الكتاب: المؤتمر السوري العام 1919 - 1920. الكاتب: ماري ألماظ شهرستان. الناشر: دار أمواج - بيروت 2000. في "المؤتمر السوري العام..."، تعتمد شهرستان منهجاً مغايراً في دراسة الحقبة التاريخية المحصورة بين عامي 1918 و1920، والمعروفة عموماً بحقبة العهد الفيصلي، وإن كانت بعض الدراسات تطلق عليها عهد الحكومة العربية، كما عند خيرية قاسمية التي وضعت كتاباً بهذا العنوان قبل ثلاثين عاماً، وهو مرجع رئيسي لكل من يتناول تلك الحقبة بالبحث. يتجه كتاب شهرستان، وهو أصلاً رسالة جامعية نوقشت في كلية الآداب في جامعة دمشق منذ سنتين، الى معاكسة المنهج العام الذي اعتبر الحركة السياسية للأمير فيصل نقطة المركز في تشكيل ملامح تلك الحقبة. فالمسار العام الذي نتج من تلك الحركة على الصعيدين الدولي والمحلي، ما زال حاضراً كنقطة استقطاب رئيسية تتفرع منها الأنشطة السياسية والاجتماعية المختلفة الأخرى. ويعود هذا الحضور الى ان الذين كتبوا عن تلك الحقبة وكانوا موجودين فيها - في الواقع كتبهم تندرج ضمن اطار أدب المذكرات - إنما هم من حاشية الأمير فيصل بن الحسين. فالدكتور احمد قدري كان طبيبه ومستشاره الخاص مثلاً. بينما يوسف الحكيم وعزة دروزة كانا منضويين في اطار حركته الى درجة ما. وتعتبر الكتب التي وضعها هؤلاء المصادر الأساسية المعتمدة في استقصاء المعلومات، وتبيان ملامح تلك الحقبة وتحولاتها. تعتبر هذه المصادر كلها مع غيرها "يوم ميسلون - ساطع الحصري" مثلاً، المؤتمر السوري العام أحد مفردات السياسة الفيصلية، مستندة في ذلك الى ان الأمير فيصل نفسه هو من دعا الى انعقاده وذلك على أثر فشل مهمته في مؤتمر الصلح وعودته الى بيروت في 5 أيار مايو 1919، إذ دعاه مستشاروه، وخصوصاً الدكتور أحمد قدري، الذي أصبح مندوب مدينة الخليل الفلسطينية في المؤتمر، الى عقد مؤتمر تتمثل فيه المناطق السورية كلها، ويكون على عاتقه مقابلة اللجنة الدولية المسماة كنغ - كرين، التي كلّفها مؤتمر الصلح بزيارة سورية لاستفتاء سكانها حول مصيرهم، والتي بدأت رحلتها من ساحل فلسطين وخرجت من مرسين في الشمال، فتأكد لها ان السوريين يرفضون التجزئة ويريدون حكم أنفسهم بأنفسهم. وعلى ذلك فإن الدراسات التاريخية لم تتجاوز في نظرها الى المؤتمر - معتمدة مصادر الأشخاص المذكورين - ذلك الحد الذي وضعته هذه المصادر، فلم تتناوله كمجال درسي مستقل، ولا كحادث مركزي، بل غالباً ما اعتبرته تجربة برلمانية طفولية. من هنا، يمكن ملاحظة درجة المخالفة المنهجية التي تميز هذا الكتاب، باعتماده "المؤتمر" كنقطة مركزية لمجال البحث، فلم يعد - بحسب المؤلفة - ملحقاً إلحاقاً منهجياً ببحث العهد الفيصلي أو الحكومة العربية، بل على العكس من ذلك، نُظر الى هذا العهد بكل جوانبه وأبعاده من موقع المؤتمر نفسه. إزاء هذا الانقلاب المنهجي، يتبدى المؤتمر السوري العام كحادث رئيسي استقطابي مركّب من مفردات متعددة، ابتدأ تشكلها مع تأسيسه في الثالث من حزيران يونيو 1919، وانتهت في آخر جلسة عقدها في التاسع عشر من تموز يوليو 1920، أي قبيل دخول الجيوش الفرنسية الى دمشق على أثر معركة ميسلون في 24 تموز. جاء الكتاب في ستة فصول، خُصصت الثلاث الأولى منها للقصة التاريخية للمؤتمر في نشوئه ومسيرته، وذلك ضمن محاولة تأسيس الدولة السورية المعاصرة. وإذا كانت المعلومات التاريخية أصبحت معروفة لهذه القصة الخاصة بتجربة "استقلال" لم يصمد سوى عشرين شهراً، إلا أن الآليات التي اعتمدتها القوى الاجتماعية والسياسية في دفاعها عن هذا الاستقلال، لا تزال بحاجة الى مزيد من البحث والاستقصاء والتحليل. من هنا، وإن كان ما تضمنته الفصول الثلاثة الأولى لا يعدو كونه سرداً تاريخياً تتابعياً للأحداث، غير انه يتجه لإيضاح بعض المسائل الخلافية كتلك المتعلقة بتاريخ تأسيس المؤتمر، وقصة "المادة الخامسة" من مواد القرار الذي اتخذه المؤتمر وسلم الى لجنة كنغ - كرين في الثاني من تموز 1919، تلك المادة التي حددت خيار الشعب السوري وفق تراتبية متسلسلة، أولها رغبته في الاستقلال التام الناجز، وإلا فإنه يحبّذ انتداب الولاياتالمتحدة الاميركية، وإلا فبريطانيا العظمى. وتذهب المؤلفة في تفسير مضمون هذه المادة الى أنه كان خلاصة توافقية لمجمل القوى السياسية التي كانت ممثلة في المؤتمر. كما تضمنت هذه الفصول سرداً لوقائع جلسات المؤتمر والقرارات المتخذة فيها، وخصوصاً في دورته الثانية التي ابتدأت مع قرار الاستقلال في 8 آذار مارس 1920 وانتهت مع جلسة 19 تموز التي تمخّضت عن قرار رفض الشروط الفرنسية وانذارات الجنرال غورو، إذ اعتمد وزير الحربية يوسف العظمة على هذا القرار لمواجهة الجيوش الفرنسية في 24 تموز. أما الفصول الثلاثة الأخيرة التي اختصت ببحث أعمال المؤتمر وتصنيفها وتحليل اتجاهاتها، فتبدأ بالبحث في السمات التي تعرّفه كمؤسسة، ثم تستعرض أعماله وآليات ممارسته لمهماته وسلطاته، تشير المؤلفة الى وضوح الطابع الديموقراطي المميز لهذه الممارسة، والتي يمكن ملاحظتها في الجلسات المشتركة للمؤتمر مع الحكومة، وطبيعة مساءلته لها، وصولاً الى اتخاذه قراراً بحجب الثقة عنها في نيسان ابريل 1920 لتقصيرها في مواجهة الحملة الاجنبية على سورية إثر اعلان الاستقلال. ويكون المؤتمر بذلك سجل سابقة على درجة عالية من الانطباق مع المفاهيم الديموقراطية المعاصرة، ولعل هذه السابقة بقيت وحيدة لم تكررها المجالس البرلمانية المتوالية. خصصت الباحثة الفصل الأخير لبحث مشروع القانون الأساسي الذي وضعته اللجنة الدستورية التي شكلها المؤتمر منذ تأسيسه، وذلك للتأكيد على أن سورية لا تحتاج الى دولة منتدبة تدربها على الأصول المدنية طالما أنها تنظم علاقات مؤسسات دولتها الى قانون أساسي. وتشكلت اللجنة الدستورية من لفيف من الاختصاصيين برئاسة هاشم الأتاسي رئيس المؤتمر، وعلى رغم الظروف الضاغطة فإن اللجنة وخلال وقت قليل نسبياً توصلت الى مشروع القانون الأساسي، وناقشته في جلسات المؤتمر باستفاضة اعتباراً من 23 آذار، فأقرت مواده في القراءة الأولى، ولم يستطع المؤتمر إكمال قراءته الثانية له، فاكتفى بإقرار سبع مواد من أصل 147 مادة. وأرفق القانون بمضبطة اسباب موجبة تتضمن شرحاً وافياً للحيثيات الخاصة بكل فصل، وأحياناً بكل مادة رئيسية. أخيراً، ان كان الكتاب يتناول حقبة تاريخية معروفة، فإنه ومن خلال اعتماده على منهج خاص ومغاير لأغلب المناهج التي اعتمدتها الدراسات التاريخية لهذه الحقبة، يعيد صوغها ويطرح أسئلة اضافية واشكالية تتصل أساساً بمشروع تأسيس الدولة المعاصرة في سورية.