مع استمرار وتيرة التزايد السكاني المرتفعة في سورية، وبعد «الانفجار السكاني» الذي حصل في ثمانينات القرن الماضي، تصل سورية حالياً إلى حافة انفتاح «النافذة الديموغرافية»، التي لا تمر إلا كل 900 سنة في عمر الشعوب، وتعني وصول عدد كبير من السكان إلى سن العمل، وفقاً لخبراء. وتشير الأرقام إلى ان وتائر النمو الحالية تجعل عدد السكان في سورية يتضاعف كل 29 سنة ونصف سنة، في مقابل 20 سنة سابقاً. وتعد «الهيئة السورية لشؤون الأسرة» تقريراً يفصل بالأرقام والمعطيات مكان انفتاح هذه النافذة وزمانه، وكيفية تحويلها إلى «فرصة تنموية» بدلاً من «نقمة» إذا ما أُحسن التعامل معها. اعتبرت رئيسة الهيئة إنصاف حمد ان «النافذة الديموغرافية» «فرصة تنموية كبيرة، باعتبارها رافعة ووسيلة لكل مشاريع التنمية»، مشددة على «ضرورة إيجاد فرص عمل وتطوير الخصائص النوعية للسكان، من تعليم وتدريب، لتصبح لدينا القوة البشرية المؤهلة القادرة على حمل مشاريع التنمية». وأكدت في مقابلة أجرتها معها «الحياة» على «ضرورة والتخطيط لانفتاح هذه النافذة الديموغرافية والاستفادة من ثمارها» كي لا «تتحول إلى نقمة حقيقية، ترفع معدلات البطالة وتزيد معدلات الإعالة المرتفعة أصلاً، بما يسبب مشاكل اجتماعية كبيرة من فقر وجريمة». ويأتي التقرير الثاني، الذي تعكف الهيئة على إعداده حالياً ويُتوقع صدوره في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بعد النجاح الذي حققه التقرير الأول الذي صدر العام الماضي، ودق «ناقوس الخطر»، في ما يتعلق بالمسألة السكانية في سورية بصراحة وشفافية إذ قدم صورة عن التكلفة الاقتصادية للزيادة السكانية، من ضمن سيناريوات متعددة لتدخل الدولة أو عدمه. وجاء في التقرير ان سورية تملك أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، ولا يتأخر عنها سوى دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لافتاً إلى ان معدل النمو السكاني العام بلغ 2.45 في المئة سنوياً، فيما سجل معدل الخصوبة في بعض المحافظات الشرقية 8.1 مولود للمرأة. وقالت حمد: «أشار التقرير إلى خلل في التوزيع السكاني، فهناك مناطق ذات كثافة سكانية كبيرة جداً، في مقابل مناطق تتعرض إلى الهجرة، وبالتالي وُضعت هذه الأرقام في أيدي المسؤولين عن خطط التنمية لاستخدامها عند وضع خطط لمشاريع في هذه المناطق وفقاً لحاجاتها وتوزع اليد العاملة فيها. ويشير أيضاً إلى تدني الخصائص النوعية للسكان، كبعض المؤشرات التي لها علاقة بالتعليم والصحة». وأضافت ان التقرير كشف عن ثلاثة أنماط من النمو السكاني، الأول مرتفع، وذلك في المحافظات الشمالية والشرقية (حلب وإدلب والرقة ودير الزور) وجزء من الجنوبية (درعا)، ويضم ثلاثة أرباع سكان سورية، والثاني معتدل ويشمل 15 في المئة من السكان، والثالث منخفض وذلك في المحافظات الساحلية (طرطوس واللاذقية)، وفي الجنوب (السويداء)، ويتناول 10 في المئة فقط من السكان. وأوضحت حمد «ان مشكلة النمو السكاني واضحة المعالم، فالنمو المرتفع هو النمط الغالب في ثلاثة أرباع سورية»، مشيرة إلى أنه نتيجة لهذه المعطيات ومعدل النمو المرتفع، جاء اهتمام الهيئة بإعداد التقرير الثاني عن «النافذة الديموغرافية»، لان أعداداً كبيرة من السكان وصلوا إلى سن العمل والزواج. وتابعت ان الهرم السكاني في الدول ذات النمو المرتفع، تكون قاعدته التي تمثل الأطفال عريضة تضيق قليلاً عند شريحة قوة العمل، أما قمة الهرم الضيقة فهي الفئات الأكبر عمراً. لكن في حالة النافذة الديموغرافية، يتغير الهرم وتضيق قاعدته وتتسع فروعه وتبقى قمته ثابتة نسبياً، ومن ثم تكون لدينا معدلات إعالة أقل، وعوائد تنمية وادخار أفضل، ما يدعم مشاريع التنمية. وحذر التقرير الأول من ان سورية دخلت مرحلة الشح في الموارد الطبيعية. وأكدت حمد «أننا سندخل قريباً في مرحلة الندرة، فلدينا 538 ألف مولود سنوياً، بمعدل أربعة مواليد كل ثلاث دقائق، أو 78 مولوداً كل ساعة، مقارنة ب 34 مولوداً كل ساعة على مستوى العالم. ولفت إلى ان متوسط عمر الإناث يساوي 76 سنة والذكور 72.3 سنة، فيما يبلغ متوسط العمر المتوقع عند الولادة للإناث نحو 76 سنة في مقابل 72.5 للذكور. وأشارت حمد إلى ان مؤشرات التنمية في الصحة والتعليم جيدة نتيجة لمجانية الطبابة والتعليم، وان سورية حققت الأهداف المرحلية للألفية، متوقعة إنجازها في شكلها النهائي مع نهاية الخطة الخمسية الحادية عشرة عام 2015. وقالت: «لدينا اقل المعدلات العالمية في وفيات الأمهات والأطفال». وأوضحت ان إعداد التقرير يتم على مسارات من خلال جمع المعلومات من «السجل المدني» و «المكتب المركزي للإحصاء» وتحليلها، إلى جانب دراسة القوة البشرية مناطقياً وإقليمياً لجهة خصائصها وتمركزها وحجمها الفعلي ومؤهلاتها، والمطلوب من خطط وبرامج لاستثمارها. وتشير الأرقام إلى ان قوة العمل في سورية تبلغ 5.3 مليون شخص، ويدخل في سن العمل فوق ال 15 سنة بين 200 و 250 ألف شخص سنوياً. وتولي سورية منذ مؤتمر المكسيك في سبعينات القرن الماضي، اهتماماً بموضوع السكان، وأصدرت توجيهات بضرورة الموائمة بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي. وقالت حمد: «للأسف لم يُترجم موضوع الموائمة في النمو، إلا بمعنى واحد، وهو ترك النمو السكاني على طبيعته، والعمل على رفع النمو الاقتصادي. لكن هذه المسألة لها سقف». وزادت: «مهما وصلنا إلى رقم نمو اقتصادي، لدينا ما يسمى العتبة العليا، التي يتم قبلها استهلاك كل الأمور المتاحة». ونوّهت بالاهتمام الذي بدأ مع بدايات القرن الحادي والعشرين، وتسارع النمو السكاني، حيث كانت الإشارة الواضحة والصريحة في خطاب الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب في الدور التشريعي الثامن، حين دعا إلى «الاهتمام بالمشكلة الأكثر إلحاحاً، وهي النسبة العالية للسكان في سورية التي تستهلك أي ارتفاع في نسب النمو الاقتصادي». وأضافت حمد ان الهيئة تعمل على مسارات منها متابعة التقارير الدورية وإعداد سياسة وطنية للسكان، تتضمن الرؤية والأهداف والمرتكزات والبرامج والمشاريع والآليات والمهمات لكل جهة من الجهات، ومدة التنفيذ، متوقعة الانتهاء من مشروع السياسة السكانية نهاية السنة، لتُعرض على اللجنة، وفي حال تبنيها يبدأ العمل فيها مباشرة قطاعياً وإقليمياً. وأكدت أنها لن تكون سياسة عامة لكل المناطق، فمثلاً المناطق التي فيها انفتاح نافذة ديموغرافية يجب ان تعطي الأولوية لبرامج التعليم والتشغيل، وفي مناطق النمو السكاني المرتفع، يجب ان تكون الأولوية لتنظيم الأسرة وتعليم النساء وتشغيلهن. وتعمل الهيئة على تعديل التشريعات السارية على رغم عدم تطبيقها عملياً، خصوصاً مع وجود نقص قانوني يمنع تداول وسائل تنظيم الأسرة والترويج لها، إلى جانب استمرار العمل ب «وسام الأسرة» الذي يعطي إعفاءات لكل أسرة مؤلفة من 12 فرداً. وبحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء، بلغ عدد سكان سورية 20.7 مليون شخص، ويرتفع الرقم إلى 23 مليوناً بعد احتساب العراقيين وغير السوريين الآخرين. ويقع ترتيب سورية في المرتبة ال 33 في العالم من حيث النمو السكاني.