شغلت أزمة التيار الكهربائي السلطات السياسية في لبنان خلال الأيام الماضية، وستبقى تشغلها على رغم إطلاق مؤسسة كهرباء لبنان ووزير الطاقة محمد عبدالحميد بيضون وعوداً بعودة التيار الى التحسن بدءاً من الأمس. وكان لبنان تعرض منذ نهاية الأسبوع الماضي الى تقنين مفاجئ للتيار الكهربائي أثار سخط الشارع والسياسيين الذين اعتبروا الأمر فضيحة. وعزا المسؤولون السبب الى نقص في مادتي الفيول أويل والمازوت اللازمتين لتشغيل معامل الإنتاج، خصوصاً في الذوق والجية، وهي حكاية تتكرر بين الحين والآخر في ظل العجز المالي للمؤسسة وحاجتها الدائمة الى سلفات تزيد من ديونها المتراكمة. ويخضع ملف مؤسسة كهرباء لبنان للبحث منذ مدة على اعلى المستويات نظراً الى تشابك المشكلات التي تواجهها وأولها العجز المالي الناجم عن عدم جباية الفواتير المستحقة وقيمتها نحو 1096 بليون ليرة بما فيها الإعفاءات لعدد من القرى والامتيازات وسرقة 30 في المئة من الطاقة المنتجة، بحسب تقرير للمؤسسة. كما ان الإدارة في المؤسسة تعاني الشواغر والضغوط التي تفرضها التجاذبات السياسية على التعيينات المؤجلة، وإصرار وزير الوصاية على أن الخطوة الأولى في ملف المعالجات تبدأ بتغيير الإدارة العامة للمؤسسة. يضاف الى ذلك، ان بناء معملين كبيرين لإنتاج الطاقة في الزهراني والبداوي على رغم تكاليفهما العالية لم يقترن ببناء شبكة خطوط التوزيع الكافية للإفادة من إنتاجهما. وكان رئيس الجمهورية اميل لحود اطلع على تقارير تحدد مكامن الخلل في المؤسسة، ودعا رئيس المجلس النيابي نبيه بري لجنة الأشغال النيابية الى مناقشة الموضوع، فعقدت اجتماعاً في حضور الهيئات الإدارية المعنية، لا سيما بعد تكرار انقطاع التيار عن المواطنين الذين اضطروا الى اللجوء الى شراء الطاقة من المولدات الخاصة. وأول من امس قررت النيابة العامة المالية التوسع في التحقيق في ملف إهدار الأموال العامة في كهرباء لبنان وتقرر دعوة 30 رئيس دائرة من كل المناطق للاستماع الى إفاداتهم للمرة الأولى عن التقرير الذي أعدته لجنة الخبراء المكلفة التدقيق في كشوف الحساب والمستندات بدءاً من الاثنين. وقالت اوساط رسمية ل"الحياة" ان الوزير بيضون احال على رئيس التفتيش المركزي فؤاد هيدموس 14 شكوى في حق المدير العام للمؤسسة جورج معوض لم يعرف مصيرها. وحمّل بيضون في تصريح امس الإدارة العامة "مسؤولية الأزمة الحالية". وأشار الى أن "الإدارة تقع تحت عجز ونقص في الفيول والمازوت من دون ان تراقب المخزون وجدول الاستيراد". وكشف عن ان "موضوع الكهرباء سيطرح على مجلس الوزراء في جلسته اليوم، لأن لا حل إلا بتغيير الإدارة والقيّمين عليها". وإذ قال إن سعر "الكيلوواط" للمستهلك 130 ليرة لبنانية، أوضح انه يدفع 200 ليرة "وهي تعرفة مرتفعة وسببها يعود الى عدم الجباية الفاعلة". وفي المواقف من هذه الأزمة، قال رئيس لجنة الأشغال النيابية النائب محمد قباني ان الموضوع يتطلب معالجة جدية، موضحاً أنه وجّه اسئلة خطية الى المسؤولين في قطاع الكهرباء باسم اللجنة النيابية منذ نحو شهرين، "ولم نتلق حتى الآن اي جواب خطي". وسأل "هل هذا مقبول في ازمة بهذه الخطورة؟". وسأل النائب وليد عيدو "متى تصبح الإدارة من دون محسوبيات في مؤسسة تحكمها شريعة الغاب في وقت يشتري المواطن اللبناني كيلوواط الكهرباء بأعلى سعر في العالم؟". واستغرب "التكتل الطرابلسي" اعتراف الحكومة بلسان وزير الطاقة بأن "مشكلة الكهرباء مرتبطة بالخلافات السياسية داخل مجلس الوزراء ما يدل على مدى استهتار السلطة بحقوق الناس". واعتبر ان "الحكومة التي أنفقت 8،1 بليون دولار لإصلاح هذا القطاع فشلت في ادارة هذا الملف"، متسائلاً "عن إمكاناتها في إقناع المستثمرين بالإقبال على تخصيص الكهرباء".