شيء من الحرب غير المعلنة كانت في السنوات السابقة تحت الرماد، أما الآن فقد خرجت، وعلى أوسع نطاق، بين مكاتب انتاج عدد من المحطات التلفزيونية الفضائية العربية في بيروت. كأنما محطة MBC ومحطة ART ومحطة "أوربت"، وهي الأبرز بين الفضائيات العربية التي تعتمد بيروت مركزاً اساسياً لتصوير برامج مختلفة المضامين والأشكال، لم تكن تتنبّه الى نتاجات بعضها بعضاً قبل حين. وفجأة حمي الوطيس بينها، وصعدت الى سطح الحركة التلفزيونية مبارزة مميزة قد تكون سبباً جدياً، هذه المرة، في إخراج بيروت كمدينة ثقافية وفنية وسياسية من حال "الجمال" الأنثوي التي طغت في العقد الماضي عليها في بعض تلك الشاشات، بحيث كاد المشاهد العربي يعتقد ان هذه هي بيروت ولا شيء آخر، نحو حال اخرى هي الحال الحقيقية المعبّرة عن بيروت "الجميلة" لكن صاحبة التجربة المضيئة في الفكر العربي، والفن العربي النظيف، بل صاحبة الخبرة الانتاجية التلفزيونية التي شهدت لها البلاد العربية كافة في مراحل سابقة بالريادة وبالمقدرة على الابتكار باستمرار. ان من يطّلع على مفكرة MBC في بيروت يلاحظ مجموعة من البرامج الجيدة وأخرى الأكثر جودة، مع عدم تجاهل نوعية من البرامج التي لا تريد اكثر من ان تحاكي رغبات الجمهور. بمعنى ان MBC تريد ان تعوّض ما فاتها من بيروت عندما كانت تكتفي ببرنامج واحد يصوّر فيها لا غير، في الوقت الذي كانت ART و"أوربت" تتعاملان مع السوق اللبنانية البرامجية على انها نبع. MBC التي افتتحت منذ مطلع السنة الجارية مكتباً جديداً في بيروت بإدارة تركي الشبانة اقتحمت الانتاج من ابوابه العريضة، ويبدو انها تحاول الاعتماد على نجوم من لبنان والعالم العربي في تقديم بعض البرامج، في مسيرة مختلفة، إذ اتفقت مع الممثل السوري دريد لحام على تقديم برنامج "على مسؤوليتي" وقد قطع البرنامج شوطاً مع المشاهدين، ولعله يسعى الى تكوين صورة مغايرة عن برامج الحوار التي يشارك فيها فنانون حين يأخذ الحوار باتجاهات ثقافية وسياسية، كما انها اتفقت مع الممثل المسرحي رفيق علي احمد على تقديم برنامج وثائقي رآه رفيق اضافة حقيقية الى ما يريد ان يعرف ويختبر في فن الإداء الصوتي، اضافة الى برامج اخرى متنوعة الاهداف في شكل يدل بوضوح على ذهنية تتحرك عبر طاقات نالت نصيباً من العمل التلفزيوني في محطات تلفزيونية اخرى قبل وصولها الى MBC. والدينامية التي ينهض بها تركي الشبّانة في مكتب MBC تعكس اصراراً على خوض المبارزة التلفزيونية الفضائية بمقدرة حصّل كثيراً من ملامحها خلال عمله في اميركا وعبر محطة كانت تعنى بشؤون عدة مما تعرضه المحطات الفضائية في غالبيتها كون تلك الشؤون هي الراصدة لمزاج الناس في البلاد العربية، وهي الأكثر الحاحاً سواء في المعنى الفني او الاجتماعي او الترفيهي وإلى آخره. ومع ان محطة ART مشغولة حالياً بتسلّم محطة تلفزيون لبنان الرسمية بعدما نال رئيسها الشيخ صالح كامل أحقية استثمار هذا التلفزيون بعد تقديمه عرضاً كان الأفضل بين كل العروض المطروحة في هذا الصدد، إلا ان ورشة الانتاج في استوديوهات ART وفي مواقع التصوير لم تتوقف، وينتظر بعد اتمام تسلّم مبنيي تلفزيون لبنان في الحازمية وتلة الخياط ان ينتقل اليهما النشاط الانتاجي ككل، على ان تبقى البرامج السياسية وقسم الاخبار من مسؤولية الحكومة اللبنانية ممثلة بوزارة الاعلام. ويُعتقد في بيروت ان انتاج ART في المراحل المقبلة القريبة والبعيدة سوف يتخذ طابعاً اكثر اتساعاً كون استوديوهات تلفزيون لبنان من حيث المساحة تعتبر الاكبر في لبنان من كل مساحات الاستوديوهات الاخرى التي يجري فيها تصوير البرامج التلفزيونية، وذلك ما حدا بمحطات عدة اخرى الى الخروج الى الهواء الطلق او الى الأماكن الفسيحة المجهّزة لتكون معارض كبرى اكثر من تجهيزها كاستديوهات، لتصوير برامجها، وهذا اضاف الكثير من المتعة البصرية الى ما جرت العادة مشاهدته في الانتاج المحلي. اما محطة "أوربت" المسترسلة في نوعية انتاجية خفيفة غالباً، مع استثناءات في بعض البرامج القليلة ذات الطابع اليومي المباشر، والمنوّعة في فقراتها السياسية والاجتماعية والفنية، وبعدما ألغت الحفلات التلفزيونية الغنائية التي كانت تقيمها سنوياً بسبب التكاليف الباهظة، فاستعاضت عن ذلك بمجموعة من البرامج التي يجري تصويرها حالياً في بيروت، وهي مخصصة لشهر رمضان المبارك الذي صار على الأبواب، وكل محطة عربية تستعد له بأكثر ما تستطيع من المسلسلات والبرامج والحلقات الاستثنائية. شيء من الحرب غير المعلنة، لكنها حرب معلنة كلياً امام من يتابع. وعلى الشاشات ستظهر النتائج، في اليوم الأول من شهر رمضان، ثم في الإعداد المقبل لمراحل "الحرب" المستمرة ... ليس في افغانستان، بل في استوديوهات لبنان.