قد يكون المسرحي الغنائي منصور الرحباني، وهو يبلغ من العمر مرحلة التأمل الأقصى، يجد في الشخصيات التاريخية، "وحياً" لا يمكن ربما ان تعطيه شخصيات معاصرة، ذلك ان الشخصية التاريخية، عادة، لها في الذاكرة رنين، فكيف إذا كانت لأسماء زاخرة بالأبعاد الدينية والفلسفية والإنسانية على مستوى الكون؟ العمل المسرحي الجديد "أبو الطيب المتنبي" لمنصور الرحباني يصب في هذا التوجه، وإنما من التاريخ العربي، بعد كتابته لسيرة الأيام العشرة الأخيرة من حياة السيد المسيح في مسرحية "وقام في اليوم الثالث". الفكرة والموسيقى من ابنه أسامة الرحباني وجاءت بعد مسرحية "آخر ايام سقراط" من تاريخ اليونان - اثينا القديم. ومسرحية "أبو الطيب المتنبي" هي العمل التاريخي الثالث للرحباني خلال السنوات الخمس الأخيرة، ويمكن ان يضاف إليها عمل تاريخي آخر من "التاريخ" غير البعيد للبنان أنجزه قبل ثلاث عشرة سنة هو مسرحية "صيف 840" وتدور أحداثها على عامية انطلياس التوفيقية الوطنية. وأبو الطيب المتنبي من الشعراء العرب الذين حفظ لهم منصور الرحباني قصائد كثيرة، والرحباني يعتبر من حفظة الشعر العربي القديم، ومن أبرز المتبحّرين به، وإعجابه بالمتنبي جعله يسعد بطلب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إليه وضع مسرحية غنائية تتناول حياة هذا الشاعر الذي "وحّد العرب" كما يقول منصور في معرض الدلالة على واقع عربي مشرذم في اللحظة الراهنة. وكان سبق للأخوين عاصي ومنصور الرحباني ان أنجزا برنامجاً قبل سنوات، فيه اهتمام ببعض قصائد المتنبي وبعض مواقف حياته الموثقة في قصائد. أما حياته كاملة، وقصائده الجميلة وقصته مع القصور والدخول الى نفسية المتنبي عبر نصّ مسرحي غنائي متكامل، فهذه كلها تحملها مسرحية "أبو الطيب المتنبي" لمنصور الرحباني، وكان هو قرأ وناقش قبل أشهر ما لا يقل عن عشرين كتاباً تدرس حياة أبي الطيب وأشعاره، فضلاً عن بعض الكتب التي تبحث في شخصية المتنبي من خلال قصائده والروايات عنه والذهنية الإنسانية والأفكار الكبيرة التي كانت تسكنه وتجلّت في اتم مظاهرها في... ادعائه انه يتنبأ تبعاً لما يدلّ عليه اسمه. غسان صليبا في دور المتنبي، جمال سليمان في دور سيف الدولة الحمداني، كارول سماحة في دور خولة شقيقة سيف الدولة التي أحبّها المتنبي، صباح عبيد في دور كافور الاخشيدي... أما قاتل المتنبي فهو بول سليمان في دور فاتك الأسدي... إضافة الى مجموعة كبيرة من الممثلين والممثلات، والتمارين تجري يومياً في بيروت، بعدما تم تسجيل الأغنيات والموسيقى والحوارات الغنائية. "نعم سيغني المتنبي" يجيب منصور الرحباني، بناء للمواقف التي تختزنها حياته والمعبّر عنها في المسرحية. والغناء سوف "يتنزه" بين الفصحى والعامية البدوية، وكذلك حوارات المسرحية. الإنتاج كما هو وارد في الدعوة الى المسرحية وفي الإعلان عنها ل"مدينة دبي للإعلام" ومواعيد العرض 7 و8 و9 آذار مارس المقبل خلال مهرجان دبيّ للتسوق 2001، والمكان مسرح "مدينة دبي للإعلام" حيث تم بناء مسرح ضخم ربما يكون الأكبر في العالم العربي. "وهل ستجري على المسرح معارك وفرسان وسيوف؟" سؤال يرد عليه مروان الرحباني بالقول: "طبعاً، هناك شرطة "خيالة دبي" التي تتدرب على إنجاز مشاهد المعارك، على المسرح، وسيشاهد الجمهور عملاً استثنائياً جداً. ومروان هو الابن الأكبر لمنصور الرحباني، وسيقوم بإخراج "أبو الطيب المتنبي" وفي رصيده إخراج مسرحية "وقام في اليوم الثالث" و"آخر ايام سقراط" من أعمال والده، وإخراج لمسرحيات عدة أنجزها مع اخيه غدي. "الى أي حد كان منصور الرحباني اميناً على حياة المتنبي، كما وردت، وكم أدخل فيها من تفسيراته وقناعاته؟"... يؤكد الرحباني انه تعامل مع المواقف الأساسية في حياة المتنبي بكثير من الجدية والدقة إذ لا يجوز هنا ان يغرق الكاتب المسرحي في خيال محض. أما في شأن التفسيرات فهذا ما لا بد منه "لأقول رأيي في هذه الشخصية الرائعة التي وحّدت العرب". ويتابع الرحباني القول إنه يلاحق أدق التفاصيل في إنجاز المسرحية لأنه يريدها ان تكون تحفة فنية جمالية. ولا يدخل منصور الرحباني في موضوع الكلفة المادية الإنتاجية لمسرحية "أبو الطيب المتنبي" لكنه يعتبر ان هذا الإنتاج قد يكون الأكبر بالنسبة الى ما يقدم من اعمال مسرحية حتى اليوم، وبفضل وضع تقنيات عالية بتصرف العمل، مع إمكانات بشرية مميزة جداً... "أبو الطيب المتنبي" يعود بعد أكثر من ألف عام، ولكن هذه المرة الى المسرح، ومع منصور الرحباني الذاهب في التأمل الأقصى الى أقصى... في آخر مسرحية "أبو الطيب المتنبي" قصيدة مغناة، كتبها منصور الرحباني ولحنها، خص بها جريدة "الحياة"، وهذا نصها: يا متنبي ما زلت منذ الف عام تُنشَدُ كل يوم ترجع كل يوم ويرجع الملوك من أَجْلَسْتَهُم في الشعر، كل يوم يا متنبي يا موسم الشعر الذي لا ينقضي يا ذهب القصائد وحدك صرت الجيش والرماح والسواعد ذاكرةً صرت لنا أزمنة دائمة الرجوله على صهيل خيلك استفاق عالم وأسرج الدهر خيوله وأشرقت قصائد تمسح وجه الشرق بالبطوله...