ربما لن تعاني الممثلة الشابة كريستين شويري مشكلة أكبر من ان يتعامل معها المخرجون في الشاشة الصغيرة من دون أن يروا تلك الطاقة التعبيرية الكبيرة في وجهها، وتحديداً في عينيها، وفي صوتها. والعينان والصوت عناصر أساسية في أداء الممثل تكاد تكون مدخلاً أوّل للعلاقة مع فنّ يعتمد على أكثر من "طلّة" جميلة وأكثر من قامة وأكثر من... حفظ الدرس! وكريستين شويري تقوم حالياً بدور "سمر" في مسلسل "اسمها لا"، ومع ان دورها قليل الحجم، قليل الظهور، قليل التأثير في البناء الدرامي للمسلسل، فهي استطاعت أن تلفت الانتباه بدقة الى أسلوب أدائي عفوي، ولكن مع تقنية مميزة ثمرة موهبة جدية، والى حضور ينبّه العين الى جمال فني تعبيري تمتلكه هذه الصبية التي كأنها قادمة من شجن في قصيدة أكثر مما هي قادمة من أي شيء آخر. ثمة في العينين بلاغة في نقل المشاعر العميقة، واللون الأخضر لا يكتمل بغير دمعة كأنها لا تذهب ولا تنهمر. دمعة معلّقة على أخضر ناعم، وحتى الآن فإن أي مشهد لها في "اسمها لا" لم ينقل هذا التعبير. والسبب، بشكل "طبيعي"، هو أن كريستين تلعب شخصية ثانية - ثانوية بمعنى أدقّ، أو كما يقول المصريون "سنّيدة" أي التي تسند الدور الأول، ترافقه، تحاوره، ولا تبلغ مرتبته، ولا تأخذ مكاناً كبيراً مثله. لا أقول ان الخطأ ارتكبه الكاتب شكري أنيس فاخوري عندما أسند دور "سمر" العادي لكريستين شويري، لأن شكري ليس منجماً ليعرف ما هي الطاقات الادائية بالتمام عندما قبل أن يجربها في دور ما، إلا انني أرى ان شكري سيخطئ حين يبقي كريستين في عداد الأشخاص "الاضافيين" في مسلسله الذي يكتسب جمهوراً عريضاً بعد تطوّر مواقفه وشخصياته. ذلك انها تبحث عن موقع واضح وصريح كممثلة ناضجة من دون أن تعلن ذلك بالشكوى لا الى الكاتب ولا الى المخرج البير كيلو الذي يراقب كشكري ممثليه ليدرك أبعاد ما يستطيعون تقديمه. ان طريقة أدائها، ونظافة التأدية وعمقها وحيويتها علامات كافية كلياً ليرى الكاتب والمخرج ماذا وراءها. وهي تعتقد أن أحداً لن يكون بمقدوره أن يستخرج منها شيئاً اذا لم تفهم هي أولاً وقبل كل شيء ماذا تريد، وكيف تريد. فالممثل، بالنسبة اليها ليس ما يعتاده فقط من وقوف في الاستديو، وحركة هنا وهناك في ديكور، بل هو قدرة على "كتابة" الدور من جديد. والكتابة هذه المرّة، بالاحساس والتجسيد بعدما يكون الكاتب قد وضع صيغته المفترضة. كما انها ترى أن الممثل له الحق في أن يضع رؤيته كاملة بالتعاون مع الآخرين في كيفية نقل "الورق" الى الشاشة، لا أن يتلقى الأوامر وكفى، على رغم انها تنفّذ الأوامر بدقة وتعطي نتائج ايجابية. "الممثل كائن لا آلة" تقول كريستين، وتؤكد ان المخرج الذي يدرك "أحوال" الممثل الداخلية هو الأقدر على التعامل معه، بينما يروح الممثل الذي تنقطع الصلة بينه وبين المخرج، أكان هو السبب أم المخرج نفسه، يدور في حلقة فارغة روتينية. ف"أحوال" المزاج والطاقة والتقنيات الأدائية هي مفاتيح لا استغناء عنها لأنها عند كريستين "تدل على مدى خيال الممثل، وعلى الطواعية في اكتشاف حتى التفاصيل"، ففي كل شخصية تفاصيل يمكن أن تدل على كليات أحياناً، تماماً كما تدل السنونو على الربيع غالباً، وهي كممثلة لبنانية ترى أن تجاربها الأخرى مع بعض المصريين أو بعض السوريين من كتّاب ومخرجين عرَّفتها الى ألوان عدة من طرق الاخراج وأدبيات الكتابة التلفزيونية، وتضع ذلك في إطار محاولة الغوص أكثر فأكثر باتجاه معرفة الذات من خلال العمل المتعدد ضمن كادرات قد تكون مختلفة في رؤيتها وتركيبة نتاجها، إلاّ أنها متفاوتة في خلق انتاج ثري، متنوع، ومتماسك، الغلبة فيه للتجريب، ولاكتساب مشروعية التجدد. وكريستين شويري، كما تشير بعض الحلقات الأخيرة التي صورت من "اسمها لا" وستعرض في وقت لاحق قد يكون بعد شهر ونيّف، "ترحرحت" نسبياً تمهيداً للخروج من الحدود الضيقة. وشكري فاخوري والبير كيلو مقتنعان بأنها قادرة على بث روح متوقدة في شخصية "سمر"، وسيهتمان، بعد أن قدّمت هي نبضاً عالي القيمة في دورها المحدود. "انه جيل يحاول أن يزرع شيئاً في عالم فني تلفزيوني غير مستقر"، تقول كريستين في ابناء جيلها الذين يجدون بعض الفرص القليلة التي لا تكفي ولا تغني ولا تسمن من جوع. "مجموعات تعمل ثم تتوقف ثم تتوقف ولا تعمل" وهذا هو السبب الذي يضعف الشهية على اعتماد التمثيل وحيداً في العمل، أي في مورد الرزق، فيذهب كثيرون الى وظائف وأعمال أخرى فنية أو غير فنية، أما المستثمرون فتراودهم أحاسيس غامضة وأسئلة عنيفة حول المستقبل، تبقى بلا أجوبة. كريستين شويري، موهبة أدائية توحي بزمن رومانسي من حيث الشكل الخارجي المؤثّر والفاتن والشاعري، ومن حيث الداخل الدرامي المشحون بعصب مشرق، توحي بزمن الكلاسيكيات. وزمن "الألفين" يوحي به لدى كريستين إقدامها على جعل عملها صناعة وحرفة واختماراً عصري الملامح شديد المضمون الإنساني الذكي. "فهل الفرصة الآتية أفق مفتوح؟" تتساءل كريستين وتنتظر...