هل باستطاعة الصحافة الشعبية أن تتسبب بيأس امرأة وتدفعها الى الانتحار؟ قصة البريطانية المعروفة باولا ييتس التي قضت بجرعة مضاعفة في أيلول سبتمبر الفائت بعد انتحار صديقها المغني مايكل هوتشنس تجيب عن هذا السؤال. لم تسلط الأضواء على باولا ييتس إلا بعد أن ارتبطت بمغني الروك الإيرلاندي الأصل بوب غيلدوف، وقد تلقت ملامة البريطانيين لأنها ارتبطت بإيرلندي ثم ملامة الصحافة حين تركته بعد فشل زواجها عام 1995، وباولا ييتس التي كانت نجمة تلفزيونية باتت تنتقد في شدة في وقت من الأوقات ميل وسائل الإعلام البريطانية الى"سفك دماء" الأشخاص مما حولها الى شخصية "وطنية" محتقرة. وبعد أن أقامت باولا علاقة مع مغني الروك الأوسترالي الأصل مايكل هوتشنس تلقت ضربات موجعة من الصحافة البريطانية التي أطلقت عليها أقذع الألقاب، وبالتالي تحولت قصتها الى نموذج يروى عن طبيعة الشهرة في بريطانيا اليوم. الواقع أنه بعد مرور 6 أعوام على علاقتهما المطاردة انتهت باولا ومايكل بالموت كما في قصة روميو وجولييت هو بالإنتحار في سن ال37 وهي بجرعة مضاعفة من الهيرويين في سن ال41. قبل دخولها الى مجال التلفزيون كانت باولا معروفة بعد أن عرضت عارية لمجلة Penthouse الأميركية. وهي طالما اجتذبت أنظار المعجبين لجمالها وحيويتها وذكائها. وقد عمدت عام 1995 الى رواية قصتها في كتاب مذكراتها وأخبرت عن نشأتها في ظل والد غير حنون وأم متغيبة دوماً، فعاشت طفولة مضطربة انعكست على توازنها العاطفي. ولكي تعوض عن النقص في الحنان راحت حين نضجت ترتمي في أحضان الرجال. إلتقت باولا بالمغني غيلدوف عام 1977، وكان عمرها 17 عاماً. وما لبثت أن انتقلت للعيش معه في إيرلندا أولاً ثم في لندن، واقترح عليها أن تجد عملاً لها مفيداً فراحت تكتب أخبار النجوم في إحدى المجلات الفنية. ورغبة منها في تأكيد موهبتها الكتابية ألّفت كتاباً عن نجوم الروك، ثم أصبحت نجمة برنامج تلفزيوني وشخصية تلفزيونية ينتظرها البريطانيون كل نهار جمعة، وتميزت بالجرأة وأحياناً الوقاحة في مخاطبة ضيوفها. أثناء عيشها مع غيلدوف أنجبت منه ثلاث بنات، وهي حاولت على رغم تسلطه أن تنشئ عائلة مستقرة، قالت مرة: "حاولنا دائماً أن نتبع التقاليد وأن نعيّد الميلاد في طريقة تقليدية كما كنت أحلم بها في صغري". ما لبثت باولا أن أطلقت برنامجاً تلفزيونياً جديداً تستضيف فيه ضيوفها في الفراش! وفي إحدى الحلقات التقت المغني الأسترالي مايكل هوتشنس وأغرمت به على الفور حتى أنها علقت له صورته على باب الثلاجة في منزلها العائلي! بعدما توطدت علاقتها بمايكل تركت غيلدوف، الذي على رغم احتفاظه بصداقة "الزوج" الجديد لم يتقبل في قرارة نفسه أن تصبح المرأة التي أحبها مع رجل آخر. أما الصحافة البريطانية فقد انطلقت تجرّح بييتس وحبيبها معتبرة أن علاقتهما غير صادقة وقائمة على المصلحة، وانتقدت ييتس التي تترك بناتها الثلاث من أجل رجل. أما غيلدوف فلم يوفر فرصة لمضايقتها في العمل وقد أنهكها معنوياً ومادياً في مطالبته باحتضان بناته ونجح في ذلك. وعلى رغم انفصالهما بقي غيلدوف قلقاً من تناول المخدرات في منزل زوجته السابقة، خصوصاً أن مايكل هوتشنس لا يخبئ حبه لتناول المحرمات ولا سيما الهيرويين. والواقع أن ييتس كانت "تعبد" هوتشنس الى درجة أنها بدلت نمط حياتها نهائياً لتتبنى أسلوب حياة "الروك ستار" فتحولت الى المرأة التي يرغب بها مايكل متناسية كل شيء. في إحدى المرات كانا مسافرين الى أوستراليا عندما قامت الشرطة باقتحام منزلهما في لندن وعثرت على كمية من الأفيون وعلى مجموعة من الصور الخلاعية التي نشرت في ما بعد على الإنترنت، وبعد هذه الحادثة لاحقت الصحافة البريطانية ييتس وهوتشنس من دون رحمة. أصابع المؤامرة امتدت لتطاول غيلدوف الزوج السابق الذي نفى الأمر كلياً. هذه الفضيحة هزت الإثنين في العمق ولما وجدا صعوبة قصوى في الدفاع عن نفسيهما لجآ الى المسكنات من البروزاك والفاليوم والروييبنول وكثرت عليهما الشائعات. عام 1997 سافر هوتشنس في جولة فنية الى أوستراليا وانتظر ثلاث أشهر زيارة ييتس مع ابنتيهما وبناتها الثلاث، لكن غيلدوف منع الفتيات من السفر، فجن جنون هوتشنس واتصل بييتس قائلاً لها إنه سيتصل بغيلدوف ويرجوه ليسمح لها بالسفر مع بناتها. وعندما اتصل بغيلدوف كان يتحدث بطريقة غير مترابطة، ولم يلبث أن وجد ميتاً في غرفته وقد شنق نفسه بحزام جلدي علقه بباب الغرفة. في اليوم التالي سافرت ييتس الى أوستراليا حيث تمت الجنازة ولم تنج من انتقادات الصحافة التي تهكمت على "الأرملة المخمورة" التي تسافر تحت إسم "اللايدي غيلدوف". حتى أنها لم تسلم من لسان والدة هوتشنس التي صدتها حين اقتربت منها للتعزية قائلة لها "لقد قتلت إبني". بعد التحقيقات التي أجريت تبين أن هوتشنس انتحر بعد تناوله كميات هائلة من الكحول والبروزاك والكوكايين. لكن ييتس لم تتقبل نتيجة التحقيق مؤكدة أن هوتشنس كان يعتبر الانتحار عملاً جباناً وأنه كان متعلقاً جداً بإبنته كي ينتحر. ويخبر أصدقاؤها أنها كانت تلوم نفسها على موت هوتشنس حتى وصلت الى حافة الجنون. "كانت تلوم نفسها لأنها لم تحمه من هجمات وسائل الإعلام والصحافة التي أثرت كثيراً على توازنه وأعصابه". وبعد أن دخلت ييتس الى احد مراكز العلاج من الإدمان أرسلت لها إحدى المجلات مقالاً بعنوان "انتحار الشقراء" يتحدث عن علاقتها بهوتشنس. وبعد فترة استضافت احدى المذيعات في برنامج تلفزيوني أحد أصدقائها الذي قال إنها ابنة هوغي غرين وليس جيس ييتس. وبعد إجراء فحوصات الDNA تبين أن الأمر صحيح مما زعزع كيانها. هذا الضياع دفعها الى إقامة علاقة غرامية بمدمن سابق تعرفت اليه في المستشفى، وما لبث أن استغل الوضع لينشر تفاصيل العلاقة الحميمة بينهما في إحدى الصحف "الشعبية". وسخرية القدر جعلت ييتس تكتب لإحدى المجلات بعد أن صارت تعاني من العوز. ثم راحت تغرق أكثر فأكثر في الكحول والمخدرات وفي إحدى المرات كادت تفقد حياتها لولا مساعدة أحد أصدقائها الذي سارع الى الاتصال بزوجها السابق بعدما رآها شبه ميتة. لكن في 17 أيلول سبتمبر الفائت كانت ييتس وحدها من دون وجود أحد لنجدتها وفيما كان أحد أصدقائها يتصل بها لتذكيرها بعيد ميلاد إبنتها بيكسي كانت هي أسلمت الروح بعد تناولها جرعة قوية من الهيرويين.