تحت شعار "المواءمة بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبين النمو السكاني من أجل غد مزهر" عقد المؤتمر الوطني الأول للسكان أخيراً في دمشق، نظمته وزارة الدولة لشؤون التخطيط وصندوق الأممالمتحدة للسكان. وناقش المؤتمر مشكلات النمو السكاني وتنمية الموارد البشرية وتطوير القدرات التقنية ومستقبل التنمية البشرية في سورية. وتمكن المؤتمر من عرض القضايا المتعلقة بالمسألة السكانية. وأخذت النقاشات طابع الجدية والشعور بالمسؤولية العالية تجاه قضية غاية في الخطورة تتصل بالمواءمة بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي بما يتناسب والامكانات الاقتصادية المتاحة. لكن النقاشات اتخذت في بعض الأحيان منحى تشاؤمياً، إذ رأى الباحثون ان "التنمية البشرية ليست حالاً مثالية تبلغها غداً أو بعد غد بعصا سحرية أو بمساعدات خارجية. انها سيرورة عمل وجهاد لتغيير الواقع نحو الأفضل أو ما نعتقده كذلك. سيرورة تترافق بتغيير ما بأنفسنا ورؤوسنا كبشر صانعين لها ومستفيدين منها". وقد بدت أجواء المؤتمر ملائمة للموضوع المطروح، وكان الاكتظاظ بادياً في حجم الحضور الكثيف أيضاً نظراً لأهمية الموضوع وارتباطه بمواضيع حيوية كثيرة. وأغنت التجارب القطرية التي قدمت خلال المؤتمر التونسية والايرانية والجزائرية الحصيلة التي خرج بها المؤتمر من خلال عرض تجارب تنظيم الأسرة في تلك البلدان. والى جانب الموضوع الأساس، خيمت المستجدات السياسية التي يشهدها العالم وحرب أفغانستان على الأجواء وتمّ التأكيد في الافتتاح ان "القضاء على الارهاب يتطلب ازالة الأسباب الحقيقية المؤدية اليه ويتطلب من دول العالم العمل دوماً على وضع أسس متينة لتعاون دولي يهدف الى عدم تكرار ما حدث وضمان حقوق الإنسان كي يعيش بحرية وأمن وسلام وأن يتم ذلك انطلاقاً من ميثاق الأممالمتحدة ومن التمييز بين الارهاب وبين النضال الوطني المشروع...". ومع ان المؤتمر خرج بدعوات وتوصيات، الا انه لم تُطرح سياسة سكانية واضحة المعالم تأخذ في الاعتبار المعطيات الديموقراطية ومعطيات الموارد الطبيعية وغيرها. علماً أن برامج تنظيم الأسرة معممة لدينا منذ التسعينات. الا ان الخصوبة المكملة للمواليد الأحياء للمرأة في سن 45 - 49 تصل الى 6.76 مواليد أما معدل الخصوبة الزوجية للمرأة من عام 1978 الى عام 1999 فيتجاوز متوسط عدد المواليد الأحياء 7 مواليد، هذا اضافة الى ان 41.5 في المئة من أسر الريف تتألف من عشرة أشخاص فأكثر. وكيف لا يحصل ذلك والدولة شجعت في السنوات الستين الماضية الأسر السورية على الانجاب وكانت تمنح وسام الأسرة لكل من ينجب عدداً من الأولاد قد يتجاوز 12 ولداً. وتعطي الحوامل عدداً من المزايا كالخفوضات في وسائل النقل. صحيح ان ذلك "الوسام" توقف منذ زمن الا انه لم يصدر مرسوم بإلغائه. وهناك مواد في القانون السوري تفرض عقوبات قاسية على من يشجع أو يبيع العقاقير التي تمنع الحمل. ويستطيع أيّ كان ان يتقدم بدعوى قضائية ضد من يبيعون حبوب منع الحمل أو يشجعون تنظيم الأسرة وربما يستطيع سجنهم استناداً الى القانون لأن المادة المذكورة لم تحذف من القانون بعد. وهناك مسألة تنظيم الأسرة التي لم تأخذ نصيبها من الاهتمام على المستوى الشعبي والرسمي، فالإعلام بأنواعه كافة لم يحقق المطلوب من نشر الوعي والمعرفة بالقضية السكانية ومسائل الأسرة ونموها ومواردها، من خلال برامج تحذر من تفاقم الأوضاع المعيشية والبيئية وغيرها اذا ما استمرت الزيادة السكانية في نسبها الحالية. لذا لا بدّ من وضع برامج مدروسة واقعية وميدانية تجند لها الدولة العناصر البشرية الخبيرة لئلا تصل الى وقت قد لا تنفع فيه مثل هذه الحلول. ولم يخف القائمون على المؤتمر الأول للسكان في دمشق قلقهم من نسبة الزيادة السكانية الكبيرة التي تعتبر من بين الزيادات الأكثر ارتفاعاً في العالم، حيث تضاعف عدد سكان سورية خلال أربعين عاماً مضت ثلاثة أضعاف ونصف الضعف. وحذروا من المنعكسات السلبية لهذه الزيادة على الاقتصاد الوطني ومستوى المعيشة وقلة فرص العمل والضغط على الموارد ومرافق الخدمات وحدوث الخلل البيئي وتفاقم معدلات التلوث. وركز المؤتمر على انخفاض نسبة الأمية بين السكان الذين تبلغ اعمارهم 10 سنوات فأكثر من حوالى 38 في المئة عام 1981 الى 15 في المئة عام 2000. كما أكد ان التطورات التكنولوجية في عمليات الانتاج أثرتت في البنية الاقتصادية وانعكس ذلك على القوى العاملة فأدى الى ازدياد حجم البطالة بين الشباب 15 - 24 سنة. كما ان ارتفاع معدل النمو السكاني أدى الى الارتفاع المتزايد في اعداد الداخلين الى سوق العمل وبأعداد أكبر من معدل النمو السكاني. ودعا الباحثون في نهاية المؤتمر الحكومة السورية الى تطوير التقنيات ورفع سوية القوى البشرية واستمرار الدولة في تلبية الخدمات الأساسية بأسعار متدنية كهرباء وماء وخفض أسعار الاتصالات وتشجيع نمو قطاع الخدمات وتأمين العدالة في التكليف الضريبي، اضافة الى تحسين مستوى الخدمات والرعاية الاجتماعية وتحسين مستوى الخدمات الصحية وكثافة الخدمات الالكترونية، وان مجمل هذه الأمور سوف يؤدي الى انحسار الدور الطاغي للأسرة والرجل وتطور دور المرأة العاملة والانتقال الى عادات اجتماعية أكثر انفتاحاً على البيئة العالمية وانحسار نسبة النمو السكاني. وتوقع بعض الباحثين ان تصبح نسبة نمو السكان في سورية قريبة من النسب الأوروبية بحدود عام، وأكد الباحثون ضرورة ربط التعليم في سورية بحاجات المجتمع وضرورة تشجيع الدخول الى التعليم المهني والتقني وتنويع فروع التعليم المختلفة. وفي مجال القوى العاملة، حث الباحثون على تسريع وتائر التنمية واعطاء الأولوية للمشروعات التي توفر أكبر عدد ممكن من فرص العمل وربط الراتب والأجر بالانتاج. أما صندوق الأممالمتحدة للسكان الذي شارك في تنظيم المؤتمر فقدم حوالى 10.5 مليون دولار ستوزع على مشاريع الصحة الانجابية بمقدار 6.5 مليون دولار و2 مليون دولار للترويج لقضايا السكان و1.5 مليون دولار للسياسات السكانية و500 ألف للبرامج الداعمة للسكان والمرأة. وذلك في خطته ما بين عامي 2002 و2005.