لا أريد الخروج من البيت لكنني اضجر إن بقيت فيه...! وليس الحل في ارتشاف فنجان قهوة او تدخين سيكارة. ضجرت من الوحدة ولا أظن أني مستعد لأجلس مع أحد، أشعر بالملل فعلاً! كل شخص منا عاش الأجواء السابقة في حياته، بنسبة او بأخرى، وكان سببها الرئيس هو الملل، ذلك الشعور القاتل الذي يزورنا تكراراً وأحياناً يستوطن في داخلنا من دون ان نشعر، على رغم كل متطلبات الحياة وهمومها ومشاغلها، وهذا ما أكده الكثير ممن عانوا الملل او زارهم طويلاً، فكان ضيفاً ثقيلاً للغاية. عن الملل وأسبابه أجرت "الحياة" استطلاعاً. تقول مجد ضويحي 21 عاماً، طالبة اقتصاد: "الملل؟ بصراحة ما إن سمعت السؤال حتى شعرت بالملل، لأني أمرّ به او يمرّ بي - لست ادري - لفترات طويلة، على رغم ارتباطي بالدوام الجامعي والتزامي الدراسة، فضلاً عن مشاغل الدنيا ومشكلاتها بتّ أشعر في الآونة الأخيرة بأن الكثير من الناس يمرّون بالحال ذاتها من دون ان يملكوا حلاً معيناً او يهتدوا الى اسلوب يتخلصون به من هذا الشعور المقيت. فإن قلت ان الدراسة تلهيني عن الشعور بالملل فإني كثيراً ما مللت الدراسة ذاتها، كما وجدت ايضاً ان كثرة الجلوس في المنزل تسبب الملل وفي الوقت نفسه كثرة الخروج منه تشعرني بعدم الاستقرار لذا تودي الى ذلك الشعور، وبالتالي فإن الحل الأمثل الذي لمسته لتفادي، او بالأحرى، لتقليل الشعور بالضجر هو التجديد وعدم التزام روتين حياتي معين، لأن النظام الرتيب في كل شيء سيجعل الملل يقتحم الأبواب ويدخل من غير استئذان، وحينها لن يجد الشخص نفسه إلا في حال ضجر صعبة لا يعرف متى تنتهي او لا يتذكر متى ابتدأت في الأصل. وتقول سهى المطلق 30 عاماً، مدرّسة: "مما لا شك فيه ان كل واحد منّا مرّ بفترات تطول وتقصر من الضجر والملل، ولكنني اعتقد ان من عدم الحكمة ان نستسلم لتلك الحال ونطلق لها العنان لتوترنا كيفما شاءت وتربك أجواءنا على هواها. فمن المشاعر التي أمقتها شخصياً هو إحساسي بالملل، لأني كثيراً ما احتار ماذا افعل؟! ولا يخطر لي اي تصرف اشغل به نفسي لأتخلص من اجواء الاحباط التي يقحمني بها شعوري بالملل ما يزيد الأمر صعوبة، ولكنني سرعان ما اتخلص منه من طريق نزهة طارئة - ان صح التعبير - او القيام بأعمالي المنزلية التي أملّها احياناً، او احاول التجديد في ديكور المنزل، لأنه لا بد لنا من التجديد او على الأقل التبديل في ترتيب قطع الأثاث نفسها كي نشعر بالتغيير ونبتعد من الروتين قدر المستطاع. فعلى كثرة ما أملّ من رتابة اغراض البيت وزوايا المنزل أحس ان جدران البيت ستملّني يوماً". ويعتبر مؤيد عبدالسلام 22 عاماً، طالب حقوق انه: "لا بد لكل شخص من ان يمر بأوقات من الملل، ولكن من الخطأ ان يدع هذا الشعور يسيطر عليه، فأنا كما غيري أملّ احياناً ولكنها احيان قليلة، لأني مولع جداً بالقراءة فلا اجد لديّ متسعاً للملل، فوقتي مملوء ومشغول دائماً، وعندما اشعر بالملل من كتاب معيّن يتبدد ذاك الشعور عندما استبدل به كتاباً آخر. والشخص الذي يملّ كثيراً هو برأيي شخص لا يدري كيف يستغل دقائق وقته بطريقة ذكية، ويجهل كيف يبرمج حياته بالطريقة التي يستغلها في كل ساعة ووقت". وتعتقد هلا الصادق 27 عاماً، خرّيجة علم اجتماع بأنه: "امر طبيعي ان يملّ الانسان ويضجر ما بين الفينة والفينة وليس فيه ما يقلق، ولكن ان يستمر الملل لفترات طويلة فهذا ما يدعو الى القلق فعلاً لأن ذلك يؤدي بالضرورة الى فترات طويلة من التوتر، فأنا عندما اقول اني أملّ لا ادري ماذا افعل، او بالأحرى، لست قادرة على فعل شيء او التركيز على اي عمل، فإن هذا يشعرني بانعدام فاعليتي ولو لفترة معينة، وإذا استمر لأيام وأسابيع فعندها سأشعر بعدم ضرورة وجودي اصلاً لأن وجودي وعدمه سيكونان واحداً، وهنا تكمن النقطة الخطرة التي تنتج من الملل الذي يستمر طويلاً ويبقى الشخص المبتلى فيه وكأنه في دائرة مغلقة لا يدري كيف ينتشل نفسه منها. ولكن عليه، وبشتى الوسائل، ان يقدر على ذلك ولو بمساعدة الآخرين، فإن للآخرين هنا دوراً فاعلاً في إعادة الشعور للفرد سواء عبر إشعاره بضرورة وجوده او بانتشاله من فجوة الملل التي تخللت حياته وولّدت عنه كل هذه المشاعر من الاحباط والحزن احياناً، وأعود وأكرر ان هذه الحال التي اتحدث عنها هي التي تستمر طويلاً وليست التي تعترض حياتنا في شكل دوري وهي التي تولّد لدينا كل هذه المشاعر التي تؤثر سلباً في نفس الإنسان". ويقول أحمد طالب 25 عاماً، خريج معهد انكليزي: "كثيراً ما مللت الملل...! وأظن ان هذا السؤال وضع الإصبع على الجرح - كما يقولون - فعلى رغم ما هو معروف عن شباب اليوم من الخروج الدائم والنزهات المتكررة، او حتى الأجواء الشبابية التي كثيراً ما أملّها هي بالذات ... كل ذلك لم يستطع ان يمنع الملل من الوصول إليّ والمكوث في داخلي لفترات طويلة وهذا ما يزعجني، حتى اني كثيراً ما يوجّه إليّ سؤال من معارفي وأقاربي "لماذا أنت مكتئب؟"، فأجيبهم: ابداً، انما مصاب بحال ملل. وما يؤكد هذه النظرة عند الناس هو تفضيلي الوحدة على اللقاءات الاجتماعية حينما اكون ضجراً بشدة، وذلك لتفادي الحساسية في التعامل مع الكثير من الأشخاص الذين يعتقدون أني أفتعل عدم الاكتراث بهم وأقصده لأن طبعي أساساً عكس ذلك، لكن ليتهم يعلمون ان السبب الرئيس الذي يختبئ وراء الكواليس لكل حالات الإحباط والانعزال التي تعتريني هو الملل". ان الملل الذي يتخلل حياتنا لمرات متعددة، ويباغت اوقاتنا لفترات طويلة احياناً، ما هو إلا حال مرضيّة نحسّ بها ثم لا تلبث اعراض المرض ان تنتقل الى الجسد، وحينما يضيق الجسد باحتمالها تلوذ بالروح التي تحبط جرّاء الضغط النفسي الثقيل الذي ينتج من الملل. لذا، من الأسلم ان نتفادى تلك الحال المرضيّة التي يسبّبها الملل.