يستأثر الإنتاج التلفزيوني السوري بحيز واسع من أوقات البث على الشاشات العربية من المحيط الى الخليج، فضائياً وأرضياً، وبات يشكل منافساً فعلياً للإنتاج المصري الذي ظل لفترة طويلة سيد الشاشات بلا منازع. وإذا كانت المسلسلات السورية استطاعت ان تقدم للمشاهد العربي تنوعاً غنياً في الشكل والمضمون فإنها تخطو الآن خطوة اضافية في تقديم وجوه عربية في اكثر من بلد في العمل الواحد. وبات وجود الممثلين اللبنانيين في الأعمال السورية من ثوابت الإتاج الجديد. ولا يقتصر وجود الممثلين اللبنانيين في هذه المسلسلات على محاولة إضافة "نكهة" جديدة عبر استخدام اللهجة اللبنانية بشكل خاص، كما كانت الحال في الأفلام المصرية في الستينات والسبعينات، بل يتعدى ذلك الى مشاركة هؤلاء في أدوار رئيسة طبعت حضور الممثلين في ذاكرة الجمهور العربي، فحققوا خطوات ناجحة في مسيرة طموحهم الطويلة التي يعطلها في غالبية الأحيان الوضع البائس للإنتاج اللبناني الذي يعاني صعوبات عدة. لكن ذلك لا يعني ان الحاجة هي التي تدفع الممثلين الى الاشتراك في ادوار سورية، بل هو حب التعرف واكتساب خبرة اضافية وبشريحة جديدة من الجمهور. يشيد الممثلون والقيّمون على هذه المسلسلات بالدور اللبناني والتعاون في تأدية رسالة فنية اجتماعية مشتركة هي صنف آخر من صنوف التعاون بين البلدين بعدما تفوق السياسيون على الفنانين في ذلك. عمار شلق، باسم مغنية، كريستين شويري وباتريسيا نمّور ممثلون شبان اثبتوا حضورهم في مجال التمثيل وخطوا خطوات ثابتة وموفقة في هذا الميدان خلال وقت قصير، فلفتوا انظار مخرجين وكتّاب كبار قدّموا لهم بطاقات عبور الى جمهور عربي أوسع عبر مشاركتهم في ادوار رئيسة في المسلسلات السورية. "التعاون العربي جيد جداً. فعلى رغم تقارب مجتمعاتنا، لكنّ لكل واحد طابعاً خاصاً يميّز مصر عن سورية والأردن ولبنان". يقول شلق الذي شارك في ادوار رئيسة في مسلسلات للمخرجين نجدت انزور وهيثم حقي الصحابة، قريش، أوراق الزمن المر، والآن البحث عن صلاح الدين". ويضيف "إنها فرصة للتعارف مع ممثلين آخرين ومخرجين مبدعين مثل هيثم حقي ونجدت أنزور وهما مدرستان مختلفتان تماماً استطعت أن أكتسب منهما ما يناسبني لأقدم نموذجاً خاصاً بي... إن هذا التلاقي يسمح لك بالإفادة من تجارب الآخرين فتتفاعل معهم، ما يعطي غنى للممثل والشاشة على حدّ سواء، فالفن مثل الحياة إذا كانت رتيبة وبلون واحد تصبح ممثلة، لكن هذا التنوع يضيف دماً جديداً يغني التجربة العربية بشكل عام". لكن المشاركة يجب الاّ تكون عشوائية ولا يجب القبول بأي دور من اجل الانتشار فقط، كما يقول باسم مغنية "فأنا اختار الأدوار المهمة التي يمكن ان تقدم اضافات الى مسيرتي. وبشكل عام ان اي تجربة سواء كانت سورية او مصرية تقدم للممثل الخبرة والثقافة والتعلّم من الآخر الذي يختلف عنّا بالتقاليد والعادات واللهجة، وبالتالي يكتسب الآخر منا. تجربتي أنا بالذات كانت جميلة ومتميزة في المسلسلات السورية أديت من خلالها أدواراً مهمة مع المخرج نجدت أنزور، وهو مخرج "نجم" في العالم العربي والمخرجون النجوم قلائل... وكل عمل يضيف شريحة أوسع من الجمهور". شارك مغنية في ادوار رئيسة في مسلسلات سورية عدة منها "رمح النار" و"المسلوب" وحالياً في "البحث عن صلاح الدين" حيث يقوم بدور ملك فرنسا. التلاقي وغنى التجربة نتيجة جيدة للعمل الفني مع الآخر تقول كريستين شويري التي شاركت دريد لحام في "التقرير" ولعبت دوراً في "الطويبي"، "إنها فرصة تتيح للممثل ان يحتك مع جنسيات مختلفة وإتقان أدوار وأنماط مختلفة لا سيما في المسلسلات التاريخية التي تحتاج الى شخصية اخرى ونفسية اخرى. إن هذه المسلسلات السورية تختلف كثيراً عن تلك اللبنانية، وهنا العبرة في ان يكتسب المرء اشياء بعيدة منه من خلال ادوار تحتاج الى "شطارة" وجهد لتأديتها، ومن خلال التعاطي مع الآخرين ما يغذّي الشخصية ويمنحك غنى داخلياً في الأحاسيس والمشاعر والأفكار". وتشاركها الرأي باتريسيا نمّور التي تشارك في "البحث عن صلاح الدين"، تقول إنها تجربة نوعية ان تشاركي في مسلسل سوري، فعلى رغم التقارب، هناك اشياء مختلفة بيننا نتبادلها لزيادة خبرتنا، لا سيما ان المشاركة في دور تاريخي تحتاج الى الكثير من الجدية في العمل نرتدي من خلالها شخصية مغايرة كلياً لم نتعوّدها في المسلسلات اللبنانية، التي شاركت فيها على الأقل. بالنسبة إلي أنا سعيدة بالعمل مع نجدت أنزور الذي يقدّم انتاجات ضخمة ذات نوعية جيدة، فهذا يقدّم لي المزيد من الخبرة". يقر الممثلون اللبنانيون الشباب بأحوال الإنتاج الصعبة في بلدهم، وهذا ما ينغص احلامهم المزهوة التي تحتاج الى أعمال تغذّي تجربتهم وتقدمهم الى أوسع جمهور. على رغم ذلك يرفضون القيام بأدوار باهتة سواء في مسلسلات لبنانية أو سورية. يقول شلق "ان الخبرات اللبنانية عظيمة يعترف بها الآخرون، لكن الفرص الحقيقية غير موجودة والحق على شركات الإنتاج، لأن التمثيل برأيي ورشة متكاملة من النص والإخراج والإنتاج، والمشكلة هي مع المنتج اللبناني". ويقول مغنية "لا شك ان في البلد أزمة تطاول كثيراً من الممثلين، لا سيّما ان وجود بعض المؤسسات يضعف الممثل ويقضي على تميزه. يجب ان نتّحد لمواجهتها، فلا شيء يضطرني الى لعب دور لا يضيف الى فني شيئاً، لذا يقولون انني مغرور لكني احافظ على تجربتي، أنا أقاوم الحاجة وآخذ حقي في الدور وفي المال ايضاً". وبسبب هذه الأزمة، لم تعمل شويري في اي مسلسل منذ ثمانية اشهر، "ضعف الإنتاج وعدم وجود سياسية داعمة للإنتاج الفني لدى الدولة وتسويقه في الخارج، تفرض على فئة من الممثلين الدخول في ادوار ضعيفة، على رغم توافر طاقات ومؤهلات عظيمة لدينا. لكننا نفتقد الدعم المادي والمعنوي. وهذا ما وجدته في المسلسلات السورية التي يتوافر لها الدعم الكامل ويقدّر فيها جهد الممثلين".