ثمة اسئلة معلقة كثيرة خلفتها زيارة العاهل الأردني عبدالله الثاني الى موسكو، والتي جاءت بعد ثلاثة اشهر فقط من لقائه الأول مع الرئيس فلاديمير بوتين في الكرملين وتمت من دون ترتيبات بروتوكولية، واقتصرت على اجتماع بين الزعيمين دام زهاء ثلاث ساعات توجه بعده الضيف الأردني الى المطار لمغادرة العاصمة الروسية. ويوحي ذلك بأن الزيارة كرست للبحث في أفكار عدة نقلها العاهل الأردني، غير ان الجانبين رفضا الكشف عنها واقتصرت البلاغات الرسمية على الإشارة الى محاور عامة تبحث عادة مع أي زعيم شرق أوسطي يزور موسكو. وهذا التكتم يبرر البحث عن مصادر بديلة لمعرفة ما جرى في الكرملين، ولكن ما تسرب حتى الآن لا يعطي صورة كاملة عن الأهداف التي توخاها الجانبان، وما تم التفاهم في شأنه. فإذا كان متوقعاً اتفاقهما على رفض أي ضربة اميركية للعراق، فإن الرد المحتمل على استهداف بغداد ليس واضحاً. وبديهي ان تطلب عمان مشورة الروس في شأن ارسال مجموعة عسكرية - طبية الى المناطق التي يسيطر عليها حلفاء موسكو في شمال افغانستان، ولكن لم يعرف ما إذا كان هناك اتفاق على ان يصبح الوجود الأردني تهيئة ل"حل اسلامي" في افغانستان ام أنه سيبقى ضمن حدود المساعدات الانسانية؟ ولا يستغرب ان يكون البحث تطرق الى طبيعة السلاح المطلوب للمهمة وبالتالي الغاية من اقتنائه. لكن التساؤل الأكبر يتعلق بأنباء تفيد بأن الجانب الأردني ابلغ موسكو نيته دعوة ممثلين عن الاحزاب الاسرائيلية التي تضم "اليهود الروس" بهدف اقامة حوار مع شريحة من المجتمع الاسرائيلي صارت قوة مؤثرة في الكنيست والحكومة. ولو صحت تلك الانباء فإن منظمي اللقاء يريدون له ان يصبح محاولة ل"تليين" موقف اليهود الوافدين من روسيا وسائر جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، والذين يقفون تقليدياً في يمين أو أقصى يمين الطيف السياسي في اسرائيل. إلا ان دعوة هؤلاء الى عاصمة عربية ستعني اضفاء الشرعية على هجرتهم واقامتهم في المستعمرات المستوطنات التي باتت العقبة الكأداء في وجه السلام. وتعبير اليهود "الروس" أو "السوفيات" فيه تجن كبير على الحقيقة، اذ ان ما لا يقل عن 40 - 50 في المئة من الوافدين الى اسرائيل من هذه المنطقة ليسوا يهوداً، وقد رحل كثيرون منهم لأسباب اقتصادية وليست قومية أو ايديولوجية، إلا أنهم صاروا في غالبيتهم ملكيين اكثر من الامبراطور. ويعشش في قيادات الاحزاب الروسية، في اسرائيل صقور معروفون مثل الوزير افيغدور ليبرمان الذي يدعو جهاراً الى قصف السد العالي والإغارة على مواقع مدنية وعسكرية في مصر ودول عربية اخرى. ويقترب منه نائب رئيس الوزراء ناتان شارانسكي الذي يدعو الى "أممية" جديدة مناوئة للاسلام. ويجد هؤلاء في روسيا منابر عدة للتبشير بآرائهم التي تعتبر كلمة "سلام" سبة ووصمة عار. وبصريح العبارة قال نائب مدير الديوان الحكومي يوري شتيرت من حزب "اسرائيل بيتنا" الذي انشئ على غرار حركة "روسيا بيتنا" ان "الحرب أملنا"، وطالب بإلغاء اتفاقات اوسلو والقيام بعملية عسكرية واسعة لنزع سلاح الفلسطينيين وطرد قيادتهم. ولا شك ان هؤلاء سيستثمرون استضافتهم في عاصمة عربية كورقة في انتخابات برلمانية قد تجرى مبكراً في اسرائيل ويتوقع ان يتحالف خلالها "اليهود الروس" مع بيبي نتانياهو، باعتبار ان ارييل شارون كان... "رخواً" في تعامله مع الفلسطينيين. وقد يكون هذا واحداً من دوافع موسكو لدعم فكرة اللقاء المقترح، اذ ان روسيا تريد ان يكون لها "صوت" في الانتخابات الاسرائيلية. والمعروف ان هناك عدداً من الساسة المؤثرين في موسكو الذين يعتبرون عودة نتانياهو خيراً وبركة. هناك، اذاً، أطراف روسية واسرائيلية تحبذ عقد اللقاء ولها فيه مآرب عدة، ولكن اذا صح ما تسرب عن استضافة عمان لهذا اللقاء فليس من الواضح ما يمكن ان يكسبه الأردن، والعرب على نطاق أوسع، من لقاء مع صقور لن تتخلى عن مخالبها ولن تصبح حمائم وديعة.