إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش ان الحرب على أفغانستان ستنجح سواء حققت الجهود المبذولة من اجل السلام في الشرق الأوسط نتائج أم لا، هو النسخة الملطفة للموقف الأميركي الأصلي الذي لم يدخل في حسابه، في أي يوم، قبل 11 أيلول سبتمبر وبعده ان يسعى الى حل فعلي قريب للقضية الفلسطينية. ومع ان بعض القادة العرب، والمحللين، خدعتهم التصريحات الأميركية الأولى عن ضرورة قيام الدولة الفلسطينية، وأخذوا يؤمّلون النفس بأن تسير الجهود الدولية في شكل متواز مع الحرب الأميركية الغربية ضد الارهاب وأفغانستان، فإن الأمر لم يطل حتى برهنت واشنطن العكس، إلا ان الكثيرين لم يكونوا في حاجة الى تصريح بوش الأخير كي يقتنعوا بأن الادارة الأميركية ليست في وارد الالتفات الى غير أفغانستان. بل ان استمرار الحرب يكشف انه ما بدا وعوداً للعرب وقادة الدول الاسلامية بألا تشترك اسرائيل في الحرب بدأت تناقضها أنباء التنسيق الاسرائيلي الأميركي في هذه الحرب، سواء في شأن المنشآت النووية الباكستانية، أو في الدول الأخرى المحيطة بأفغانستان. ويجب ألا يفاجأ العرب لاحقاً بظهور دور اسرائيلي هنا أو هناك، في هذه الحرب الطويلة التي تخوضها الولاياتالمتحدة. مرة أخرى، لا تأبه واشنطن للنكوث بوعودها أو إيحاءاتها، حتى لبعض قادة الدول الأوروبية، بأنها ستأخذ مصالح العرب الذين تضامنوا معها بعد 11 أيلول، في الاعتبار. فالقول بأولوية حربها في أفغانستان، على أي شيء آخر، يجعل من سياستها تجاه الشرق الأوسط متقلبة من دون أي شعور بالأخطاء. كيف لا اذا كانت خطتها حتى في أفغانستان، وفي الحرب ضد الارهاب باتت تخضع للتعديلات اليومية، الى درجة ان الدولة العظمى تغير من أهدافها العسكرية السياسية كل يوم، وهي لا تزال تتلمس الطريق لاسقاط نظام "طالبان"، وتفتش ب"سجادة القصف" الكثيف، عن غريمها، لعلّ القنابل المتساقطة تعثر عليه، فتحصد المدنيين قبل المقاتلين؟ قد لا ينفع القول ان السياسة الأميركية مرتبكة، لأنها مهما أخطأت فإن منطق الأقوى هو الذي يطغى، لكن هذا لا يلغي التخبط في سياستها وغياب الانسجام في تحرك ديبلوماسيتها وفي سياستها الخارجية. وهي تارة تؤكد ان حربها ليست ضد المسلمين والعرب، وأخرى تمعن في ملاحقتهم على أرضها بسن شتى أنواع القوانين الجديدة لهذا الغرض وتصر على مواصلة قصف أفغانستان في شهر رمضان، وتتهم ضمناً، الدول الاسلامية حتى الحليفة بأنها حضنت الارهاب وهي سبب نموه... وهي تارة توحي بأن "حزب الله" مقاومة، وأخرى تراه ارهابياً، ثم تصنفه "مقاومة ارهابية". وهي تارة تلمح الى خلافها مع رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون، وأخرى تجد في الانتفاضة الفلسطينية ارهاباً منظماً، وتطمئن الى ان الأولوية لحربها على أفغانستان، ثم لا تستبعد ان تشمل العراق... وهي تتبرم من التطرف الاسرائيلي وتسكت عن منحى جديد في الحرب على الفلسطينيين، يؤسس لها رفع الحصانة عن النائب العربي الذي يمثل فلسطينيي 1948، عزمي بشارة، مع ما يتعرض له زملاؤه الآخرون من النواب العرب في الكنيست، من مضايقات وضغوط... كلام الرئيس بوش بالفصل بين الحرب على أفغانستان وبين نجاح الجهود من اجل حل في الشرق الأوسط هو رفض مبطن لسياسة واضحة مثل عين الشمس: المقايضة بين الحرب على الارهاب والحل في الشرق الأوسط مرفوضة. وبعبارة اخرى، يقول الرئيس الأميركي للقادة العرب: اذا كنتم تشترطون حل القضية الفلسطينية من اجل ان تشاركوا في تغطية الحرب في أفغانستان، فان هذه الحرب مستمرة بكم ومن دونكم وعليكم تأييدها ودعمها في كل الاحوال، وفي كل الاحوال ستدفعون الثمن في فلسطين ولبنان والعراق... وغيرها. اذا كان البعض يعتبر ذلك احتقاراً للمشاعر العربية، فان الادارة الاميركية تعتبر انه نتيجة منطقية لانعدام الوزن العربي دولياً...