تأخّر تلفزيون لبنان، كثيراً، في الصعود الى الفضاء، والأسباب مادية وتقنية كانت تتراكم وتتزاحم فوق رأسه على امتداد سنوات الحرب أولاً، ثم سنوات الارتباك والفوضى الإعلامية في لبنان، حتى كان القرار الحازم بأخذ مكان بين الفضائيات اللبنانية والعربية التي ملأت الأفق العربي والعالمي. وفي توقيت استثنائي اختاره مدير تلفزيون لبنان المخرج ابراهيم الخوري الذي قام باتصالات سياسية واعلامية واسعة محلياً وعربياً لأجل هذه الغاية. ومع أن تلفزيون لبنان الفضائي كان يستعد لانطلاقة كبرى في الربيع، غير أنه سعى الى تقريب الموعد أسابيع، وذلك لالتقاط فرصة اعلامية ذهبية هي التفرّد بنقل وقائع جلسات مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي عقد في بيروت عبر الفضائية اللبنانية الرسمية، وهكذا كان... لكن ذلك لم يكن إلاّ مقدمة، لأن الإعداد لدورة برامج جديدة، تليق بتلفزيون لبنان الفضائي الذي يعرف أي منافسة صعبة تنتظره، كان في أوجه. والخوري كان يدرس اقتراحات البرامج الكثيرة، ويفرز من بينها الضروري والجديد والمناسب. وخلال شهرين كانت بين يديه مجموعة مهمة من أفكار البرامج التي بُدىء بتصوير بعضها وبقي بعضها الآخر ينتظر اشارة، ولا سيّما تلك التي تتعلق بالإنتاج المحلي. وبوصول الإشارة، كانت الاستديوهات في الحازمية وتلّة الخياط تضج بالممثلين الذين دخلوها لتصوير ثلاثة مسلسلات محلية... دفعة واحدة. البرامج التي تم اختيارها تنقلت بين الثقافي والاجتماعي والسياسي والفني وبرامج الأطفال والتسلية. بمعنى ان ابراهيم الخوري الخبير بأحوال الفضائيات العربية من زاوية نقاط القوة ونقاط الضعف فيها، تأنّى في خياراته بحيث أتت تلك الخيارات "البرامجية" منوّعة، ومتيسرة التنفيذ تبعاً لظروف شركة تلفزيون لبنان ولإيمانٍ منه بأن "تكبير الفشخة" قد ينعكس سلباً، فآثر التصرّف بحكمةِ من يدرك أهمية الحلم وارتباطه "بواقع" معين. ومع بداية عرض دورة برامج الربيع على الأرضية والفضائية لتلفزيون لبنان كانت ردود الفعل الإيجابية يتردد صداها، وعلناً، عبر اتصالات هاتفية الى برامج تبث مباشرة على الهواء، ومن مشاهدين في البلاد العربية والأوروبية، وكلها تثمن الخطوة، ولعل تلفزيون لبنان في لَعِبِهِ خطة عرض أعمال تلفزيونية قديمة لنجوم كبار، منهم السيدة فيروز وهي أعمال غير متوافرة عند الآخرين، يحاول أن يستقطب جمهوراً ما زال يعتقد أن قديم التلفزيون والفن العربيين كان أجمل... ويرغب في استعادة تلك الأعمال. وهذا ما حصل بالفعل. أما المسلسلات اللبنانية الجديدة، فمنها "ليل الذئاب" وفيه عشرات الممثلين يتقدمهم انطوان كرباج، ومنها "دويك 2000" الذي يسترجع فيه الممثل عبدالله حمصي أسعد واحداً من أفضل أدواره الشعبية ويتابع فيه انطوان غندور ككاتب شحذ المفارقات بين البراءة والطيبة والأخلاق من جهة، والخبث والمصالح والاهواء من جهة ثانية وليت اطلالته الجديدة كانت في حجم اطلالته القديمة وفي أهميتها الدرامية. ومن المسلسلات التي يعوّل عليها أهمية "اسمها لا" لشكري أنيس فاخوري بطولة كارول سماحة، كونه بقلم الكاتب التلفزيوني الأكثر شهرة في السنوات الأخيرة في لبنان، وبطلته هذه المرّة الصبيّة المميزة كممثلة وكمغنية، وموضوعه جديد وذو أهداف اجتماعية. فضلاً عن مسلسلات كوميدية مثل "سكرتيرة بابا" مع ابراهيم المرعشلي ومجموعة من المواقف الفكاهية المعروفة والمكرّرة لدى المرعشلي التلفزيوني، وأعمال أخرى متفرقة. نظرة عامة الى برامج تلفزيون لبنان في دورة الربيع الأرضية - الفضائية، تقول ان البداية السليمة تؤسس علاقة سليمة مع المشاهد العربي الذي سيتابع تلفزيون لبنان للمرة الأولى، ومع المشاهد اللبناني المحلّي الذي كاد يفقد الثقة بمحطته التلفزيونية الأمّ بعد صعوباتها الخانقة، لكنه سيعيد اكتشافها مجدداً عبر انتاج نظيف وتطلُّع الى ابتكار موقع اعلامي عربي مختلف.