لم يشكل فوز وزير الدفاع الإسرائيلي بنيامين بن اليعيزر بزعامة حزب "العمل" أي مفاجأة للمراقبين والمعلقين على الشؤون الحزبية الذين رأوا فيه صفقة، مشيرين إلى حقيقة أن الأقطاب البارزين فضلوا عدم خوض المنافسة في هذه المرحلة التي يعاني الحزب فيها أزمة سياسية وتنظيمية، منتظرين فرصة أفضل قد تسنح بعد عام أو أقل حين تعاد الانتخابات لاختيار زعيم للحزب يقوده في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ومع ذلك، فإن انتخاب بن اليعيزر لا يخلو من دلالات مهمة ليس أبسطها أنه على ادائه في منصبه الجديد يتعلق مستقبله في الخارطة السياسية والحزبية الإسرائيلية بعدما لازمته صورة "شارون ب"، في إشارة إلى مواقفه السياسية والأمنية المتطرفة والمنسجمة تماماً مع رئيس الحكومة زعيم ليكود ارييل شارون. واتفق المعلقون على أن بن اليعيزر، في حال رغب بالفوز بزعامة "العمل" في الانتخابات المقبلة، سيجد نفسه مرغماً على الانسحاب من الحكومة ليطرح بديلاً لسياسة "ليكود" قد ينتشل من خلاله الحزب من الاندثار. وأضافوا ان بن اليعيزر سيتحين الوقت المناسب والحجة ليعلن انسحاب "العمل" من التوليفة الحكومية، وقد يفعل ذلك على خلفية الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، لأن الناخب الإسرائيلي لن يقبل أو يتفهم انسحاباً على خلفية السياسة الأمنية للحكومة التي تحظى بشبه اجماع في الشارع الإسرائيلي. لكن الوزير السابق، أبرز أقطاب اليسار الصهيوني، يوسي بيلين، لم يعوّل كثيراً على انتخاب بن اليعيزر، وقال "إنه زعيم غير شرعي للعمل لتبنيه مواقف يمينية وعدوانية لليسار". وعبر عن أمله في أن ينتخب "العمل" زعيماً آخر في الانتخابات المقبلة يكون ممثلاً حقيقياً لمعسكر اليسار الإسرائيلي. وكتبت الصحافية سيما كدمون في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ان بن اليعيزر سيجد نفسه مضطراً من اليوم فصاعداً ليكون معارضاً لسياسة رئيس حكومته ولتأكيد الفوارق بين "العمل" و"ليكود" و"البحث عن توقيت ملائم وحجة صحيحة ليترك الحكومة ويطرح نفسه بديلا". من جهته، كتب يوسي فرطر في "هآرتس" ان الامتحان الأول لزعامة بن اليعيزر سيكون منتصف الشهر المقبل حين يلتئم مركز حزب "العمل" للبحث في مسألة الانسحاب من الحكومة على خلفية سياستها الاقتصادية، مشيراً إلى أنه باستثناء وزراء "العمل" فإن غالبية نواب الحزب تؤيد الانسحاب الفوري. ولفت المعلقون في الشؤون الحزبية إلى حقيقة أن بن اليعيزر أبرز صقور حزب "العمل" ويتماهى تماماً مع مواقف رئيس حكومته المعادية للفلسطينيين وكان سبق شارون في التطاول على الرئيس ياسر عرفات والزعم أن "دوره التاريخي انتهى" ثم وقوفه على رأس أجهزة الأمن الإسرائيلية في قمعها الانتفاضة وحصارها التجويعي للفلسطينيين. ويعتبر اف ب، زعيم حزب "العمل" المنتخب "صقراً بامتياز" في صفوف الحزب، خصوصا في مجال السياسة الامنية. وبن اليعيزر 65 عاما الجنرال السابق في الجيش من اصل عراقي ضخم مربوع القامة يتميز بأسلوبه العسكري المباشر، فور توليه مهامه وزيرا للدفاع في اذار مارس الماضي اعلن ان هدفه الرئيسي سيكون اعادة الامن ولمح بوضوح الى انه سيضرب بالقوة اللازمة بعد اكثر من خمسة اشهر على اندلاع الانتفاضة. وهو الذي اعطى الضوء الاخضر لسياسة القمع خصوصا لحملة اغتيالات الناشطين الفلسطينيين وعمليات اقتحام مناطق السلطة الفلسطينية والغارات الجوية والحصار للمدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكنه ابدى على الدوام استعداده للعودة الى طاولة المفاوضات في حال اوقف الفلسطينيون العنف. وقال لاذاعة الجيش الاسرائيلي امس انه اذا ما انتخب رئيسا لحزب "العمل" فانه سيخرجه من الائتلاف الحاكم لشارون "اذا رأينا ... ان وضعنا في الحكومة يمنعنا من تحقيق انجازات بشان فرص سانحة امام انفراج سياسي او قضية اقتصادية مهمة". وبن اليعيزر المولود في 12 شباط فبراير عام 1936 وصل الى اسرائيل وهو في الثالثة عشرة من العمر، اختار السلك العسكري وكان ضابطا في الجيش الى حين انخراطه في العمل السياسي عام 1984. وكلف شؤون الارتباط مع اول حلفاء مسيحيين لاسرائيل في لبنان عام 1976 وكان احد مهندسي التدخل العسكري في لبنان الذي ادى الى اجتياح هذا البلد في حزيران يونيو عام 1982. ولطالما عارض الانسحاب الاحادي الجانب من لبنان لكنه غير موقفه في نهاية المطاف واصبح من مناصريه بعد 18 سنة. ولا يزال اليوم مؤيدا لاعتماد سياسة الحزم مع لبنان وسورية، في استراتيجية قد تترجم عبر عمليات اسرائيلية واسعة النطاق في حال حصول هجمات جديدة من "حزب الله".