شهدنا أياماً عصيبة حافلة بالأحداث المتتابعة منذ الحادي عشر من ايلول سبتمبر المنصرم. ولعل أهم تلك الأحداث ما أسفر عنه مؤتمر بون الذي عقد في أوائل الشهر الجاري من اتفاق تاريخي يبعث الأمل في مستقبل واعد تنعم فيه أفغانستان بالسلام والرخاء. ففي بون اغتنم ممثلون لكافة الفصائل الأفغانية التي تمثل القاعدة الشعبية العريضة لأفغانستان الفرصة لإرساء دعائم مستقبل بلادهم، وهو مستقبل سيتيح لجميع الأفغان حق المشاركة في تقرير مصير بلادهم. وكان بند تكوين قوة دولية مساندة للأمن أكثر بنود اتفاق بون تعقيداً، اذ أن كلا من السلطة الانتقالية والأممالمتحدة أملتا بأن تلعب هذه القوة دوراً رئيسياً في مساعدة الأولى في توطيد سلطتها والثانية في تحقيق مسعاها لحفظ الأمن والاستقرار. و من بين المهمات التي ستُناط بهذه القوة ان تنسق بين كلٍ من السلطة الأفغانية الانتقالية والأممالمتحدة وكذلك إسداء النصح ومعاونة كلا الطرفين في ما يتعلق بالقضايا الأمنية، بالإضافة إلى المساعدة في إنشاء وتدريب جهاز أمن أفغاني جديد. أما زمام المسؤولية الأمنية فسيكون في يد السلطة الأفغانية الانتقالية كلياً. وقد أعلنتُ في مجلس العموم يوم الأربعاء أن وزارة الدفاع كانت قد أبلغت الامين العام للأمم المتحدة استعداد المملكة المتحدة لتولي قيادة هذه القوة لمدة ثلاثة أشهر، وستوفر المملكة المتحدة مقراً للقيادة العامة لتلك القوة وسيتولى قيادتها الجنرال جون ماك كول الذي قاد مهمة تنسيق واستطلاع خلال زيارته لكابول الأسبوع الماضي. وسيتم اختيار الجانب الأكبر من هيئة القيادة العامة للقوة الدولية والأسلحة المختلفة والأفراد من بين كوادر القطاع الثالث للجيش البريطاني 3UK، بالإضافة الى وحدات أخرى من القيادة العامة للواء الجو السادس 16 Air Assault ومن الفرقة 40 صاعقة التابعة للبحرية الملكية والفيلق الثاني الميداني وسلاح المظليين. وتشير خططنا الأولية الى أن قوام القوة البريطانية المشاركة سيكون نحو ألف وخمسمئة جندي. ولكن من الصعب التكهن بالحجم النهائي للقوة ككل لأن ذلك سيعتمد على إسهامات الدول الأخرى وعلى أي من هذه الدول سيشارك في هذه القوة الدولية. ونتوقع أن يراوح العدد الإجمالي بين ثلاثة وخمسة آلاف فرد يمثلون وحدات من القوات المسلحة للعديد من الدول. و قد تم نشر طلائع تلك القوات من الفرقة 40 صاعقة مساء يوم الخميس، وهي اليوم في مواقعها متأهبة لمعاونة الجنرال ماك كول والسلطة الانتقالية في ممارسة مهماتهما. وغني عن القول أن عملية نشر مثل تلك القوات والمعدات وتأمين طرق الإمداد مع دول أخرى إنما هو عمل بالغ التعقيد. ونحن لم ننته بعد من تحديد كل التفاصيل لأنه لا يزال أمامنا بعض الصعاب. كما ان المشاورات لا تزال جارية مع الولاياتالمتحدة والدول الأخرى التي أبدت استعدادها للمشاركة في القوة بالإضافة إلى الأممالمتحدة وقادة السلطة الانتقالية في أفغانستان. إن إنشاء القوة الدولية لمساندة الأمن ISAF يعكس عمق الإصرار الدولي على إعادة إعمار أفغانستان حيث تتجه هذه القوة إلى كابول بتشجيع من الغالبية العظمى للمجتمع الدولي، وفي هذه اللحظة يجري العمل المتواصل في نيويورك لصياغة قرار يصدره مجلس الأمن في غضون الأيام القليلة المقبلة، يخول تسيير تلك القوة لأفغانستان وفقاً لبنود الفصل الخامس من ميثاق الأممالمتحدة. كما أننا بصدد الاتفاق مع السلطات الأفغانية على تحديد المهمات التي ستضطلع بها القوة وتفاصيل نشرها. وفي هذا المقام يجب التوضيح والتأكيد على أمر واحد بعينه، ألا وهو أن المجتمع الدولي قد وافق على نشر هذه القوة لمساعدة الأفغان وليس بغرض التدخل في شؤونهم. وحقيقة الأمر أن المسؤولين في السلطة الأفغانية الانتقالية، بمن فيهم الرئيس ووزيرا الدفاع والخارجية، قد أبدوا جميعاً ترحيبهم بعزمنا على قيادة "القوة الدولية لمساندة الأمن" ISAF في أفغانستان. وكان فريق التنسيق والاستطلاع البريطاني برئاسة الجنرال ماك كول قد اجتمع مع الأعضاء المرشحين لتولي السلطة الانتقالية، وناقش الطرفان فعاليات التعاون وأسلوب العمل إلى جانب السلطة الأفغانية التي يواصل الجنرال ماك كول المحادثات اللازمة معها في الوقت الراهن. وسيتم إدراج طبيعة المهمات المُناطة بالقوة في صورة اتفاق عسكري مفصل. وبمجرد إبرام هذا الاتفاق وصدور قرار مجلس الأمن ذي الصلة ستتمكن قيادة القوة الدولية من نشر باقي القوات. إن سرعة نشر العناصر الرئيسية للقوة الدولية سيتوقف على إبرام هذا الاتفاق العسكري وعلى مدى تشابك المهمة نفسها. ولذلك نتوقع أنه لن يكون من الممكن نشر القسم الأكبر من القوات إلا بعد مرور بضعة أسابيع. لقد حققنا الكثير خلال الأسابيع القليلة المنقضية فشهدنا هزيمة "طالبان" وتَقوُّض الجانب الأكبر من شبكة تنظيم "القاعدة" داخل أفغانستان. وعلى رغم أنه لا يزال أمامنا الكثير من العمل إلا أن الحرب ضد الإرهاب داخل أفغانستان تكاد تكون قد حُسمت. واليوم يتحتم علينا أن نفعل ما بوسعنا ليحلّ السلام في ربوع أفغانستان. إن المملكة المتحدة تضطلع بهذا الدور الرئيس بين دول العالم لتساعد أفغانستان في مسيرة إعادة البناء والتعمير، ونشر القوة الدولية سيكون خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق تلك الغاية. * وزير الدفاع البريطاني.