وسط القاعة الرئيسية من فندق "هايت ريجينسي"، إحدى أقدم سلاسل الفنادق العالمية التي تعود الى عصر الامبراطورية الإنكليزية السالفة، اعتلى منصة الخطابة وجه ولسان واسم فرنسي. وألقى بيار ماتي المدير التنفيذي لشركة "جوردن تيليكوم" التي تدير "قطاعي" الاتصالات والمعلوماتية، كلمة ترحيب بإنكليزية تطغى عليها اللكنة الفرنسية، افتتح بها أعمال مؤتمر "التلاقي - 2001". وعلت نبرة الحضور الفرنسي، في المصالح والتقدم التقني، مع كلمة ميشال البون رئيس شركة "فرانس تيليكوم" العالمية التي أدت دوراً محورياً في خصخصة قطاع "الاتصال - المعلومات" في الأردن، وهي الشريك الرئيسي مع الحكومة في شركة "اتصالات" الأردنية انظر المربع: كرونولوجيا الاتصالات في الأردن. وفي وضع النبرة على حضور المصالح الفرنسية ارتجل وزير البريد والاتصالات الدكتور فواز الزعبي، ذو الأناقة والهيئة والقسمات التي تذكر بالأنكلوفونية المتأمركة، كلمة قصيرة باللغة الفرنسية الصرف، أدرجها ضمن خطابه الذي لامس أعصاباً مهمة في نمو الاتصالات والمعلوماتية. وعقد لقائه المفتوح مع الصحافة العربية والدولية، لم يجد الوزير الزعبي صعوبة في إتمام مقابلة مع "راديو فرنسا"، وبلغة فرنسية بسيطة ومباشرة. رفة جناحي الفراشة الفرنسية ويصعب التغاضي عن هذا الحضور الفرنسي القوي في المملكة ذات الإرث المكين في الميل والذائقة الإنكليزيين. وحتى لو أهمل التاريخ وثقافة النخبة، فإن المرور من المطار الى الفندق يعبر في شوارع تنم عن هندسة انكليزية الطراز في المباني والفيلات ونمط التشجير و... السيارات ذات المقود الموضوع الى اليمين، على الطريقة الإنكليزية الصرف!! ويتبادر الى الذهن ان إذاعة "مونت كارلو"، وهي جزء من "راديو فرنسا الدولي"، أطلقت موجة "اف ام" خاصة لبثها في الأردن، أواخر العام 1999. وهل يشهد الأردن "تجاذباً ما" في المصالح الدولية، تقف فرنسا في أحد طرفيه؟ المعروف أن القارة الأوروبية تعقد آمالاً عريضة على الاتصالات في منافستها مع أميركا التي تتفوق عليها آجالاً في علوم المعلوماتية. فهل يكون لموجة راديو هنا، ومشاركة في خصخصة وزارة هناك، وكلاهما في مجال الاتصال، أن تولدا هزاً ناعماً يقود الى آثار عميقة؟ وهل هي محاولة في مثل "أثر رفة الفراشة" الشهير التي تولّد أمطاراً وسيولاً، وهو المثل الذي يضرب للتعبير عن قدرة عامل هين الشأن على صنع تغيير عميق، إذا ما توافرت سلسلة من الظروف المواتية؟ خطوط متطورة تنتظر المضمون ونظمت شركة "اتصالات" المخصخصة، التي تدير شؤون الهاتف والخلوي والإنترنت، مؤتمر "التلاقي -2001" لإعلان إتمام المرحلة الأولى من شبكة خطوط انترنت متطورة، تزمع مدها في الأراضي الأردنية كافة. وتتضمن كلمة "التلاقي" نوعاً من التلاعب اللفظي، فهي ترجمة لكلمة Convergence التي تستخدم لوصف "تلاقي" تقنيات الاتصالات والمعلوماتية وتحوّلهما وحدة واحدة. وتعطي خطوط ADSL المتطورة التي تستخدم للمرة الأولى في الشرق الأوسط في شبكة وطنية عامة، نموذجاً عن التلاقي. وتتيح ADSL دمج البث التلفزيوني والاتصال الهاتفي والوصول الى إنترنت وتشغيل الراديو والكومبيوتر في وقت واحد ومن دون ضرورة وقف إحدى الوسائل أثناء تشغيل الأخريات. ويمكن مستخدم ADSL، على سبيل المثال، الاستمرار في استخدام الهاتف أثناء الاتصال مع الإنترنت. ولعل ذلك يفسر تركيز الوزير الزعبي على طرح مسألة "المضمون" Content باعتبارها الخطوة المفصلية في تطور الاتصالات والمعلوماتية في الأردن، إضافة الى القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية. وأوضح الزعبي أن خطة العمل لاحظت خمسة مكوّنات أساسية في بيئة العمل الاتصالاتي - المعلوماتي، هي: أ - البيئة التشريعية. ب - البيئة التحتية. ج - البرامج السريعة في التطبيق. د - رأس المال العالمي والعربي والمحلي. ه - الموارد البشرية. لذا بدا الزعبي محقاً، في كلمته أمام المؤتمر وفي لقائه الصحافي، في التشديد على الخطوة المقبلة، أي طبيعة العمل الذي ينبغي للكوادر البشرية الأردنية اتمامه. وبيّن أن الخطة تطمح الى توفير 30 ألف وظيفة جديدة، وإلى خدمات معلوماتية - اتصالاتية مصدّرة بقيمة 50 مليون دولار. فكيف السبيل الى ذلك؟ وما هي طبيعة الإنتاج والأدوات التي يمكنها "إقناع" السوق العربية والدولية بشرائها واستخدامها؟ نحو الحكومة الإلكترونية... بدءاً بالاتصالات! تعد وزارة البريد والاتصالات نموذجاً للميل الى التجاوب مع معطيات العولمة، خصوصاً في خصخصة وظائف أساسية ظلت حكراً على الحكومة طويلاً. وفي اللحظة الراهنة، لم يبق سوى البريد خارج خصخصة قطاع الاتصالات. وصرح مصدر في الوزارة الى "الحياة" أنها ترى نفسها نواة التحول التدريجي نحو الحكومة الإلكترونية. وتزمع تنفيذ ثمانية مشاريع خلال الأشهر ال18 المقبلة، كجزء من هذا التحول، قياساً الى ثلاثة مشاريع لقواعد بيانات Data Base أنجزت سابقاً وهي: 1- المركز الجغرافي الوطني. 2- مركز المعلومات التابع للجمعية العلمية الملكية. 3- بوابة شركة "اتصالات" واسمها "جوردن وايد" www.Jordan wide. وتضم قائمة المشاريع الثمانية قيد التنفيذ: 1- تسجيل الشركات G2B 2- الضرائب والضمان الاجتماعي G2C وG2B. 3- معاملات دائرة الأراضي والمساحة G2B وG2C. 4- دليل الموظفين الحكوميين G2G. 5- معاملات الترخيص للشركات G2B. 6- البوابة الحكومية G2B وG2C وG2G. 7- المشتريات والمبيعات الحكومية G2B وG2G. 8- رخص القيادة والسيارات G2B وG2C. وعلمت "الحياة" ان الشركات العالمية شرعت في تمويل بعض هذه المشاريع. وتموّل "كومرس دال" مشروع المشتريات والمبيعات الحكومية، وتدعم "هيوليت باكارد" و"مايكروسوفت" مشروع البوابة الحكومية. ويمول البرنامج الأميركي الشهير "يو اس ايد" US AID مشروعي تسجيل الشركات والبوابة الحكومية. هل تعيد هذه "القائمة" صورة تجاذب المصالح الدولية؟ أمر يحتاج الى نقاش.