انقسم الشارع الفلسطيني ازاء خطاب الرئيس ياسر عرفات بين مؤيد ومعارض ولا مبال. وفي حين أيد كثيرون ما جاء في الخطاب بشكل تلقائي ومن دون أي نقاش، رفضه آخرون جملة وتفصيلاً. كذلك ابدى البعض تأييداً لبعض ما جاء فيه وعارض بعضه الاخر، فيما ابدت فئة من المواطنين عدم اكتراث بالخطاب ولم تنتظر سماعه بل انصرفت إلى ممارسة طقوس العيد، أو متابعة مسلسل "عائلة الحاج متولي" الذي يستولي على اهتمام الفلسطينيين. وقال محمد، وهو سائق سيارة أجرة 43 عاما يعيل 10 افراد وحرم من الخروج بسيارته خارج قطاع غزة منذ اندلاع الانتفاضة، إنه يوافق على ما جاء في خطاب عرفات، معتبرا ان الانتفاضة شكل من أشكال "النضال السلبي" الذي يجر الخسائر تلو الخسائر على الشعب الفلسطيني. ورفض عبد الهادي 41 عاماً وهو جامعي من مدينة رفح كان يعمل حتى اندلاع الانتفاضة داخل اسرائيل، ما جاء في الخطاب معتبراً أنه ملهاة للشعب الفلسطيني. ودعا الى استمرار العمل العسكري ضد الاحتلال والمستوطنين، معرباً عن قناعته بأن السبيل الوحيد لحسم الصراع مع الاحتلال هو "العنف الثوري". أما عصام 37 عاماً فاسترسل في تحليل مضمون الخطاب والواقع الأليم والمأساة التي يعيشها الفلسطينيون منذ سنين، معرباً عن رفضه تنفيذ عمليات ضد المدنيين في المدن الإسرائيلية. وشدد على أن العمليات ضد جيش الاحتلال والمستوطنين بحاجة إلى نقاش وجدل وحوار فلسطيني داخلي يخلص إلى الوجهة الصحيحة التي يجب على الفلسطينيين أن يسلكوها في سبيل تحقيق حقوقهم. وأعربت سهيلة عن تأييدها لمضمون الخطاب، معللة ذلك بأنها تريد أن تزور أهلها والديها في منطقة المواصي غرب مدينة رفح، التي تحاصرها قوات الاحتلال منذ اندلاع الانتفاضة وتمنع أي مواطن غير القاطنين فيها من الدخول إليها. أما سماهر 25 عاماً وهي ام لثلاثة اطفال، فلم تكترث بخطاب الرئيس ومضمونه، ولم تسمع ما جاء فيه. وقالت إنها لم تجلس أمام شاشة التلفاز لسماع خطاب الرئيس على رغم علمها المسبق بموعد إلقائه. وعلى رغم أنه من شبه المستحيل معرفة ان كانت غالبية الفلسطينيين تؤيد الخطاب أو تعارضه، خصوصاً في ظل غياب استطلاعات حقيقية للرأي العام، فإن الخطاب بث الامل مجددا في نفوس الفلسطينيين الذين سقط من بينهم أكثر من 700 شهيد، وأكثر من 20 ألف جريح، فيما هدمت قوات الاحتلال مئات المنازل وتضررت آلاف أخرى، وجرفت لهم عشرات آلاف الدونمات الزراعية. وعلى صعيد مواقف الفصائل الفلسطينية، اصدرت كتائب "الشهيد أبو علي مصطفى"، الذراع العسكرية ل"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بياناً أمس أعلنت فيه رفضها وقف العمليات الفدائية ضد الاحتلال، ودعت إلى استمرار المقاومة المسلحة والعمليات العسكرية ضد الاحتلال وقطعان المستوطنين. وشددت على أنها ستستمر "في المقاومة والعمليات ضد الاحتلال طالما بقي جاثماً على أرضنا"، داعية السلطة إلى "الالتحام مع شعبها وجماهيرها لتتوحد الجهود والتمسك بسياسة المقاومة ... ووقف ملاحقة المناضلين واطلاق المعتقلين على خلفية مقاومة الاحتلال". من جانبها أ ف ب، رفضت "حركة المقاومة الاسلامية" حماس في بيان ما ورد في الخطاب من دعوة الى "وقف المقاومة والجهاد حتى وإن واصل العدو الصهيوني عدوانه المتمثل بسفك الدم الفلسطيني عبر الاغتيالات والمذابح"، مشيرة الى ان ذلك "يفتح الباب على مصراعيه أمام السفاح شارون ليواصل حملة الإبادة للشعب الفلسطيني، بحماية فلسطينية". وقالت إن "إعطاء الاحتلال حق ممارسة العدوان على شعبنا الفلسطيني ومنع شعبنا الفلسطيني من الدفاع عن نفسه معادلة ظالمة لا يمكن القبول بها". وتابعت ان "اعتبار العمليات الاستشهادية البطولية التي أحدثت حالة من توازن الردع والتي تمثل السلاح الوحيد الذي يحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه عمليات إرهابية، يحقق لشارون شرعية كان هو بأمس الحاجة إليها لشن حرب مسعورة ضد شعبنا الفلسطيني المجاهد، ويشكل ضربة قوية لمشروعية نضال شعبنا الفلسطيني عبر عقود من الزمن، وتشكل تراجعا جديدا وخطيرا أمام الابتزاز الصهيوني للسلطة الفلسطينية". وحذرت الحركة من "ان الإصرار على مواصلة ملاحقة الفصائل الفلسطينية المجاهدة يهدد وبوضوح وحدة الصف الفلسطيني، ويحقق للصهاينة ما أعلنوا عنه مرارا وتكرارا أن هدفهم إشعال نار حرب أهلية في الشارع الفلسطيني". وانتقدت بشدة اغلاق السلطة مؤسسات تخصها، وقالت إن ذلك "يساهم ومن دون شك في تركيع الشعب الفلسطيني وإخضاعه لقبول الإملاءات الصهيونية المذلة". واعتبرت ان "التعلق بالوعود الأميركية الكاذبة وبناء المواقف المصيرية استنادا إليها يشكلان تهديداً خطيراً لمصير قضيتنا الفلسطينية"، في اشارة الى تصريحات اميركية مؤيدة لإقامة دولة فلسطينية.