سيكتشف باراك اوباما ان العالم اكثر تعقيدا مما اعتقد. وانه لا يكفي الابتعاد عن نهج جورج بوش لترميم صورة اميركا وإطفاء الحرائق الدولية المشتعلة وانهاء التورط الاميركي فيها. وان الاستمرار في ادارة العالم باهظ. وان الانكفاء قرار متعذر نظرا لأثمانه السياسية والاقتصادية والأمنية ايضا. يستقبل اوباما بعد غد ضيفين صعبين من بلدين صعبين. اسم الاول آصف علي زرداري. رئيس باكستان. وما كان لهذا الرجل ان يحتل مكتب الجنرال برويز مشرف لولا اغتيال زوجته بينظير بوتو. وليس سراً ان الاغتيال يحمل توقيع تنظيم «القاعدة» وان كان التنفيذ من انجازات بيت الله محسود. بالمناسبة يمكن القول ان اسلوب الاغتيال اثبت نجاعته في اكثر من مكان. اغتيال بينظير اغتال ايضا اتفاقا سرياً بينها وبين مشرف هندسته دولة عربية لانقاذ الاستقرار في باكستان. شرعية زرداري مستعارة من دم آل بوتو. يصعب القول انه رمز لدولة القانون والشفافية والمؤسسات. امضى في السجن ما يزيد على عقد بسبب اتهامات مالية. انها قصة باكستان تدور بين شراهة العسكريين وفساد المدنيين ومصانع المتشددين والانتحاريين. الزائر الثاني لا يحمل هو الآخر انباء سارة. اسمه حميد كارزاي. رئيس افغانستان. يصعب اتهامه بأنه زعيم شعبي. يستحيل ان يكون المرء واسع الشعبية اذا انتخب في بلد تحت الاحتلال. في هذا الجزء الصعب من العالم لا يكفي فتح صناديق الاقتراع لإنتاج شرعيات ومؤسسات. هذه البلدان تقطن في زمن آخر. حالها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تجعلها تنفر من الديموقراطية وتعتبرها زيا غريبا وافدا. ويقول التاريخ ان افغانستان وعرة الروح والتضاريس. تدمي الغريب الوافد وحين ترتاح منه تتفرغ لدورة الحروب التي لا تنتهي على خطوط التماس العرقية واللغوية والقبلية والمناطقية. ويعرف اوباما من تقارير الصحف ان ما ازدهر في افغانستان ليس الديموقراطية بل تجارة الافيون والعمليات الانتحارية. يدرك الرجل الجالس في مكتب جورج بوش ان حال الحليف الافغاني سيئة فعلا. وان بعض مواطنيه يتندرون ويلقبونه «رئيس بلدية كابل». وان حركة طالبان اقتربت من حدود هذه البلدية. وان محاولة توسيع سلطة كارزاي الى الاقاليم ستكون مكلفة وموقتة وهشة. وان المزيد من القوات والقتال سينعش حلم اسامة بن لادن بان يعرض الجيش الاميركي في افغانستان لما تعرض له «الجيش الاحمر» هناك. من حق اوباما في القمة الثلاثية ان يشعر بالقلق. بلاد زرداري تنام على ترسانة نووية وذاكرة ثلاث حروب مع الجارة النووية الهندية. سلطة الحكومة الباكستانية تتقلص. المعابر الباشتونية بين باكستانوافغانستان مفتوحة على مصراعيها. وتيرة العمليات الانتحارية في الداخل الباكستاني تعد بأيام سود. تخضع السلطة لاملاءات المسلحين وتتعهد بتطبيق الشريعة هنا وتتردد هناك ثم يذكرها العالم بابعاد ما اقدمت عليه فيندلع القتال. الاستخبارات العسكرية ترفض الطلاق الكامل مع المتشددين الذين وظفتهم سابقا بمباركة اميركية ضد السوفيات ووظفتهم دائما ضد الهند في كشمير وأبعد منها. جمهورية كارزاي فاشلة. جمهورية زرداري تتجه نحو الفشل بخطى متسارعة. ضخ المساعدات في عروق الخزينة الباكستانية المهددة بالافلاس لا يعني بالضرورة تعزيز السلطة المركزية وترسيخ اقامة باكستان في المحور المعادي للتشدد. يعرف اوباما ان عليه انقاذ افغانستان من الانهيار الكامل لانقاذ بلاده من تورطها هناك. ويعرف ان الشرط الاول لذلك هو انقاذ باكستان من رحلتها الحالية نحو الهاوية. ويعرف ان الاستراتيجية الجديدة التي أقرتها ادارته ليست وصفة سحرية. وان افغانستان فخ كبير. وان المريض الباكستاني يقاوم المهدئات ولا يحتمل الجراحات. انتهت اجازة الرئيس بنهاية المئة يوم الاولى في منصبه. تنتظره حروب كثيرة على جبهات متعددة. الازمة المالية. انفلونزا الخنازير. افغانستانوباكستان. الابتزاز النووي الكوري. البرنامج النووي الايراني. حكومة نتانياهو وانسداد افق السلام. الاخطار الوافدة من الصومال. محاولة «القاعدة» ايقاظ الحرب المذهبية في العراق للعودة الى التحصن في جزء منه. محاولة «القاعدة» التحصن في اليمن لجعله منطلقا لزعزعة استقرار المنطقة. وماذا لو تحول لبنان دولة فاشلة على المتوسط؟ انها حروب كثيرة على جدول اعمال الرئيس.