بينما ترتكب اسرائيل جرائم ابادة بحق الشعب الفلسطيني، أبدى الرئيس الأميركي جورج بوش الاربعاء بعد محادثاته مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير صلفاً ينم عن عدم وجود أية حساسية لديه إزاء الجرائم الاسرائيلية التي ترتكب بتشجيع من بلاده. وبعد أن حضه بلير على ضرورة اتخاذ "مبادرة محدودة" في موضوع الصراع العربي - الاسرائيلي، خصوصاً في شقه الجوهري، أي الفلسطيني - الاسرائيلي في سبيل المحافظة على تأييد الدول العربية والاسلامية "المعتدلة" للحرب على "طالبان" و"القاعدة" و"الارهاب" حسب التعريف الغربي له قال بوش: "سننتصر في الحرب، سواء مع وجود سلام أو عدم وجود سلام" في الشرق الأوسط. لقد بلغت الجرائم الاسرائيلية ضد الفلسطينيين في بشاعتها، منذ زمن طويل، حداً يجعلها تندرج حتماً تحت تصنيف جرائم الإبادة حسب تعريف مواثيق دولية عدة من بينها ميثاق روما الخاص بالعدالة الدولية. اذ يعتبر هذا الميثاق ان جعل الحياة مستحيلة بالنسبة الى المدنيين المستهدفين، وحرمان الناس من ضرورات العيش الأساسية من ضمن الأمور التي تشكل جرائم إبادة. والواقع ان اسرائيل تحاصر المدن والقرى الفلسطينية، وتحرم العمال من فرص العمل وتدمر المصانع الصغيرة القليلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتقطع الأشجار المثمرة، وتدمر المزارع والبنى التحتية والمساكن ومقار قوات الأمن، وترتكب عمليات اغتيال وقتل خارج نطاق القانون، وتمضي قدماً في توسيع المستوطنات اليهودية غير القانونية وتواصل اجراءاتها لتهويد القدس. إزاء ذلك كله لا نرى من الولاياتالمتحدة، وهي الحليف الاستراتيجي لاسرائيل، قاعدتها الكبرى في منطقتنا العربية، أي اجراء لوقف حرب الإبادة تلك باستثناء بضع كلمات من بوش عن دولة فلسطينية اضطر الى قولها بسبب الحرب في افغانستان، ومن المرجح أن يكون قد ندم عليها. في غضون ذلك يجري الحديث عن خطط كثيرة للوصول الى تسوية. هناك "خطة" رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون التي قال هو نفسه عنها انها لن تأتي على ذكر المستوطنات و"لن أقدمها في أي وقت قريب". ان شارون لا يعلن أي خطة يمكن أن يقبلها الفلسطينيون، وكان تحدث في الماضي القريب عن تسوية تعيد اسرائيل وفقاً لها الى الفلسطينيين 40 في المئة فقط من الضفة الغربية، وتبقي جيشها المحتل في غور الأردن وتبقي المستوطنات في الضفة وقطاع غزة! في هذه الأثناء ينفذ شارون، مثل أسلافه العماليين والليكوديين، الخطة الوحيدة التي تتبناها الحركة الصهيونية تجاه الفلسطينيين: فرض المستوطنات كأمر واقع وقضم أراضيهم وجعل حياتهم مستحيلة حتى يغادروا. وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز لديه هو الآخر خطة لا يبدو انه سيستطيع اقناع شارون بها. انه يقترح اخلاء مستوطنات غزة واعلان دولة فلسطينية تبدأ من هناك. هكذا يقول هذا المضلل الذي صار ورقة توت تحاول عبثاً التستر على جرائم رئيس وزرائه. الأوروبيون، كما قال وزير التخطيط والتعاون الدولي الفلسطيني نبيل شعث، لديهم خطة لدولة فلسطينية رفضتها اسرائيل. الأميركيون لا خطة لديهم باستثناء الاتجاه نحو قبول التحريض الاسرائيلي على منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها بقصد تصنيف تلك الفصائل "ارهابية" واحدة تلو أخرى، بعدما صنفت الفصائل غير المنضوية تحت مظلة المنظمة مثل "حماس" و"الجهاد الاسلامي" وغيرها في تلك الخانة. وقد "حذر" باول الرئيس ياسر عرفات من مغبة تحول السلطة الفلسطينية و"فتح" نحو "الارهاب"، بعدما أدلى السفير الأميركي في تل أبيب دان كيرتزر وقبله مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد بتصريحات مشابهة. وأمس أعرب الناطق باسم شارون عن ارتياح اسرائيل لقول بوش ان الحرب على "طالبان" و"القاعدة" ستستمر سواء كان هناك سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين أم لا. والتفسير الاسرائيلي لكلام بوش هو "نحن نحارب الارهاب الفلسطيني". ترى هل يتمهل العرب، خصوصاً الفلسطينيون، ليفهموا حقيقة المواقف الأميركية والأوروبية والاسرائيلية، أم سيشترونها عن سذاجة بثمن سيكون باهظاً جداً؟