ثمة تشابه بين الشاعرين السعوديين: غازي القصيبي وعبدالعزيز محيي الدين خوجه. والتشابه بينهما يكاد يكون متقارباً في وجوه عدة، فكلاهما يمثل صوتاً شعرياً فاعلاً في الحركة الشعرية السعودية، وكلاهما حاصل على درجة الدكتوراه، ويشغل منصباً متشابهاً. فالقصيبي سفير المملكة في بريطانيا، وخوجه سفير المملكة في المغرب. هذان الشاعران يمدّان الساحة الأدبية في السعودية على رغم ابتعادهما عنها، عبر ما يصدرانه من نتاج أدبي. وآخر ما أصدره الشاعر عبدالعزيز خوجة ديوان شعري تحت عنوان "أسفار الرؤيا". هذا الديوان عبارة عن قصيدة واحدة احتلت الديوان وفق ثلاثة مقاطع أو عناوين، وهذه العناوين هي: سفر الأنا، سفر المناجاة، سفر الخلاص. وهذه التجزئة للقصيدة هي محاولة من الشاعر لفتح أفق القصيدة ومنحها التدفق الشعري في رؤى متسقة باحثة عن لحظات تأمل تخترق بها الساكن عبر لغة مكثفة. نقول هذا وفق تلك المقدمة التي استهل بها الشاعر ديوانه وهي المقولة العظيمة للنفري "كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة". وتبدأ أولى القصائد "سفر الأنا" متململة من واقع زهد به الشاعر: "مت يا أنا أو كف عني للأبد،/ نفد الجلد/ إما على جمر اللظى/ قدماي أو فوق البرد/ اترك يدي" لا تعطني يدكا،/ تقيدني بأغلال من الماضي،/ وأغلال من الآتي، وحبل من مسد". ويتكرر التشوق الى الانعتاق من الأغلال والمطالبة باطلاق اليد التي تشير في دلالاتها الى البحث عن المتحرك والمناقض للثابت ولعله بحث من الانعتاق من الجسد الذي يوازي الماضي في أغلاله: "إني أنا هذا الكيان./ قد جاء من رحم الزمان/ قلبي المركب من شياطين وطين/ وعجينة ممزوجة بالنور واللهب المذاب/ كيف التوازن في معادلة الحساب". ويفتتح المقطع الثاني "سفر المناجاة" بحيرة غامضة ومناجاة الله عز وجل شاكياً الضياء، ضياء الذات وضياء الواقع: "يا رب، إني طلسم ضيعت شفرته/ ولا أدري الجواب/ يا رب، إني قد تعبت وطال بي/ سفري على طرق الضبابَ". هذا الضياء الذاتي ينتقل به الشاعر بحسب مستويات متعددة بدءاً من ضياع النفس الى ضياع الأمة. ويظل باحثاً عن الاخلاص للذات وللأمة باستحضار شخوص وقيادات تاريخية كان لها الأثر في تغير مسار التاريخ. هذا البحث يتجلى في ذكر اسماء تلك الشخصيات التاريخية وفي اللجوء الى المخزون الثقافي المعتد به في مواجهة واقع مرتاب عبر انجازه المهمات الصعبة في اختراق أزمة الضياع الذاتي وضياع المجموع. ويلجأ الشاعر في مقطع "الاخلاص" بالالتفات الى المخلص من كل أزمات الانسان والبشرية قائلاً: "لو أنهم جاؤوك/ ما شدوا رحالهم الى جهة الضياع،/ لو أنهم.../ ما تاه ربان لهم/ أو ضل في يمّ شراع...". وتنتهي قصيدة "اسفار الرؤيا" باللجوء الى الله كحلّ أمثل للخلاص من كل ما يعتري الانسان من قلق وحيرة وبلاء. والدكتور خوجة من الشعراء السعوديين الذين سجلوا بشعرهم وجوداً في الساحة الشعرية السعودية من غير أن يدخل في معمعة الصحافة والبحث عن الأضواء.