واضح ان الادارة الأميركية ليست مستعدة للاستماع الى أي مطلب أو رأي، او موقف من الدول العربية، لا يتعلق بالتعاون معها في حربها في أفغانستان، ضد "طالبان" وتنظيم "القاعدة" وأسامة بن لادن. أما حديث قادة بعض الدول العربية، المتعاونة مع واشنطن في مكافحة الارهاب، عن وضع الأفعال محل الأقوال، حول الوعود بالدولة الفلسطينية، والدعوة الى مراجعة فعلية للسياسة الأميركية في المنطقة والعالم، فهو "إلهاء"، لا تقبل الانجرار اليه. كما ان "رفع الصوت" اعتراضاً على احتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية، وقتل المزيد من الفلسطينيين، وتنفيذ ارييل شارون وبنيامين بن اليعيزر مزيداً من المجازر، في حق الفلسطينيين للمناسبة يمكن وصف العملية الأخيرة لحزب الله في مزارع شبعا بأنها في خانة رفع الصوت ضد هذه المجازر، كلها أمور تعتقد واشنطن ان توقيتها ليس مناسباً. كذلك احتجاج بعض القادة العرب على استهداف القصف الأميركي المدنيين في أفغانستان. فأي من هذه المواقف يواجهه بعض الدوائر الأميركية، ولو كان من الكونغرس، إما بحملة على مصر والسعودية بادعاء انهما لا تقومان بما عليهما في مواجهة الارهاب، وإما ان تواجهه الادارة بتنبيه لبنان الى ان الآلة العسكرية الاسرائيلية قد تنطلق ضده اذا لم يضبط "حزب الله". وهي تبقي إسم الحزب وبعض رموزه على لائحة الارهاب أداة ضغط على الموقفين اللبناني والسوري، لاستخدامها عندما يحين وقتها. كل ما يريده الاميركيون هو ان يركن العرب الى وعد الرئيس جورج بوش بالدولة الفلسطينية، وينتظروا انتهاء حرب أفغانستان التي قد تمتد سنة، هذا اذا لم تتسبب هذه الحرب في غرق التحالف الغربي في الرمال والجبال الأفغانية مدة أطول، تؤدي الى تمديد الوعد بالحل وهو أمر غير واقعي. يخشى المتتبعون للأداء الاميركي ان تكون الحرب على الارهاب، من دون مشروع سياسي فعلي. فإذا كانت الخطة الاميركية المفترضة تقوم على ضبط الضربات العسكرية في أفغانستان على إيقاع التقدم في ايجاد صيغة سياسية جديدة للحكم في كابول، تلقي القبض على بن لادن وقادة "القاعدة" وتسلمهم، في حال تعذر على الطائرات الأميركية اصطيادهم فإن اقامة هذه الصيغة تتعثر، نظراً الى تشابك المصالح الاقليمية وتناقضها حول أفغانستان... كأن ادارة بوش ما زالت تعيش حال الصدمة التي أوجبت عليها فجأة إثر 11 أيلول سبتمبر الاهتمام بالسياسة الخارجية، بعد انكفاء عنها... وهو ما يفسر الارباك. اذ لا يعقل ان يقتصر الهدف على قتل بن لادن او اعتقاله، بل هذا ما يفسر اقتصار تدخلات واشنطن في فلسطين على "تأجيل" الصدام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، أو "تجميد" المواجهة القائمة بينهم، من دون ان يترافق ذلك مع أي حل سياسي. اذا صح افتراض أن الولاياتالمتحدة تقود العالم، في حرب بلا مشروع سياسي، فإن وضعاً بائساً سينجم عن هذه الحرب، لن يفضي الى القضاء على الارهاب. فمن دون التسويات والصفقات السياسية الحقيقية، وأهمها في فلسطين، ستبقى بؤر الارهاب. وثمة ملاحظتان ازاء هذا الوضع: الأولى ان الدول العربية مطالبة بتشديد ضغطها من اجل تسوية القضية الفلسطينية، لا أن ترضخ للضغوط الأميركية عليها، كي تسكت عن هذه المطالبة. والملاحظة الثانية ان تسريع الصفقة بين الحكومة البريطانية وثوار ارلندا الشمالية، والتعجيل في تسليم جيش التحرير الارلندي سلاحه، نموذج يشير الى ان التسويات الجذرية الاتفاق كان قائماً لكن التوقيت لم يكن محدداً ممكنة في ظروف كالتي يجتازها العالم، وليس صحيحاً ان الوقت ليس ملائماً لصفقات حول أزمات اخرى.