لم يمضِ يوم واحد على تصريحات وزير الخارجية كولن باول في الاممالمتحدة بضرورة تطبيق العراق لقرارات مجلس الأمن والسماح للمفتشين بالعودة للتأكد من أن العراق لم يقم بانتاج أسلحة دمار شامل حتى تتسنى له العودة الى المجتمع الدولي، وتفسير هذه التصريحات بأنها "ليونة اميركية" تجاه النظام العراقي، حتى قامت الطائرات الأميركية بضرب مواقع رادارات عراقية خارج منطقة الحظر الجوي في الجنوب ما يوحي بأن الادارة الاميركية الجديدة تنتهج سياستين، واحدة يعبر عنها وزير الخارجية وتعمل تحت سقف الاممالمتحدة لمنع صدام من امتلاك أسلحة دمار شامل، والثانية تعمل على تغيير النظام في العراق كهدف استراتيجي لسياسة الولاياتالمتحدة في المنطقة ويتولى قيادة هذه السياسة نائب الرئيس ريتشارد تشيني ووزير الدفاع رونالد رامسفلد. وعلى رغم تصريح الرئيس جورج دبليو بوش بأن الغارات الأميركية هي "عمل روتيني" للطائرات الأميركية والبريطانية لفرض الحظر الجوي في الجنوب، فإن طبيعة الغارات وتوقيتها يشيران الى أبعد من كونها عملاً روتينياً. إذ اتخذ بوش قرارات القيام بالغارات صباح الخميس، حسبما أعلن البيت الابيض، ما يعني ان "الدفاع عن النفس" ليس هدفاً ملحاً وإنما اعتبارات التوجه الجديد للإدارة هي الملحة. كما أن الأهداف التي قصفت جاءت خارج منطقة الحظر الجوي في الجنوب على رغم أن الطائرات الأميركية لم تتخذ الخط 33. وقالت مصادر مطلعة على الأجواء التي رافقت اتخاذ القرار ل"الحياة" إن اوساط وزارة الدفاع ونائب الرئيس تشيني أبدت انزعاجها من الاشارات التي تعطيها وزارة الخارجية قبل ان تتم مراجعة كاملة للسياسة الأميركية تجاه العراق، ورأت أن باول يريد فرض أمر واقع في التعاطي مع العراق يقوم على ربط عودة المفتشين الى العراق واعطاء مهلة زمنية لرفع العقوبات في حال تم التأكد من أن صدام لم يقم بانتاج أسلحة دمار شامل. واعتبرت هذه الأوساط أن باول يسوّق عودة المفتشين كأنها تشكل انتصاراً للإدارة مع أن انهيار الحصار في غياب رد اميركي يشكل فشلاً للسياسة الخارجية الاميركية. وأوضحت المصادر ان توقيت الغارات قبل ذهاب باول إلى المنطقة للحديث عن العراق مع عدد من الدول العربية يقطع الطريق على هذه الدول، خصوصاً مصر وسورية، إذا أرادت المطالبة بانفتاح على العراق. واضافت ان باول سيعمد إلى استخدام مواقف الدول العربية وعدم استعدادها لمواجهة النظام العراقي كي يدعم حجته بضرورة انتهاج سياسة أقل تصعيداً مع صدام حسين. وذكرت مصادر قريبة من تشيني ان الولاياتالمتحدة تسعى الى احياء التحالف، وان ذلك لا يتم من خلال استجداء الدول العربية للقيام بذلك وإنما بقرار بمواجهة صدام وباطلاع هذه الدول على السياسة الاميركية بشكل صريح. وأكدت المصادر نفسها أن بوش وتشيني عبرا بشكل واضح أمام القريبين منهما عن رغبتهما في التخلص من النظام العراقي قبل انتهاء الولاية الاولى للرئيس بوش. وذكرت مصادر في وزارة الدفاع ان التكتيك الجديد الذي تتبعه القوات الأميركية هو القيام ب"عمليات وقائية" بدلاً من الاكتفاء بالرد على استفزازات القوات العراقية. وتابعت المصادر ان البنتاغون لمس أخيراً استعدادات عراقية لمحاولة اسقاط طائرات اميركية قد تستغل في الجدل الحاصل حالياً في واشنطن حول كيفية التعاطي مع صدام حسين. وقال مدير العمليات في رئاسة الاركان المشتركة غريغوري نيوبولد إنه في الشهرين الاخيرين أصبحت قدرة الادارات العراقية على تعقب الطائرات الاميركية التي تقوم بتطبيق الحظر الجوي على الجنوب "أكثر تطوراً". ولفتت مصادر في الادارة الاميركية الى ان التوازن في التعاطي مع "أعمال العنف" بين الفلسطينيين واسرائيل الذي بدأته الادارة الحالية سيدعم سياسة واشنطن تجاه العراق لتجنب نقمة الشارع العربي ولتخفيف الضغط على الحكومات العربية التي لا تمانع تغييراً في النظام في بغداد. وقال مصدر ديبلوماسي إن الادارة الاميركية شددت أمام موفدي شارون الى واشنطن هذا الاسبوع على ضرورة الافراج عن عائدات الضرائب للسلطة الوطنية الفلسطينية والتخفيف من وطأة التدهور الاقتصادي لئلا يستغل الرئيس العراقي هذا الوضع من خلال اعطاء مساعدات للفلسطينيين، لأن الولاياتالمتحدة عازمة على وضع حد للتهديدات العراقية.