرى المصريين واغتيالهم ففي الرواية الإسرائيلية حادث الأبله نشرت في عام 1960 يقدم الأديب أهارون ميجد فصلا على محاكمة عسكرية يمثل أمامها بطل الرواية وفي هذه المحاكمة يتضح أن الجندي الأبله يحاكمهم بتهمة الامتناع عن تنفيذ أم عسكري صدر له بقتل الأسرى الموجودين في المعسكر الذي كلف بحراسته. يشير الباحث في رسالته وفي الكتاب إلى الحوار الذي يضعه الروائي الإسرائيلي على لسان القاضي العسكري والجندي المتهم وهو الحوار الذي يكشف عن المنطق الكامن وراء اغتيال الأسرى المصريين والعرب من قبل والإسرائيلين بدم بارد ذلك المنطق الذي تم إعداده في بوتقة الفكر الصهيوني عن العدوان كوصفة ضرورية للتخلص من الوجود العربي وكسر إراداة المقاومة والقتال. يطلق القاضي الإسرائيلي ذلك المنطق في وجه الجندي الإسرائيلي المتهم بأنه لم ينفذ الوصية الملزمة لجنود الجيش الإسرائيلي المتهم بأنه “اقتل الآخر قبل أن يقتلك" وهذا المنطق لا يطبق على جنود محاربين في ساحته القتال ولكنه يطبق من قبل الإسرائيلين على جنود عزل استسلموا وألقوا سلاحهم وأصبحوا في وضع الأسير الذي تحميه القوانين الإنسانية. إن حجة الجندي الإسرائيلي في عدم تنفيذ الأمر بفتح رشاشه على الأسرى المصريين لا تقنع القاضي العسكري الإسرائيلي فالجندي يقول إنه لا يستطيع أن يقتل إنسانًا وهو يرى في النور ولكن القاضي يسخر من هذه المشاعر الضعيفة والسخيفة التي لا تليق بجنود الجيش الإسرائيلي ويرفض القاضي كل محاولات الجندي لإيضاح أن العائلة لا تتفق مع قتل الأسرى واغتيالهم وهم مكبلون ولكن القاضي الذي يمثل صوته قيم الجيش والقيم الصهيونية الحاكمة للعقل الإسرائيلي وسلوكه تجاه العرب العدالة يرفض كل هذا السخف. رواية “رحلة في أغسطس” للروائي الإسرائيلي أهارون ميجد الذي تناول فيها حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل تكشف وتوضح وجهة نظره كأديب صاحب رؤية وذلك عبر أحد شخصيات الرواية التي تقول: إنهم يحكون لي عن حرب الاستنزاف وعن عمليات القصف المرعبة عبر القناة وعن النيران المسطحة إنني أعتقد أن كل هذه الثقة التي نبذلها عندما نقف في برج دبابة وكل هذه الاعمال التي نؤديها برباطة جأش وبشكل معتاد للغاية وبشكل آلي تقريبًا لا تزيد عن عرض تمثيلي في الوقت الذي يشلنا الخوف. في رأي الباحث أن هذه الفقرة من رواية “رحلة في أغسطس" يتحدد فيها عنصرا الزمان والمكان وبوضوح بالاضافة إلى أنها محملة بالفكرة التي يريد الروائي الإسرائيلي أهارون ميجد أن ينقلها للقارىء: فالزمان هو فترة حرب الاستنزاف والمكان هو سيناء أو داخل ذاتها في إحدى قواعد التدريب العسكرية أما الفكرة التي أراد الروائي أن ينقلها فهي.. خوف الجندي الإسرائيلي ومدى الرعب الذي أصاب جنود الاحتلال الإسرائيلي والأمل الخفي لدى الجندي الإسرائيلي في ألا يتعرض لتجربة قتال حقيقي. وإذا كان أهارون ميجد قد أكد على صورة الخوف والتردد في خوض المحك الحقيقي للقتال من خلال شخصية الجندي الإسرائيلي في رواية “رحلة في أغسطس” فإنه في رواية “فويجلمان” حسبما يوضح الباحث عبدالرازق سليمان – يؤكد على صورة مشابهة من التخبط من نوع آخر، وهو تخبط الجنود والإسرائيلين في ميدان القتال أثناء معارك السادس من أكتوبر 1973: وصلوا إلى ميدان القتال بعد منتصف ليل السادس من أكتوبر وإذا بمشهد رهيب واضح على ضوء القمر الكامل أمام عيونهم حيث كانت جثث القتلى ملقاة على سطح سهل رملي مع صرخات الجرحى الذين زحفوا عليه. أو حملوا على أكتاف وزملائهم الذين ساروا بهم في كل اتجاه أثناء الفترات القصيرة من توقف إطلاق نيران المدفعية ومع دخول الدبابات منطقة إطلاق النيران أصيبت على الفور ثلاث دبابات من سرية الجندي الإسرائيلي “يوآب” إحداها القريبة جدًا منه وبينما كانت النيران تلتهمها ركض أحد الجنود ووجهه مغطى بالدماء، أثناء هروبه شقط على الرمال”. يوضح الباحث أن ميجد كان صادقًا في رسم المعركة التي شارك فيها يوآب وأنه أورد الصورة بشكل واقعي من حيث الزمان والمكان والواقع الحي لمعارك الدبابات وعبر عن تفوق الجانب المصري في مقابل هزيمة وتخبط الجانب الاسرئيلي، ويضيف الباحث بأن الروائي الإسرائيلي ميجد يصف في فقرة تالية من الرواية كيف حدث أن الدبابات الإسرائيلية قامت بإطلاق النيران على مجموعة يآب (مجموعة دبابات إسرائيلية تم استدعاؤها لانفاذ مجموعة إسرائيلية وقعت في فك الجيش الثاني المصري) مما يعكس صورة التخبط وعدم التنسيق بين القوات الاسرئيلية أثناء تلك المعارك الضاربة. وفي نهاية البحث الكتاب يخلص الباحث من خلال دراسته حياة الأديب الإسرائيلي أهارون ميجد وأعماله الروائية الواقعية إلى رصد نقاط الضعف في إسرائيل من جهة، ورصد التحول في الرؤية السياسية الإسرائيلية تجاه الشخصية الفلسطينية والقضية الفلسطينية من جهة أخرى وذلك من خلال نصوص أدبية نابعة من أرض الواقع وتتمثل بعض نقاط الضعف في إسرائيل في افتقاد المجتمع الإسرائيلي لطبيعته الاجتماعية الإنسانية كسائر المجتمعات وافتقار المجتمع الإسرائيلي إلى الانتماء مع الإحساس بالاغتراب على الأرض واستمرار الصراع بين ثقافة لغة البيدش الشرق أوروبية واللغة العبرية وتمسك يهود الشتات بالبيدش والدفاع عنها وعن ثقافتها مما يؤكد صعوبة الاندماج بين الأجيال والطوائف المختلفة المهاجرة داخل إسرائيل، ورفض الشباب اليهودي الذي تربى في الغرب لسياسة إسرائيل في عدوها على جيرانها وتدخلها في شؤونهم وشنها الحروب ورفض الثقافة العبرية لتدينها عن ثقافة نهل منها وبالتالي يرفض الهجرة والانخراط تحت لواء إسرائيل.