في اطروحته "العروبة والاسلام والمسألة الفلسطينية، 1908 - 1941" قام الباحث بشير موسى نافع بقراءة التاريخ العربي الحديث من خلال الوثيقة والرسائل والمذكرات والأوراق الخاصة محاولاً إعادة تركيب الحوادث في سياق منهجية سياسية جمعت ما بين المعلومات الموثقة والتحليل الذي يربط تحولات الداخل وصلاتها بالبيئات الدولية والاقليمية والمحلية. وبسبب تلك المنهجية ابتعد نافع قدر الامكان عن التنظير الايديولوجي والتعميمات الفكرية التي سادت كتابات معظم المفكرين المعاصرين الذين تناولوا تلك الفترة. فالحقبة المذكورة مسؤولة عن تأسيس معالم دولنا العربية الجغرافية والسياسية المعاصرة وهي رسمت اطارات لانماط تفكيرنا وتوجهاتنا وأهدافنا الحاضرة. من البداية قرر بشير نافع اعتماد الوثيقة كمصدر للمعلومات وعمد من خلال ربط المصادر المختلفة ببعضها الى استخلاص استنتاجات فكرية واقعية كشفت عن لوحة سياسية شديدة التعقيد والتداخل طالت الاستراتيجية الدولية الكبرى البريطانية آنذاك وما دونها من مظلات صغرى خرجت حديثاً من الدائرة العثمانية محاولة تكوين موقف موحد يتماسك أمام التداعيات التي شهدتها المنطقة لحظة تفككها التاريخي. واستناداً الى مئات الأوراق الخاصة ومذكرات قادة الحركة السياسية العربية وتقارير القناصل والسفراء الأجانب واراشيف وزارات الدفاع والخارجية الأوروبية وبيانات الهيئات والجمعيات والأندية الاسلامية - العربية أقدم نافع على بناء خطة بحثه التاريخي. قسم نافع تلك الحقبة الى خمس محطات كبرى: الأولى: 1870 - 1908 وهي مرحلة تمهيدية تغطي فترة آخر السلاطين العثمانيين ونهوض التنظيمات وصولاً الى انقلاب الضباط على عبدالحميد الثاني ووضعه في الاقامة الجبرية. ففي تلك المرحلة كان الاسلام هو الهوية العامة تتحرك تحت رايته مختلف الدوائر العربية والاسلامية التي تجمعها المظلة العثمانية. الى ذلك كان الافتخار بالماضي واللغة العربية والانجازات الحضارية تشكل الجامع المشترك للعروبة. وكان العلماء ورجال الدولة من أعيان المدن والعائلات والفعاليات المحلية الى ضباط القوات المسلحة العثمانية هم القوة الفاعلة في الحياة السياسية. واستمر الأمر حتى بدأت الحياة المعاصرة تتسرب من خلال تحديث الادارات وتنظيم الجيش وتسليحه فبرزت الصحافة والمدارس الحديثة كطرف منافس للتقليديين في ظروف شديدة الخطورة تمثلت في نمو قوى عظمى على أطراف السلطنة لعبت دورها في اضعاف المركز ودفعه نحو البحث عن مخرج للأزمة الدائمة. الثانية: 1909 - 1924 وهي فترة اندفع فيها الضباط الى السيطرة على مقاليد الحكم العثماني، واتباع سياسة التتريك ومحاصرة الخلافة وتفكيك عناصرها التاريخية، ودخول الحرب العالمية الأولى الى جانب المانيا وخسارة الحرب، وانسحاب الأتراك من العراق وبلاد الشام، واحتلال فرنساوبريطانيا المنطقة بالتعاون مع بعض ضباط الجيش العثماني العرب، وقيام حكومة فيصل الأول في دمشق والتنافس الفرنسي البريطاني على النفوذ، وتراجع بريطانيا عن وعودها للعرب، واصدار وعد بلفور للحركة الصهيونية وانكشاف أمر اتفاقات سايكس بيكو، وانهيار حكومة فيصل وتبعثر القوى العربية وتوزعها بين عمانوبغداد، ومحاولات إعادة صياغة الموقف العربي الاسلامي في اطارات دولية ومؤتمرات واتفاقات، في وقت كان ضباط الجيش العثماني يواصلون استكمال سياسة التتريك انتهاء بالغاء الخلافة الاسلامية رسمياً في العام 1924. ففي الفترة المذكورة ظهرت السياسة الامبريالية كعامل ضغط خارجي وحاسم في تقرير مصير المنطقة العربية وتحديد مسارات مستقبلها ترافق مع ضغوط داخلية تمثل في انعكاسات التقسيم السياسي على تصورات النخبة التي اضطربت مواقفها بسبب قلة خبرتها وغموض المواقف الامبريالية اضافة الى انشغال أصحاب القرار بدور الدولة القطرية الأمر الذي زاد من اختلاف الآراء على الوحدة العربية وآمالها في لحظة تحول الموضوع الفلسطيني الى هاجس يقلق مختلف القوى. الثالثة: 1924 - 1931 وتغطي فترة انكشاف الحركة العربية الاسلامية وازدحام البدائل السياسية بعد انهيار السلطنة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى والغاء الخلافة بقرار انقلابي في اسطنبول وحصول نوع من ضياع الهوية وعدم وضوح الرؤية في وقت كانت الاستراتيجية الدولية بقيادة بريطانيا آنذاك تدفع باتجاه المزيد من الضغط على قادة الحركة العربية الاسلامية محبطة كل المحاولات الرامية الى تجديد الخلافة واعادة تشكيل مظلة تاريخية تربط المنطقة في اطار سياسي يوحد مشاعرها الدينية والقومية ويحدد خطة عمل لبناء علاقات متوازنة تضمن مستقبل العرب. وساد تلك الفترة توجهات وحدوية تراوحت بين الصيغة العربية أو سورية الكبرى اصطدمت دائماً بعقبات دولية وموانع سياسية لعب فيها التنافس الداخلي دوره في كبح المشاريع والتطلعات والأهداف الجامعة. وعلى موازاة تلك التناقضات شكل الخطر الصهيوني المدعوم بريطانياً نقطة جذب لتجميع قوى الحركة الاسلامية - العربية وساحة استفزاز للمشاعر الأمر الذي دفع قادة تلك المرحلة الى الدعوة لعقد المؤتمر الاسلامي في القدس بعد أن فشلت محاولات اعادة الخلافة. ويشكل المؤتمر الاسلامي في 1931 خطوة متناقضة فمن جهة وصلت الحركة الاسلامية العربية الى قمتها حين نجحت في عقده في القدس على رغم الضغوط البريطانية لافشاله ومن جهة أخذت الحركة تتراجع عندما فشلت في تطبيق قراراتها وتنفيذها مفسحة المجال لنمو الفكرة العربية كبديل أدنى عن استراتيجية أعلى سابقة. الرابعة: 1931 - 1939: وترصد فترة التحولات السياسية في وعي الحركة العربية ونمو منظوماتها الفكرية من دائرة الحركة الاسلامية. وترافقت مع اختلاف التكوين الاجتماعي - السياسي لقادة الحركة العربية عن عناصر التكوين السابق الذي تشكلت منه الحركة الاسلامية. ففي المرحلة السابقة من نشاط الحركة العربية - الإسلامية ساد العلماء وأعيان المدن والعائلات السياسية التقليدية وبقايا ضباط الجيش العثماني ورجال الدولة والادارات الاقليمية والمحلية بينما طغت على الحركة العربية في مرحلتها الجديدة عناصر منتمية اصلاً الى أولاد تلك العائلات درست في الجامعات الحديثة في بيروتوالقاهرة وأوروبا وحملت العديد من الأفكار المختلطة التي تمزج بين الرؤيا السابقة وتطلعات مختلفة تشتغل على الحد الأدنى من الطموحات. لم تنفصل هذه الفترة كلياً عن السابقة الا انها نافست في استراتيجيتها القوى التقليدية وأخذت تعمل على تشكيل هيئات وأندية وجمعيات أكثر وضوحاً في تصوراتها من دون ان تقطع الرابط التاريخي بين العروبة والاسلام. ولعب العامل الفلسطيني آنذاك دوره في ترسيخ اللحمة التاريخية بين التوجهين. فالخطر الصهيوني المتمثل في ارتفاع نسبة الهجرة الى وضوح الاستراتيجية البريطانية في تعديل الموازين السكانية كشفا تصورات تقسيمية لفلسطين وساهما في تخفيف التناقضات العربية التي بدأت تعطل الأهداف المشتركة. فتم محاصرة اختلاف توجهات قادة الحركة العربية - الاسلامية بسياسة بريطانية متناقضة تتراوح بين وعود عامة وخطة عملية تثبت على الأرض وقائع نشوء كيان يعزز الانقسامات المحلية ويعطل الاستقرار ويهدد هوية فلسطين. وبسبب سلسلة من التراكمات التي بدأت في حادث حائط البراق السور الغربي ومواجهات الخليل وانتفاضة الشيخ عزالدين القسام وانتهاء بتقرير لجنة بيل لتقصي الحقائق اندلعت انتفاضة كبرى بين 1936 و1939 بدأت بالاضراب العام الذي توقف بعد نداء من القادة العرب ونفي الحاج أمين الحسيني من فلسطين. وتلته تنظيم انتفاضة مسلحة حصلت فيها تجاوزات وانقسامات بسبب غياب القادة في المنفى ثم الدعوة الى انعقاد مؤتمر لندن لبحث المسألة الفلسطينية وفشله في التوصل الى اتفاق بين الطرفين وصدور ما يسمى بالكتاب الأبيض. الخامسة: 1939 - 1941. على رغم قصر تلك المحطة إلا أنها تعتبر أخطر فترة في التاريخ العربي آنذاك. فهي تلخص تعقيدات الأزمة وتكثفها في دائرة العراق وحركة رشيد عالي الكيلاني في بغداد. فبعد فشل الانتفاضة المسلحة وتواصل الهجرة اليهودية واتضاح السياسة البريطانية في تنفيذ استراتيجيتها التقسيمية ظهرت في الحركة العربية تشققات فكرية أملتها اختلاف التوجهات ونمو اتجاهات غير موحدة على أهداف مشتركة بل توزعت مشاعرها بين تيار وطني فلسطيني تقوده عائلة النشاشيبي ينسق مع بريطانيا والأردن وتيار عربي اسلامي يقوده المفتي الحاج أمين الحسيني تحاصره بريطانيا وتمنعه من العودة الى القدس وهو ما دفع الأخير الى اللجوء الى بغداد بعد مضي أكثر من سنتين على وجوده في لبنان. وبانتقال المفتي عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية الى بلاد الرافدين واتصاله بدول المحور أخذ ثقل الحركة العربية يضغط على السياسة البريطانية من بغداد حين تحرك الضباط الأربعة المربع الذهبي باتجاه الاستيلاء على السلطة بسبب الخلاف مع نوري السعيد الموالي للسياسة الانكليزية واعقبه اندلاع الحرب البريطانية - العراقية التي انتهت بسقوط بغداد وفشل حركة الكيلاني وهروب المفتي. وعند هذا الحد يقف كتاب بشير نافع فهو يرى ان المنطقة دخلت بعد تلك الحقبة مرحلة جديدة مختلفة كلياً عن تلك الأحداث التي سادتها بين 1908 و1941. منهج البحث اعتمد الباحث بشير نافع الوثيقة، كما ذكرنا، لاثبات مخطط كتابه. فهو لم يكتف بكتابات وآراء طليعة النهضة الاسلامية العربية آنذاك من جمال الدين الافغاني ومحمد عبده، ورشيد رضا، وطاهر الجزائري، وشكيب ارسلان، وصولاً الى حسن البنا بل ربط تلك التكوينات الفكرية بمجموع التحولات السياسية والتنظيمية التي نمت بتدرج زمني وتطورت بهدوء من نهايات القرن التاسع عشر الى انهيار السلطنة خلال الحرب العالمية الأولى وانتهاء بالغاء الخلافة الاسلامية. اضافة الى تاريخ المدن السياسي اسطنبول، القاهرة، دمشق، وبغداد وصلته بنشوء الجمعيات والأندية على أنواعها من اللامركزية، والدستورية، والاتحاد والترقي، الى الفتاة وتفرع تلك الهيئات الى أحزاب ومراكز قوى سياسية واجتماعية لعب فيها أعيان المدن الدور الحاسم في صياغة الوعي العربي - الاسلامي، قام نافع بوضع مختلف تلك التحولات الاقليمية والمحلية في دائرة أوسع تمثلت في تفكيك عناصر الاستراتيجيات الدولية من خلال ملاحقة تقارير السفراء والقناصل وقادة الجيوش بصفتها تكشف عن حقيقة تفكير القوى الكبرى ونظرتها الى المنطقة آنذاك في سياق التنافس البريطاني - الفرنسي وتبدل السياسات وتغيرها بحسب الظروف الدولية ومواقع القوى في مراكز القرار. من الصعب تلخيص كتاب بشير نافع فهو ابتعد قدر الامكان عن التحليلات المتسرعة الساذجة التي سبق وامطرنا بها العديد من المؤرخين الايديولوجيين، واعتمد ملاحقة المعلومات واستخراجها من الوثائق والتقارير التي ترسم بدقة، وكما كتبت في لحظتها، تصورات القوى الكبرى وتطلعاتها. كما انه ابتعد قدر الامكان عن التفسيرات أو التبريرات التي كتبت لاحقاً عن تلك الفترة وتمسك بمنهج البحث عن الحقيقة كما كانت حين حصول الواقعات محاولاً قراءة تفاصيل انعكاساتها على أرض الواقع. وعلى رغم الصعوبة يمكن ملاحقة بعض حلقات المحطات الخمس في سياق قراءة متتابعة للاحداث وتفاعلاتها. فالحدث في النهاية ابن ساعته وهو بدوره نتاج مداولات تتحكم فيه لحظة حصوله مجموعة عوامل داخلية وخارجية تحدد مساره ووجهة سيره. وبالتالي لا يجوز محاكمة فترة بمعزل عن ظروفها ومناخاتها الدولية والاقليمية والبيئات المحلية التي انتجتها. وبناء على هذا التفصيل في قراءة المعلومات قام نافع بتركيب تاريخ تلك الحقبة من دون تصورات مسبقة أو تصميم اطارات ايديولوجية تحاول استباق الحدث واسقاط تفسيرات جاهزة خدمة لرؤية موضوعة سلفاً. وحتى نضبط معلومات الكتاب الذي اعتمد على مئات المصادر، ولم يترك شخصية أو هيئة عربية فاعلة في القرار العام الا وذكره في سياق عرض الأحداث وربطها، كان لا بد من الاختيار لوضع التداعيات التي عصفت بالمنطقة في خطة منهجية تنظم منطق التحولات وتركزها في دائرة الموضوع أو على ضفافه. لذلك يمكن الاتفاق على شخصية المفتي الحاج أمين الحسيني كمفتاح لقراءة الأحداث من خلال تصورات وتقارير ووثائق تلك الحقبة. فالباحث بشير نافع لم يذكر الأمر في كتابه إلا أن الاختيار لا بد منه لعرض الوقائع في سياق شخصية لعبت دورها وفي الآن كانت نتاج ظروف تاريخية ساهمت في صنعها. الحاج أمين عاد أمين الحسيني الى القدس في نهاية 1917 بعد أن خدم في الجيش العثماني وتصادفت عودته بعد سقوط المدينة تحت سلطة انتداب بريطانيا. واضطر مغادرة فلسطين الى دمشق بعد انتفاضة نيسان ابريل في الخليل سنة 1920 وبقي هناك حتى سقوط حكومة فيصل وسمح له بالعودة. وتولى الافتاء بعد وفاة شقيقه ثم ترأس المجلس الاسلامي الأعلى الذي أشرف على الوقف والقضاء وتمتع بموازنة كبيرة سمحت له القيام بمشاريع كثيرة منها اعطاء منح للطلبة وترميم المسجد الأقصى في 1928 وهي السنة التي وجه فيها المفتي الحسيني دعوة الى عقد مؤتمر في القدس لانقاذ حائط البراق. وبعدها كانت بداية المواجهات في آب اغسطس 1929 وانتهت الى مقتل 133 يهودياً و116 عربياً وخرج منها الحسيني بطلاً وفي الآن أكدت قناعته بحاجة فلسطين الى دعم عربي - اسلامي، في وقت كانت السياسة البريطانية متأرجحة في فترة 1922 و1930 بين موقفين اصدرت خلالها سلسلة مواقف متناقضة الى أن تم تعيين المندوب السامي آرثر واكهوب الذي أمر بفتح أبواب الهجرة اليهودية ص 106. عزز فتح باب الهجرة دعوة الحسيني الى عقد المؤتمر الاسلامي لانقاذ القدس وهي مسألة تناول المؤلف خلفياتها بالتفصيل اذ يكشف عن خريطة الخلافات التي سبقت عقده والمواقف المتعددة بشأنه والمخاوف التي صدرت عن جهات محلية وعربية اضافة الى تحريض الحركة الصهيونية والدوائر البريطانية ضده. إلا أن المؤتمر عقد في القدس في نهاية 1931 وأهم انجاز حققه هو أنه نجح في تحويل المسألة الفلسطينية الى قضية عربية واسلامية ص 123. لكن الهيئة التنظيمية للمؤتمر لم توفق في مواصلة أعمالها بسبب ضعف دعم الدول الاسلامية لها. وعلى رغم محاولات الحسيني الابقاء على روحية المؤتمر من خلال تنشيط مركزه في القدس تراجع دور الهيئة التنفيذية وبدأت تتفكك في العامين 1932 - 1933 وانتهى دورها بعد اضطرار المفتي مغادرة فلسطين في عام 1937 بسبب الملاحقات والضغوط البريطانية. ويرى المؤلف ان حركة الجامعة الاسلامية تراجعت بعد مؤتمر القدس وأخذت الفكرة العربية التي بدأت في العام 1920 تصعد لتحتل مكانها في المراحل اللاحقة. وتوضحت الفكرة العربية حين وجه عوني عبدالهادي دعوة الى عقد اجتماع في منزله في سنة 1931 حضره العديد من الشخصيات الاستقلالية التي أحبطت بسبب السياسات الاستعمارية. واتفقت الشخصيات المجتمعة على ثلاثة أهداف ركزت على أهمية الوحدة العربية. وتطورت فكرة الاجتماع الى تشكيل هيئة تحضيرية ساهمت في وضع خطة مؤلفة من 24 بنداً تناولت مختلف القضايا العربية وكانت أساس الأفكار التي عرضها المجتمعون للنقاش في "المؤتمر العربي" الذي اقترح عقده في العام 1932 - 1933. ويتناول المؤلف نمو اختلافات في المصالح والتوجهات العامة بين فيصل العراق والشخصيات الاستقلالية السورية ويرصد نمو التعارض بين الحسيني والتيار العروبي الفلسطيني الذي أخذ يبتعد عن زعامة المفتي وصولاً الى تأسيس حزب الاستقلال العربي في آب 1932. تعرض الحزب الى حملة من المفتي والنشاشيبي الى ملاحظات من فيصل ورشيد رضا وياسين الهاشمي واثرت الحملة على شعبية الحزب فتراجع الى مجرد تجمع للمثقفين وابناء الأعيان ص 173. وزاد من صعوبات دعوة الحزب الى عقد مؤتمر عربي اشتداد ضغوط بريطانيا على فيصل العراق ونصحه بعدم عقده في بغداد. ومن تأخير الى آخر توفي فيصل في صيف 1933 قبل أشهر من موعد التأجيل الأخير في خريف 1933 ص 181. ومن المؤتمر الاسلامي في 1931 الى فشل المؤتمر العربي في 1933 دخلت المسألة الفلسطينية أخطر منعطفاتها التاريخية حين انفجرت ثورة 1936 - 1939 وهي برأي المؤلف تنقسم الى فترتين الأولى الاضراب العام، والثانية الانتفاضة المسلحة. ثورة 1936 - 1939 بدأت الحركة مساء 15 نيسان ابريل 1936 عندما أقدم مسلح فلسطيني على قتل يهودي في منطقة طولكرم. ورد المستوطنون في مستعمرة بتاح تكفا بقتل فلاحين في بيتهما في اليوم التالي. وعلى اثر الحادث حصلت مواجهات مختلفة بين العرب واليهود قامت على أثرها سلطة الانتداب بفرض حال الطوارئ ومنع التجوال في تل أبيب ويافا. وترافق التحرك الفلسطيني مع تحركات عربية في سورية ومصر ودعوات للاستقلال عن سلطة الانتداب وهو أمر شجع الحركة الفلسطينية على تعليق آمال على الحركة العربية وامكان بعث فكرة الدولة العربية مرة أخرى ص 193. جاءت ردة الفعل الأولى على حوادث يافا من نابلس حين دعا أحمد الشكعة وأكرم زعيتر الى اجتماع محلي في 19 نيسان، وقرر الاجتماع ان يؤسس لجنة قومية دعت الى اضراب في نابلس وطلب من باقي المدن الفلسطينية التحرك بالاتجاه نفسه. وقبل 23 نيسان تم تشكيل لجان وطنية في معظم المدن دعت الى اضراب وطني في كامل البلاد. وفي الاسبوع الأول من الاضراب لم تكن الحركة الفلسطينية اختارت قيادتها وما لبث ان انضمت مجموعات سياسية مختلفة من حيفا والقدس للحركة وادت مفاوضات مع المفتي وراغب النشاشيبي وحسين الخالدي رئيس بلدية القدس لتوحيد الجهود وتم اختيار الحاج أمين رئيساً للجنة "الهيئة العربية العليا" التي ضمت ستة أعضاء من الأحزاب الرئيسية. ودعت الهيئة العربية العليا كل اللجان الوطنية الى اجتماع في القدس في 7 أيار مايو 1936 وتقرر التوقف عن دفع الضرائب، ومقاطعة اليهود، واعلان استقلال فلسطين في اطار الوحدة العربية ص 194. ويتحدث المؤلف بتفصيل عن تطور حركة الاضراب الى انتفاضة ويرصد التحولات السياسية التي طرأت على قيادة المفتي حين حاول التوفيق بين المصالح الوطنية العليا وضغوط الشارع الشعبي في وقت كان ما يزال يراهن على امكان تعديل السياسة البريطانية ووقف تأييدها جانب الحركة الصهيونية ص 196. إلا أن السياسة البريطانية تميزت خلال فترة الاضراب العام وانتفاضة 1936 بقسوة لا مثيل لها طالت عشرات القرى والاحياء القديمة في المدن الأمر الذي زاد من شكوك المفتي حول الموقف البريطاني ص 198. زادت ردة فعل بريطانيا الوحشية ضد الانتفاضة من تطلع الحركة الفلسطينية الى دعم عربي - اسلامي. فالخيار العربي - الاسلامي كان البديل المنطقي لانسداد أفق الموقف البريطاني من الاستجابة لمطالب الحركة الفلسطينية خصوصاً وأن الانتفاضة لاقت التأييد العام منذ البداية اذ عقدت اجتماعات وتشكلت لجان دعم من الهند برئاسة الندوي الى تونس برئاسة الثعالبي وغيرها من المقاطعات والبلدان الاسلامية. إلا أن التأييد الأبرز كان من أقطار المشرق خصوصاً مصر وسورية والعراق ص 199. وبعد ان يتناول تأثير الاضراب الفلسطيني على تطور الحركة العربية يركز نافع دراسته على دور المسألة الفلسطينية في بلورة الفكرة العربية في مصر وسورية والعراق من خلال دراسته تاريخ الهيئات والمنظمات والجمعيات والشخصيات والصحف العربية في القاهرةودمشقوبغداد وصلة تطور الوعي العربي بالمسألة الفلسطينية. مقابل تطور الحركة السياسية العربية التي تشكلت من تآلف فئات مختلفة من أبناء أعيان المدن وضباط خدموا سابقاً في الجيش العثماني الى طلاب جامعات وغيرهم تطور الاضراب العام في فلسطين الى ثورة مسلحة على أثر اقدام الانتداب البريطاني على السماح لموجة جديدة من المهاجرين اليهود في 18 أيار مايو 1936. وتألفت الحركة المسلحة من مجموعات مستقلة ريفية وغير مدربة جداً وكانت بحاجة الى دعم متواصل لمواصلة الهجمات على القوات البريطانية والمستوطنات اليهودية ص 224. إلا أن الحركة المسلحة تحسنت تنظيمياً وعسكرياً بعد انتقال عشرات المتطوعين بقيادة الضابط العثماني السابق فوزي القاوقجي الذي غادر الجيش العراقي الى فلسطين وانشأ قيادة مركزية نجحت في تحسين عمليات المقاومة ضد القوات البريطانية ص 228. ويتناول المؤلف تفاصيل الاتصالات التي حصلت خلال فترة الاضراب العام بين الاطراف العربية السعودية والأردن والعراق والادارة البريطانية. ويكشف المؤلف الكثير من المعلومات التي تلقي الأضواء على تلك الفترة القصيرة. فالجانب العربي كان يطالب بريطانيا بوقف الهجرة اليهودية الى فلسطين مقابل الطلب من الهيئة العربية العليا وقف الاضراب العام والضغط على المجموعات المسلحة وقف هجماتها على القوات البريطانية. بينما أصر الجانب البريطاني على انه لا مفاوضات تحت ضغط الاضراب وعلى الدول العربية دعوة الفلسطينيين الى وقف الاضراب والأعمال المسلحة قبل التفاوض على موضوع الهجرة. ويرى المؤلف ان بريطانيا كانت تراقب التطورات السياسية في ايطالياوالمانيا صعود الفاشية وتخاف أن تضطرب أوضاعها في الشرق الأوسط في تلك الفترة الحرجة. لكنها وبسبب انحياز ادارتها للحركة الصهيونية رفضت الوعد بوقف الهجرة كما انها أبدت تفهماً للفكرة العربية من دون ان تؤيدها. بل انها رفعت قواتها الى 20 ألفاً مهددة بسحق الثورة بالعنف في وقت كانت نتائج الاضراب غير مثمرة. فصدرت في 11 تشرين الأول اكتوبر 1936 مناشدة عربية بوقف الاضراب ص 236. بعد ان توقف الاضراب العام ارسلت بريطانيا لجنة تقصي للحقائق برئاسة بيل في 5 تشرين الثاني نوفمبر 1936. ومع وصوله أصدر وزير المستعمرات قراراً يسمح بموجبه بهجرة 1800 يهودي الى فلسطين فأثار القرار غضب الهيئة العربية العليا في لحظة حساسة وقررت مقاطعة لجنة التقصي وطلبت من المسؤولين العرب التدخل والمساعدة. واستمرت المقاطعة الى 6 كانون الثاني يناير 1937 ثم تراجعت الهيئة عن موقفها بناء على نصيحة من المسؤولين العرب. وبدأت الهيئة بتقديم الوثائق والمعلومات للجنة التي عادت بعدها الى لندن واصدرت اقتراحاتها لحل المشكلة في 7 تموز يوليو 1937 فنصحت بتقسيم فلسطين الى ثلاث مقاطعات واحدة خاضعة لليهود وثانية دولية توضع باشراف المندوب السامي وثالثة فلسطينية تلحق بالأردن في اطار دولة واحدة.