أكاديمية يلو تفتح أبوابها نحو طريقك لمستقبلك    نائب وزير البلديات والإسكان يفتتح النسخة ال 34 من معرض البناء السعودي    السعودية ومولدوفا توقعان اتفاقية لتعزيز التنسيق الثنائي    موعد مباراة النصر والعين..والقنوات الناقلة    تحديد موقف رونالدو من مواجهة العين    37 ميدالية للتايكوندو السعودي    لليوم الثاني على التوالي.. «انسجام عالمي» تفجر فرحة شعبية سعودية - يمنية    رئيس الوزراء المصري والأمير فيصل بن عياف يتفقدان الجناح السعودي في المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر    أمير تبوك يستقبل القنصل البنجلاديشي لدى المملكة    جازان: القبض على 7 مخالفين لنظام الحدود لتهريبهم 108 كيلوغرامات من القات    الميزانية السعودية تُسجل 309 مليارات ريال إيرادات في الربع الثالث    أمير القصيم يوجّه بتأسيس مركزا علميا شاملاً لأبحاث الإبل    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    22732 قرارا إداريا بحق مخالفين للأنظمة    الأمين العام للتحالف الإسلامي يستقبل وزير الدفاع العراقي    قائد القوات المشتركة يستقبل الشيخ السديس    ترمب: أنا متقدم بفارق كبير.. والخسارة واردة    «الأونروا»: كارثة في غزة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام فرع وزارة التجارة بمناسبة تعيينه    إثراء يعلن عن 3 مشاريع فائزة بتحدي تنوين الكبير لإثراء تجربة الحاج    تجمع القصيم الصحي يختتم حملة التوعية بسرطان الثدي بأكثر من مليون مستفيد    موعد مباراة الهلال والإتحاد في ربع نهائي كأس الملك        بمبادرة من السعودية.. انطلاق الأسبوع العربي في اليونسكو بباريس    رئيس مجلس الشورى يستقبل السفير الصيني لدى المملكة    أمير الشرقية يرأس الأجتماع الثامن لهيئة تطوير المنطقة    " سعود الطبية " تُجري أولى عمليات التردد الحراري لتسكين آلام الركبة    استمرار التوقعات بهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    حضور لافت للتعرف على الثقافة اليمنية في حديقة السويدي    أسعار النفط ترتفع بأكثر من دولار    لمن سيصوت عرب أميركا؟!بعد ان غيرت غزة مواقفهم    انطلاق مؤتمر استدامة الطرق    بدء تسجيل 87,318 قطعة عقارية في الدمام والخبر    الغربان لاتنسى الإساءة وتنقلها إلى أقاربها    «واتساب» يتيح خاصية البحث داخل القنوات    انتهاكات حقوق المستهلكين في قطاع التوصيل    دعم المواهب الفنية    خالد سعود الزيد.. عاش حياته متدثراً بالكتب والمخطوطات والتأريخ    أنتِ جميلة    فهد بن سلطان يتابع اختبارات طلاب تبوك    مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    مسؤول عسكري يمني ل«عكاظ»: عضو مجلس القيادة طارق صالح بخير.. وإصابته طفيفة    هواتف ذكية تكشف سرطان الحلق    5 أسباب متوقعة لألم الرقبة    أحدثهم القملاس.. مشاهير أنهى مرض السكري حياتهم    لا تحرق معدتك .. كل أولاً ثم اشرب قهوتك    الكبار يتعلمون من الصغار    ما يحدث في الأنصار عبث بتاريخه !    بشرى الأمير عبدالعزيز بالسعودية النووية    في دوري يلو .. الصفا يتغلب على الباطن بثلاثية    القلعة تغرق في «ديربي البحر»    لمسة وفاء.. اللواء الدكتور عويد بن مهدي العنزي    مشائخ القبائل و درء سلبيات التعصب    مليونا اتصال للطوارئ الموحد    أمير منطقة تبوك يراس اجتماع لجنة الدفاع المدني الرئيسية بالمنطقة    المملكة تشارك في المنتدى الحضري العالمي    اكتشاف فريد من نوعه لقرية أثرية من العصر البرونزي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام في جنوب الفيليبين : من السلطان قدارات إلى ابي سياف . فشل الاسبان والأميركيون خلال نصف قرن في إخضاع شعب المورو المسلم 1 من 2
نشر في الحياة يوم 18 - 12 - 2001

} أفرزت الحرب الاميركية على الارهاب تداعيات تعدت ساحة المعارك الجارية في أفغانستان الى مناطق أخرى في العالم، خصوصاً بعد إعلان الرئيس جورج بوش ان هذه المعركة في إطار حملة عالمية لمكافحة الارهاب في كل مكان. وفي هذا الاطار سلطت الأضواء على دول ومنظمات بعينها، من الصومال واليمن والعراق الى الفيليبين. وخلال لقاء مع رئيسة الفيليبين غلوريا ارويو الشهر الماضي قال بوش: "الآن حان وقت مواجهة الانشطة الارهابية سواء في أفغانستان أو الفيليبين".
"الحياة" تستعرض في هذا التحقيق جانباً من تاريخ الاسلام في جنوب الفيليبين التي تسمى "أرض المورو"، وأهم المحطات في الصراع هناك.
تقع أرض المورو، التي تتشكل من جزيرة منداناو وارخبيل سولو وباسيلان وتاوي تاوي وبالاوان، في جنوب الفيليبين على مساحة تقدر ب96438 كيلومتراً مربعاً، أي حوالى 33 في المئة من مساحة الفيليبين. وتضم حالياً 23 مقاطعة من أصل 73.
والمورو هم المسلمون والسكان الأصليون لأرض المورو. ومع انهم كانوا يشكلون غالبية سكان المنطقة أصبحوا أقلية بسبب الاستعمار الذي تعرضوا له، إضافة الى توافد مسيحيين من لوخان وفيساياس استوطنوا في منداناو وسولو. وتتضارب نسبة أعداد المسلمين في المنطقة، ففي حين أشار احصاء للحكومة الفيليبينية في 1980 الى ان عدد المورو لا يتجاور 2.5 مليون نسمة من سكان منداناو الذين بلغ عددهم حوالى 11 مليوناً، قدرت مصادر المورو في 1982 عدد المسلمين بأكثر من 5 ملايين نسمة، فيما تقدر "الجبهة الاسلامية لتحرير مورو" العدد بين 7 و10 ملايين مسلم في منداناو.
وينقسم المورو إلى 13 مجموعة اثنية - لغوية مثل مارانو، ماغوينداناو، توسوغ، سامال، ياكان، سانجيل، بادخاو، خاما مابون، ايرانون، بالاوانون، كالاغان ومولبوغ. ويقيم هؤلاء بشكل رئيسي في غرب منداناو وجنوبها، وارخبيل سولو وسواحل بالاوان. ويشكل المسلمون غالبية السكان في خمس مقاطعات فقط من أصل 23 هي سولو، تاوي تاوي، لاناو، ماغوينداناو وباسيلان.
وتشير بعض الدراسات الى ان المورو من أكثر المجموعات تقدماً وتنظيماً في كل الفيليبين، وكانت لديهم حكوماتهم الخاصة منذ مئات السنين، مثل سلطنة السولو التي انشئت عام 1450 وسلطنة ماغوينداناو التي أنشأها السلطان قدارات بعد ضم بايان اليها. وتمتع المورو في ظل هاتين السلطنتين بالسيادة والاستقلال التامين.
الإسلام في المورو
يعود ظهور الاسلام في ارض المورو الى عام 1280 بعد وصول أول داعية إسلامي يدعى توان مشايخة الى إحدى جزر ارخبيل سولو حيث تزوج هناك مشكلاً نواة أول مجتمع إسلامي في المنطقة. ووصل في منتصف القرن الرابع عشر داعية إسلامي آخر يدعى كريم المخدوم. ومع وصول الداعية راجا باغويندا في بداية القرن الخامس عشر أدخل العنصر السياسي في عملية أسلمة المنطقة، حيث أنشأ صهره وخليفته ابو بكر سلطنة السولو.
وظهر الاسلام في جزيرة منداناو عام 1450 مع وصول الداعية شريف عوليا. وفي 1515 وصل الداعية شريف كابونغسوان، وهو من أصول عربية، وينسب اليه إنشاء سلطنة ماغوينداناو. وانتشر الاسلام في الجزيرة بشكل أساسي عن طريق الزواج وعقد تحالفات مع العائلات الحاكمة المجاورة.
وفي منتصف القرن السادس عشر أخذت أرض المورو تصبح جزءاً من العالم الاسلامي الأوسع في جنوب شرقي آسيا، حيث عقدت سلطنتا السولو وماغوينداناو علاقات سياسية وتجارية مع الولايات الاسلامية المجاورة.
فترة الاستعمار الاسباني
بدأ الاستعمار الاسباني للفيليبين مع وصول البحار فرديناند ماجلان عام 1521 الى جزيرة ليماساوا الفيليبينية، لكنه قتل على يد أحد رجال المورو. وفي 1565 وصل بحار اسباني آخر يدى فيلالوبوس الى جزيرة فيساياس وأسس أول مستعمرة اسبانية بعدما هزم أهلها وأجبرهم على اعتناق الكاثوليكية، وأطلق على هؤلاء اسم "انديو" الذي أصبح في ما بعد "فيليبينوس".
واستخدم الاسبان المعتنقين الجدد للكاثوليكية من أهل البلاد في حروبهم، وتوجهوا الى جنوب الفيليبين، الى أرض المورو في محاولة لاخضاعها. واستمرت المعارك التي عرفت ب"حروب المورو" 333 سنة دافع خلالها المورو باستماتة عن أرضهم. ومع ان الاسبان و"حلفاءهم" الجدد فشلوا في اخضاع المورو، إلا ان المسلمين تعرضوا لمذابح جماعية ودمرت مزارعهم وسفنهم، فتعطلت زراعتهم وتجارتهم البحرية وصيد السمك. ومع اضطرار المورو الى الدفاع عن أنفسهم تراجع الاسلام في تلك المنطقة وانحسر بالتالي الى ارخبيل السولو وغرب منداناو.
وولدت عقود من الحروب بين المسيحيين والمورو توتراً دائماً وصراعاً مستمراً بين الطرفين لا تزال آثاره ماثلة إلى الآن. وبقي الأمر على هذه الحال حتى وصول الأميركيين عام 1898.
الاستعمار الأميركي
أدت هزيمة الاسبان في الحرب الأميركية - الاسبانية في 1898 الى سيطرة الولايات المتحدة على الفيليبين بموجب اتفاق باريس الموقع في العام نفسه. ونص الاتفاق على ان تسلم اسبانيا سلطاتها في كل الجزر الفيليبينية، بما في ذلك أرض المورو، الى الولايات المتحدة علماً ان اسبانيا لم تنجح في ضم أرض المورو الى مستعمرتها الجديدة.
وأظهر الأميركيون حنكة أكثر من الاسبان في تعاطيهم مع المورو. فبينما كانوا يسعون للقضاء على ثورة في القسم الشمالي من الفيليبين وقع الجنرال الأميركي جون بايتس في آب آاغسطس 1899 معاهدة مع سلطان خولو جمال الكريم الثاني عرفت ب"اتفاق بايتس" تنص على عدم تدخل الأميركيين في شؤون المورو.
وبعد نجاح الأميركيين في القضاء على "ثورة الشمال" أعلنوا انتهاء العمل ب"اتفاق بايتس" وفرضوا حكماً عسكرياً مباشراً على المورو وأوقفوا العمل بالشريعة الاسلامية في محاولة لدمجهم في المجتمع الفيليبيني. وقاوم المورو بضراوة وتعرضوا لمجازر خصوصاً عام 1903 حيث قتلت القوات الأميركية بقيادة الجنرال ليونارد وود حوالى 600 ثائر مسلم في جزيرة سولو. واستمر الحكم العسكري المباشر من 1914، حين استطاعت القوات الاميركية إخضاع الحركات الاسلامية الرئيسية، الى عام 1920.
وبعد استتباب الأمر للأميركيين عمدوا الى نقل الحكم العسكري الى ادارة مدنية. وفي مسعى لتحويل عبء دمج المورو المسلمين في المجتمع الفيليبيني سلم الأميركيون سلطاتهم تدريجاً الى الفيليبينيين المسيحيين، وقدموا عام 1936 خطة تقضي بتشكيل "حكومة كومنولث" جامعة لفترة انتقالية من عشر سنوات، واجراء انتخابات شارك فيها بعض قادة المورو. وشهدت هذه الفترة عموماً هدوءاً نسبياً.
وعلى رغم عدم قدرة المورو على شن كفاح مسلح ضد الفيليبينيين في هذه الفترة بسبب الدعم العسكري الأميركي المباشر، لم تتوقف المقاومة خصوصاً في مناطق لاناو، حيث نشطت بعض الجيوب المقاومة، واستمروا في رفضهم الحكومة التي أدارها الفيليبينيون في مناطقهم، ولم يوافقوا على الدستور الذي عرض للاستفتاء الشعبي علماً انه أقر في أرض المورو بأصوات المستوطنين المسيحيين الذين توافدوا الى منداناو وخولو من لوجان وفيساياس، بدعم من الحكومة الفيليبينية. ومما زاد من عدم الاستقرار إصدار رئيس "حكومة الكومنولث" مانويل كويزون قوانين وتشريعات ضد عقائد المسلمين ومصالحهم. واستمرت الأمور على هذه الحال حتى تاريخ استقلال الجمهورية الفيليبينية عام 1946.
الكولونيالية الفيليبينية الجديدة
على رغم معارضة شعب المورو الشديدة سياسات "حكومة الكومنولث" المحلية تم ضم أراضيهم الى جمهورية الفيليبين التي أعلنت في الرابع من تموز يوليو 1946. وحاولت الحكومة الجديدة التوصل الى حل للمشكلة عن طريق دمج السكان في الحياة العامة، خصوصا عن طريق التعليم وبرامج التنمية الاقتصادية.
وأصدر الكونغرس في 1957 القانون رقم 1888، الذي نص على تخصيص منح تعليمية للمورو في المدارس والجامعات الفيليبينية لنشر المفاهيم العلمانية وتعزيز الاتجاه نحو الاندماج في المجتمع الفيليبيني. ومع ان هذا المشروع أحرز قدراً من النجاح، فإن كثيرين من المستفيدين منه استمروا في التمسك بهويتهم الاسلامية، معتبرين ان الهوية الفيليبينية تقتصر على الأقوام التي خضعت للاستعمار الاسباني واعتنقت المسيحية.
ونتيجة تمسك المورو بالهوية الاسلامية أخذوا يعتبرون أنفسهم في شكل متزايد جزءاً من العالم الاسلامي، خصوصاً مع النهضة الدينية التي شهدها ذلك العالم بعد الحرب الثانية، وأيضا مع تصاعد الحركة الاسلامية في جنوب جزر الفيليبين. وأدى ذلك، مترافقاً مع اصرار الحكومة الفيليبينية على برامج دمج المسلمين المورو في المجتمع الفيليبيني ورفضهم المتزايد، الى تفاقم الصراع مع السلطة المركزية، وصولاً الى مراحل التحول الحاسمة فيه المتمثلة ب"مجزرة جابيدا" في 1968، ثم "أزمة منداناو" في السبعينات.
بعد الحرب العالمية الثانية
من بين أهم سمات النهضة الدينية التي شهدها العالم الاسلامي بعد الحرب العالمية الثانية التركيز على الاسلام ليس كمنظومة من المعتقدات والشعائر لدى الفرد بل كنظام سياسي اجتماعي متكامل يقوم على القيم الروحية للاسلام. وانعكست هذه الشمولية في رفض الحركات الاسلامية للطائفية وسعيها الى توحيد كل الفئات في مجتمع اسلامي يقبل الحداثة من دون التنازل عن هويته الدينية ورفض التقليد الأعمى للغرب.
وتلقى هذا التوجه دعماً كبيراً في بلاد المورو نتيجة توافد اعداد كبيرة من العلماء والمدرسين وحتى السياح من الدول الاسلامية والعربية، ما ساهم الى حد كبير في اصلاح المفاهيم المحلية الضيقة عن الاسلام وتحويلها الى حركة للتحرر والتقدم. وتزامن ذلك مع استفادة آلاف الشباب المورو من منح دراسية في معاهد إسلامية في انحاء العالم العربي والاسلامي، من بينهم أكثر من مئة درسوا في الأزهر خلال الخمسينات والستينات. وعاد هؤلاء ليمارسوا التعليم في المدارس الدينية، واصبح كثير منهم المعبر عن طموحات شعبه في التنمية والتقدم. من بين هؤلاء هاشم سلامات وزملاؤه من خريجي الأزهر الذين قادوا "الجبهة الاسلامية لتحرير المورو" في منداناو وسولو.
وأنشئ في هذه الفترة الكثير من المساجد والمدارس الدينية والجمعيات الاسلامية، مما قوى من الشعور القومي والتضامن لدى شعب المورو، وأخذوا ينظرون الى حكومة مانيلا باعتبارها "حكومة أجنبية"، وانتشرت على نطاق واسع الدعوة الى إقامة حكومة إسلامية في بلاد المورو حلاً وحيداً لمشكلاتهم.
وأبدى المسلمون المورو في هذه الفترة اهتماماً واضحاً بالدفاع عن عقيدتهم الدينية، في حين لم يعيروا اهتماماً يذكر للأهداف الوطنية للفيليبين على رغم جهود مانيلا لتعزيز الشعور ب"المواطنة" لديهم.
الاضطهاد الفيليبيني
وفي وجه نهوض المشاعر القومية لدى شعب المورو وتزايد تمسكه بهويته الدينية واصلت حكومة الفيليبين العمل في مشاريع الاخضاع والدمج. فخلال ولاية الرئيس ماغاسيسي 1953 - 1957 أرسلت الحكومة آلاف المجرمين الذين تم العفو عنهم والمقاتلين الشيوعيين السابقين الى أراضي المورو ومنحتهم مساحات شاسعة من الأراضي هناك، وأنشأت "مستعمرات" مسيحية وسط أراضي المسلمين. كما منحت اعداداً كبيرة من المستوطنين المسيحيين صكوكاً بملكية أراضي المزارعين المسلمين، أدت لاحقاً الى طرد المزارعين. وضمنت الحكومة من خلال هذه الاستراتيجية سيطرة المستوطنين على مناطق كبيرة من مدن منداناو وأريافها، خصوصاً انها دعمت المستوطنين وزودتهم بالوسائل اللازمة لحماية أنفسهم.
وساهم هذا الضغط المتزايد على شعب المورو في اطلاق الحركة الجهادية الأولى على نطاق محدود، خلال الخمسينات من القرن الماضي. وأعلن الكوماندر كاملون مع مئة من اتباعه الحرب على حكومة مانيلا، واستمرت الحركة سنوات قبل ان تتمكن الحكومة من اقناعه بالقاء السلاح. واتخذ الصراع بعد ذلك بعداً برلمانياً على يد الداتو أومبرا أميلبانغسا، عضو الكونغرس عن جزيرة سولو الذي قدم في 1961 مشروع قانون لاستقلال سولو. وعلى رغم فشل هذا التحرك إلا انه سلط الضوء على مدى رفض شعب المورو سلطة مانيلا.
وشهدت ولاية الرئيس فيرديناند ماركوس الطويلة 1965 - 1985 استمرار المواجهة وتصاعدها، مع تشكيل منظمات للمطالبة باستقلال أراضي المورو. وبلغت تلك المرحلة ذروتها اثر "أزمة منداناو" في السبعينات، التي جاءت نتيجة تطورات ثلاثة خطيرة: مجزرة جابيدا، وبروز حركة "إيلاغا"، واعلان حال الطوارىء في 1972.
مجزرة جابيدا
يمكن القول ان مجزرة جابيدا، التي وقعت أواخر آذار مارس 1968 وقتل فيها ما بين 28 الى 64 من المجندين المسلمين على أيدي ضباطهم الفيليبينيين، كانت نقطة التحول الأخطر في مسيرة شعب المورو وتطلعاته نحو الاستقلال.
كان هؤلاء المجندون ضمن مجموعة عسكرية اخذت الى جزيرة كوريغيدور على مقربة من خليج مانيلا للتدرب على أعمال التخريب وحرب الادغال. وساد الاقتناع وقتها ان التدريب كان جزءاً من عملية سرّية باسم "مرديكا" الاستقلال هدفها احتلال مقاطعة صباح الماليزية. وتأكد ذلك عندما أوضح خيبين أرولا، وهو الناجي الوحيد من المجزرة، أن الضباط اعدموا المجندين بعدما رفضوا أمر التحرك لاحتلال صباح.
وأججت الاعدامات غضب كل فئات شعب المورو. وبعد شهرين على المجزرة أعلن الداتو أودتوغ ماتالام، حاكم كوتوباتور، تأسيس "حركة استقلال مورو" المطالبة بإقامة جمهورية منداناو الاسلامية. وشنت الحركة كفاحاً مسلحاً على الجيش الفيليبيني وحركة "إيلاغا" المسيحية المتطرفة، التي شكلها سياسيون مسيحيون في كوتابوتو وأوبي في منداناو الوسطى لحماية مصالحهم.
حركة إيلاغا والمجازر
فاقم انشاء هذه الحركة من تدهور العلاقات، المتوترة أصلاً، بين المسلمين والمسيحيين في أراضي المورو، بعدما مارست نشاطها الارهابي في المناطق المسلمة. وكان من بين أبشع أعمالها "مجزرة مانيلي" التي ارتكبتها مجموعة من عناصرها في مسجد في البلدة التي تحمل الاسم نفسه في 19 حزيران يونيو 1971 وقتلت فيها 70 من النساء والرجال والأطفال. واعتبر كثيرون المجزرة برهاناً على ان الصراع بين شعب المورو وحكومة مانيلا ديني في جوهره.
تلت ذلك مجزرة في مسجد في واو في مقاطعة لاناو في 4 تموز يوليو من السنة نفسها وقتل فيها العشرات من المسلمين وأدت الى تشريد المئات منهم. وأشعلت هذه الحوادث الصراع في منطقة واو، حيث رد المسلمون على الحوادث التي تعرضوا لها، ما أسفر عن تعرض المسيحيين الى هجمات واحراق عدد من منازلهم. وبلغت حصيلة هذه الحوادث في نهاية 1971 حوالى 800 قتيل، اضافة الى تشريد حوالىل مئة ألف من السكان حسب تقارير حكومية.
وبحلول 1972 توسع الصراع بين الطرفين، وبدأت عصابات "إيلاغا" نشاطها في زامبوانغا ديل سور وبالاباغان وغيرها من المناطق التي يسكنها خليط من المسلمين والمسيحيين. وفي المقابل، شكل المسلمون ميليشيا "باراكودا" للدفاع عن أنفسهم، ونشطت خصوصاً في زامبوانغا.
استمرت المناوشات في كل أنحاء بلاد المورو بين الجيش الفيليبيني وعصابات "إيلاغا" من جهة، والجناح العسكري ل "حركة استقلال مورو" وميليشيا "باراكودا" من جهة ثانية.
الأحكام العرفية
مع تصاعد الصراع أعلنت حكومة الرئيس ماركوس الأحكام العرفية في 21 أيلول سبتمبر 1972 في جنوب الفيليبين، مؤكدة عزمها على نزع سلاح السكان. الا ان شعب المورو، الذي كان فقد ثقته تماماً بالحكومة، رد على ذلك بتصعيد القتال. وكانت العملية الأهم الهجوم الذي نفذه المئات من مقاتلي المورو على جامعة ولاية منداناو في مدينة ماراوي حيث احتلت مباني الجامعة، ولم تتمكن قوات الأمن من استعادتها الا بعد مواجهات دموية استمرت أياماً.
وشهدت الفترة التالية على اعلان الاحكام العرفية محاولات جدية للمسلمين المورو لتنظيم أنفسهم، فتشكلت في هذه الفترة تنظيمات أبرزها "الجبهة الوطنية لتحرير مورو" بزعامة نور ميسواري و"الجبهة الاسلامية لتحرير مورو" بزعامة هاشم سلامات.
معتدلون ومتشددون
استوعب الاسلام في الفيليبين بعض الموروث من العادات، تماماً كما فعلت الكاثوليكية. اذ حافظ المورو على بعض عادات ما قبل اعتناقهم الاسلام، كتقديم قرابين الى الأرواح "ديواتا" الشريرة منها أو الطيبة، لاعتقادهم انها يمكن ان تمارس تأثيراً على صحة الانسان وعائلته ومحاصيله.
ويلتزم المورو بالتعاليم الأساسية للاسلام، لكن ممارسة شعائره تختلف من مجموعة الى أخرى.
ومع الانبعاث العالمي للاسلام بعد الحرب العالمية الثانية، ازداد شعور المسلمين في الفيليبين قوة بوحدتهم كمجموعة دينية. ومنذ مطلع السبعينات من القرن الماضي بدأ كثير من العلماء المسلمين بزيارة الفيليبين لشرح تعاليم الاسلام في ما أخذت أعداد متزايدة من المسلمين الفيليبنيين في السفر الى الخارج للحج أو للدراسة في المعاهد الاسلامية، وعادوا متمسكين أكثر بالاسلام ومصممين على تعزيز روابط مواطنيهم المورو مع العالم الاسلامي. ونتيجة لذلك بنى المسلمون الكثير من المساجد الجديدة والمدارس الدينية لتعليم الاسلام، كما انشئ عدد من المعاهد الاسلامية للتعليم العالي كجامعة الفيليبين الاسلامية في ماراوي، توفر مناهج متقدمة من الدراسات الاسلامية.
وبرزت منذ الستينات انقسامات بين أجيال المورو خصوصاً بين الشباب والشيوخ. واعتبر الكثير من الشباب، غير الراضين عن الشيوخ، ان "الداتو" و"السلطان" غير ضروريين في المجتمعات الاسلامية الحديثة. وانقسم هؤلاء الاصلاحيون الشباب الى معتدلين، يعملون من داخل النظام القائم لتحقيق أهدافهم السياسية، ومتشددين انخرطوا في حرب عصابات. إلا ان الاصلاحيين، المعتدلين والمتشددين على حد سواء، استمروا موحدين في تمسكهم القوي بالدين الاسلامي. وشكلت هذه الوحدة أهمية بالغة للمورو الذين كانوا يشعرون دائماً بالتهديد في أرضهم وهويتهم الاسلامية، بدءاً بالاستعمار الاسباني ثم الاميركي فالاستيطان المسيحي المدعوم من الحكومات الفيليبينية المتعاقبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.