سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بلغت حد ابلاغ الحريري والعريضي وغيرهما العتب على تصريحات لا تتفق مع سياسة الادارة . حوارات ساخنة بين باتل وشخصيات لبنانية واشنطن "متصلبة في تطلبها" والأولوية لأفغانستان
} خلال زيارته الى بيروت قبل أقل من اسبوعين، أبلغ رئيس معهد الشرق الأوسط، ادوارد ووكر، المساعد السابق لوزير الخارجية الاميركية الذي سعى الى استطلاع أوضاع المنطقة ومحاولة فهم ما يفكر به العرب واطلاعهم على ما تفكر به واشنطن، بعض محاوريه ان عليهم ان يكونوا صبورين، في مطالبتهم بضغط اميركي على اسرائيل من أجل حل للقضية الفلسطينية. وقال ووكر، لبعض هؤلاء المحاورين ازاء انتقاداتهم لسياسة بلاده المنحازة الى اسرائيل، على أنها أحد اسباب العداء لها: "عليكم ألا تصروا على الحل الآن لأنه لن يأتي بهذه السرعة. فتأييدكم الحملة على الارهاب يجب ألا يكون مشروط بالحل في فلسطين عليكم أن تعتبروا أن موقفكم ضد الارهاب هو توظيف للمستقبل، يساعد لاحقاً في ايجاد الحل". وان كان ووكر الذي أمضى في بيروت 72 ساعة أنهى السجالات التي خاضها على هذا الشكل، فان مناخ جلسات الحوار التي تجري بين بعض كبار المسؤولين، والسياسيين وغير السياسيين في لبنان، وبين السفير الاميركي في بيروت فنسنت باتل، والديبلوماسيين الاميركيين، لا يلبث أن يتحول الى سجالات ساخنة، ومتوترة، بسبب مفهوم الارهاب، والموقف الاميركي من "حزب الله" ودوره كمقاومة، وانحياز واشنطن الى اسرائيل، والاصرار العربي على الادارة الأميركية ان تغير من سياستها "وتتعظ من تنامي الارهاب، فتمارس ضغطها على اسرائيل من أجل حل للقضية الفلسطينية في مقابل حربها على الارهاب". يخرج محاورو السفير الاميركي في بيروت، فنسنت باتل، والديبلوماسيين الاميركيين الآخرين، بانطباع ان الادارة الاميركية "حازمة ومتطلبة ومتصلبة وغير مستعدة للمسايرة" في موقفها من الحرب التي تخوضها ضد الارهاب، في شكل يجعل من مهمة ديبلوماسيتها في العالم العربي والاسلامي صعبة جداً الى حد الاحراج مع النخبة التي يتعاطون معها. فغالباً ما تشهد لقاءات هؤلاء الديبلوماسيين، مع بعض كبار المسؤولين، والسياسيين من الصف الثاني، ومع شخصيات اجتماعية معظمها من اصدقاء السفارة الاميركية في لبنان، حوارات ساخنة، وتتخللها مظاهر متفاوتة من التوتر في السجال حول مسألة الارهاب، والصراع العربي - الاسرائيلي والموقف من اسرائيل، الى درجة تخرج أحياناً عن المألوف. وينتهي بعض هذه اللقاءات الى الاتفاق على "مواصلة الحوار"، بعد أن تكون شهدت نقاشاً طويلاً متشعباً، مملوءاً بالحجج والاستشهادات، التي لا تنتهي. وحين أدلى رئيس الحكومة رفيق الحريري قبل زهاء عشرة أيام بتصريح نبّه فيه الى أن مواصلة اميركا والتحالف الدولي الحرب في أفغانستان، الى ما لا نهاية، ومن دون السعي الى حل للقضية الفلسطينية، فإن الدول العربية المؤيدة للحرب على الارهاب لن تستطيع أن تستمر في دعمها، طلب السفير باتل لقاءه وعاتبه على هذه التصريحات مستغرباً كيف يدلي بها. وكان رد الحريري: "كيف تريدون من كل العالم أن يسعى معكم الى تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1373 حول مكافحة الارهاب، وألا نطالب نحن بتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بانسحاب اسرائيل التي تمتنع عن الامتثال لها منذ عقود؟". وأكد الحريري أن لدى القادة العرب رأياً عاماً عربياً واسلامياً "يفترض احترامه من جانب واشنطن أيضاً. ولا يجوز أن تتصرف على أنها تضمن جميع الدول معها. ألا يحق لنا كدولة أن نسأل، كيف تطلق يد رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون في فلسطين ليرتكب المجازر والاغتيالات؟ كان الجيش الاسرائيلي لم ينسحب بعد من بيت ريما والبلدات الفلسطينية التي دخلها بعد اغتيال وزير السياحة رحبعام زئيفي. ان الاسرائيليين يخرقون يومياً السيادة اللبنانية من دون أي رادع. ان استمرار تجاهلكم الرأي العام يهدد استمرار بعض الدول في التحالف الدولي ضد "طالبان" و"القاعدة". وحين رد باتل بأن بعض المواقف التي تشكك بامكان استمرار المشاركة في مكافحة الارهاب يستفيد منها الارهابيون وجماعة بن لادن، وسط الرأي العام، أكد الحريري أن واشنطن تدرك الجهود التي تبذلها حكومات عربية عدة، ومنها الحكومة اللبنانية في ضبط الشارع وابقائه تحت السيطرة والحؤول دون تمادي بعض المواقف في التضامن مع أفغانستان، على رغم استهداف القصف الاميركي المدنيين فيها والذي نرفضه، لا يمكننا السكوت على ما يقوم به شارون فهذا ارهاب أيضاً... لا نستطيع التفرج على ذلك. ولم يكن أمام باتل من حجج سوى التذكير بأن ادارته تسعى جهدها لضبط تصرف شارون وأنها تعترض، علناً، على سياسته، وأن صبر الكثيرين في الادارة يكاد ينفد من التصلب الاسرائيلي... وشملت تلك الجلسة وقبلها دفاعاً من الحريري عن "حزب الله" ازاء استمرار الادارة الاميركية في اعتباره ارهابياً. ولم يكن لدى الجانب الاميركي أجوبة حاسمة في هذا الشأن. وسبق ذلك حوار ساخن آخر بين باتل ووزير الاعلام اللبناني غازي العريضي قبل اسبوعين فقد عاتب باتل العريضي على تصريحاته يوم بدأت الحملة العسكرية الاميركية ضد أفغانستان في 7 تشرين الأول اكتوبر الماضي وبادره بالسؤال، في أول لقاء بينهما: "هل أن موقفك من بدء الحملة على أفغانستان يمثل رأي الحكومة اللبنانية؟". فأجابه الأخير: "وهل قال لك أي من كبار المسؤولين أنه لا يمثل رأي الحكومة؟". ورد باتل: "لا. لكني فوجئت بهذا الموقف". قبل ايام ابلغ باتل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ان تصريحاته عن دور "سي.اي.ايه" في صنع بن لادن "غير مقبولة". كان العريضي أدلى بتصريحات، في اليوم نفسه لبدء الحرب، اعتبر فيها أن الولاياتالمتحدة وضعت العالم الاسلامي والعربي أمام الأمر الواقع ما قد يسبب ردود فعل غاضبة تصعب السيطرة عليها وانتقد السياسة الاميركية حيال الارهاب داعياً الى تعريف موحد له تحت مظلة الأممالمتحدة. "لا نستطيع ولا نريد" وتوتر باتل مستغرباً، كيف أن العريضي قال له، ان ادارته لم تتعظ من أخطائها السابقة، وليست مستعدة لمراجعة مواقفها التي تسببت بنمو الارهاب. ويصاب الديبلوماسيون الاميركيون بالحرج والتوتر حين يذكرهم محدثوهم بأن واشنطن أسهمت في دعم اسامة بن لادن و"طالبان" في الحرب على السوفيات. وهي واقعة لم يملك رئيس معهد الشرق الأوسط، ادوارد ووكر، المساعد السابق لوزير الخارجية الاميركية الذي زار بيروت آخر الشهر الماضي، في الاجابة عنها سوى القول: "كانت سياسة دعم بن لادن و"طالبان" في حينها صائبة، لكن الخطأ الذي ارتكبناه هو ادارة ظهرنا لأفغانستان بعد انسحاب السوفيات". وبدا الحوار الذي خاضه باتل مع الحريري والعريضي نموذجاً متكرراً، مع شخصيات غير سياسية. وأثار العريضي العناوين الآتية: مضت سنوات والعرب يطالبون بتطبيق القرارات الدولية وانتم تمتنعون، ولم تمض ايام على صدور قرار الارهاب عن مجلس الأمن الرقم 1373 وتريدون تطبيقه فوراً، أليس هذا تناقضاً؟ وأنتم الآن تقومون بحرب تحشدون لها قوات من على بعد آلاف الكيلومترات لمواجهة الارهاب وتعيبون على الفلسطينيين قيامهم بمواجهة الارهاب الاسرائيلي لكن على أرضهم بل تمنعون الشعب الفلسطيني من أن يرد على الارهاب الاسرائيلي، انتفض السفير باتل وقال: "نحن لا نؤيد العنف الاسرائيلي". فرد العريضي: "الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني أبديا تفهماً لقيام اسرائيل بالرد على العمليات الفلسطينية باغتيال الكوادر. كيف تتفهمون شارون وتريدون منع الفلسطينيين من حماية أنفسهم؟". وقال باتل: "نحن نعاني مع الاسرائيليين، والعرب يريدوننا أن نفرض الحل السياسي الآن. نحن لا نستطيع فرض الحل السياسي ولا نريد ذلك. ماذا تريدوننا أن نفعل اذا كان الشعب الاسرائيلي هو الذي انتخب شارون؟ يجب أن يتوقف العنف من أجل العودة الى المفاوضات، وحين قال له العريضي: اذا توقف العنف فما هو دوركم؟ ألستم دولة تقود العالم يجب عليها الضغط على اسرائيل لوقف العنف عبر الحل السياسي؟ كرر باتل القول مرات عدة: "لا نستطيع ذلك ولا نريد القيام بذلك يقصد أن ادارته لا تريد الانغماس بالحلول اذا لم يقبل عليها الافرقاء وأن الأولوية لديها هي أفغانستان". وأوضح باتل ان الرأي العام العربي والاسلامي لا يفهم عمق ما حصل بعد 11 أيلول سبتمبر وبالتالي عليكم أن تفهمونا فأردف العريضي: "الرأي العام العربي والاسلامي لا يمكن أن يقتنع بمبرراتكم حيال اسرائيل. ووزير خارجيتكم كولن باول قال انكم أهملتم الصوت الاسلامي والعربي، انكم تتصرفون على أساس الشيء ونقيضه...". نتفهم ان تقوم دولتكم بالانتقام لما تعرضت له وهذا استنكرناه لكنكم تقولون ان شارون انتخبه الشعب الاسرائيلي فيما أنتم دعمتم انتخاب رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك. اذا كانت قيادتكم عاجزة أمام اسرائيل فكيف يمكن اقناع العرب بذلك؟ وردد باتل ان بوش أكد وقوفه الى جانب دولة فلسطينية. وحين استشهد العريضي باصرار دول عربية عدة على معالجة الارهاب بالحل السياسي وبحل القضية الفلسطينية مثل السعودية ومصر، كحليفتين للولايات المتحدة، قال: باتل "ان القيادة المصرية تقول هذا الكلام مراعاة للاسلاميين في مصر". وانتقد العريضي طرح واشنطن لقضية "حزب الله" مؤكداً انه مقاومة "وليس ارهاباً وأنتم تعاقبون لبنان منذ سنوات فلا تعطونه المساعدات لبناه التحتية، وتواصلون اشكال الحظر عليه فيما "حزب الله" كان يؤمن المياه والخدمات للناس في المناطق التي هو فيها". واحتدم السجال عندما قال العريضي: "لما كنتم تدعمون الارهاب في سورية، كانت دمشق تقاتله وطرح الرئيس الراحل حافظ الأسد مؤتمراً دولياً لتحديد مفهوم الارهاب ولم تستجيبوا. عندما تدعمون الارهاب تدفِّعوننا الثمن وعندما تقررون محاربته تدفِّعوننا الثمن. ألم تدعموا بن لادن سابقاً، ألم تتغاضوا عن تهريب المخدرات من أفغانستان؟"... فهب باتل عن مقعده قائلاً: "أنتم تقسون علينا بهذه الآراء والمواقف...". سؤال يسأل يسعى السفير باتل الى ابقاء خيط الحوار قائماً مع الذين يقارعونه بالحجة هذه الأيام، فيبدي ارتياحه أمام بعض المسؤولين لتعاون السلطة اللبنانية في شأن المعلومات حول الارهاب، لخفض حدة بعض الجلسات التي يعقدها. إلا أن سخونة الحوارات لا تقتصر على لقائه الرسميين، بل تتعداها الى ديبلوماسيين، ورجال أعمال... وأصدقاء مقربين اليه من الذين كانت توطدت علاقته بهم في أواسط التسعينات حين كان قائماً بالأعمال في السفارة في بيروت. في إحدى المناسبات الاجتماعية التي دار فيها السجال على أفغانستان قال له أحد الديبلوماسيين: "بدأتم الحرب ضد الارهاب لكن ليس معروفاً أين ستنتهي. لم تحددوا مفهوم الارهاب. فاستغرب باتل: كيف ذلك؟ مفهوم الارهاب محدد بالنسبة الينا، وهو علني وواضح. فأي عمل عنف يستهدف المدنيين هو عمل إرهابي". فرد محدثه: بناء عليه ألا تعتقد أن استهدافكم المدنيين في هيروشيما وناكازاكي، عمل إرهابي؟ فصمت باتل ثم قال: "يمكنك طرح السؤال"... وتابع محاور باتل، مستخدماً المنطق والقيم الاميركية: "ألم يكن قصف اسرائيل بيروت العام 1982 بحجة إذية المدنيين، كي يضغطوا على المقاومة الفلسطينية من أجل أن تخرج من لبنان، إرهاباً؟". أليس قتل الاسرائيليين بالطوافات، للقيادات الفلسطينية إرهاباً؟ وأجاب باتل: "هم يقولون الاسرائيليون ان الذين يستهدفونهم سبق أن قاموا بأعمال ارهابية". فسأله الديبلوماسي: "هل حاكموهم قبل أن يقتلوهم؟". ثم أردف السفير الأميركي: "بعض الاميركيين يعتبر ما يقوم به الاسرائيليون ارهاباً". ثم جاءه السؤال الذي لم يجب عليه: "ماذا عن موقف الادارة؟". وفي عشاء جمع باتل مع بعض الأصدقاء، من السياسيين، وبعضهم من النواب، ومن غير السياسيين أمطره الحاضرون، بالأسئلة المحرجة، والانتقادات لسياسة الادارة وخصوصاً استهدافها "حزب الله" ودعمها اسرائيل. ولم يسايروه لصداقته على رغم صداقتهم معه. فقال: "انتم تميزون بين المقاومة والارهاب، لكن هناك من يعتقد أن المقاومة هدف والارهاب وسيلة، وأن المقاومة قد تستخدم وسيلة الارهاب، تحقيقاً لهدفها وهذا حصل"... ولم يملك باتل إلا أن يرد على مَنْ حَشَرَه من الحضور بوقائع الانحياز الأميركي لاسرائيل إلا القول: "أنتم العرب لم تنجحوا في العقود الماضية في التأثير الايجابي لمصلحتكم على الرأي العام الاميركي كما فعل الاسرائيليون. وهذا خطأ منكم...". وهي عبارة رددها في بعض حواراته الأخرى... لا تقتصر سخونة الحوارات، في بيروت على تلك التي تجري مع السفير باتل، بل هي تشمل غيره أيضاً حتى من الديبلوماسيين الغربيين الآخرين، لتعبر عما أعلنه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عندما تحدث في ختام جولته على دول المنطقة الاسبوع الماضي عن هوة من سوء التفاهم بين العرب والغرب. الغضب الغربي ويقول أحد الديبلوماسيين الغربيين، أن القادة العرب والرأي العام العربي، لم يدركا بعد مدى الغضب الشديد في الغرب ازاء ما حصل في 11 أيلول. نحن لا نفهم كيف أن بعض أوساط الرأي العام يؤيد بن لادن، أو ان بعض الناس لا يعترفون بأنه هو من قام بالاعتداءات على نيويوركوواشنطن ويتهمون اسرائيل بها. هذا غير عقلاني. إن ما حصل عميق جداً لجهة المشاعر. والناس في الغرب لا يريدون سماع أي شيء غير الحرب على أفغانستان واستئصال الارهاب. والمزاج العام ليس بوارد اعطاء الأولوية لحل للقضية الفلسطينية الآن. واذا لم يجلس الفلسطينيون والاسرائيليون سوياً لايجاد الحل فلا أحد قادراً على ذلك. وعليه لا نرى حلاً قريباً للصراع العربي - الاسرائيلي اذا لم يحصل ذلك. ولا نعتقد، ان في أولويات الادارة الاميركية أن تضغط لإحداث تغيير في الداخل الاسرائيلي. ومطالبتنا بذلك الآن في مقابل تأييد الحرب على أفغانستان، ليس قابلاً للتنفيذ فلا الولاياتالمتحدة ستتخلى عن تحالفها مع اسرائيل، وتدخل الغرب الى هذا الحد لن يكون مجدياً، في القريب العاجل حتى لو حصل. واذا كان المقصود ما يتعدى الموقف الغربي المعارض لتوسيع المستوطنات الاسرائيلية، أو رفض السياسة المتصلبة لشارون فهذا ما حصل. أما محاصرة اسرائيل فلن تعني ان قدراتها العسكرية ستتضاءل. فهي قادرة على كفاية نفسها بانتاجها العسكري في مواجهة العرب. هل ان الغرب يتدخل الى الحد الذي تطلبون، في اندونيسيا ضد السياسة المتبعة هناك تجاه بعض الأقلية المسيحية أو في الفيليبين ضد السياسة المتبعة تجاه الأقلية المسلمة، أو في الشرق الأوسط ضد الأنظمة العربية وسياساتها في بعض المجالات ومع الدول المجاورة لها وضد الأقليات أو القوى المظلومة...