للمرة الثالثة خلال عام واحد، يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، العاصمة الروسية موسكو، وذلك حدث يوازي الانقلاب في السياسة، فالمسؤول الإسرائيلي الأول، أيا كان، يكثر من زياراته لواشنطن عادة، بينما تبقى موسكو محطة هامشية، وهكذا كان الوضع طوال عقود، لكن العاصمة الروسية اليوم تحولت إلى "مربط خَيل" لقادة إسرائيل. الزيارتان السابقتان تزامنتا مع التدخل الروسي في سورية، ثم بعد إعلان روسيا سحب جزء من قواتها وبدء عمليات إيقاف النار في هذا البلد. وأثبتت الزيارتان مستوى متقدما من التعاون بين البلدين على الأراضي السورية، يتحدث عنه الإسرائيليون أكثر مما يفعله الروس. وعشية زيارته الحالية لموسكو قال نتانياهو "تعزيز العلاقات مع روسيا هو عامل في الأمن الوطني، سمح بحماية إسرائيل من مواجهات خطرة على حدودها الشمالية". وأضاف "روسيا قوة عالمية وتصبح علاقاتنا أوثق. كنت أعمل على التقارب وهو اليوم يخدمنا". وما لم يقله نتانياهو قالته صحيفة "جيروزاليم بوست" عندما كتبت أمس، تقول إن الوجود الروسي يسمح باحتواء نشاط حزب الله، رغم تعاون موسكو مع المحور الإيراني. وقبل ذلك أوضح السفير الإسرائيلي في موسكو، تسفي حيفيتس، أن روسيا لا تسمح بوصول أسلحة إلى أيدي حزب الله، وهو ما يثير بين الفترة والأخرى غضب معلقين إيرانيين يرون أن موسكو تقوم بأدوار مزدوجة في سورية. معان مختلفة لزيارة نتانياهو الراهنة معانٍ أخرى، إذ إن الزيارات السابقة نسقت التدخل في سورية، بينما تهدف الحالية إلى تكريس اللقاءات للاحتفال بمرور 25 عاما على استئناف العلاقات بين البلدين بعد أن قطعها الاتحاد السوفييتي. ومن المقرر أن يخص الرئيس بوتين ضيفه بحفاوة تعبر عن عمق الروابط ويصطحبه إلى عرض في مسرح البولشوي، وهذا تكريم فيه خصوصية لا تخفى على أحد، ولا يقف التكريم عند هذا الحد، بل إن هناك هدايا قيمة أخرى. لا نتحدث هنا عن سر الاغتيالات المتكررة في دمشق التي تطال رموزا تعتبرها إسرائيل عدوا لها، وهو ما يلمح محللون إلى ضلوع روسيا فيها، وإنما عن دبابة "باتون" أميركية الصنع، التي كان السوريون غنموها خلال اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، ونقلها السوفيت إلى موسكو لفحصها وبقيت في متحف خاص حتى اليوم. وكان بوتين وعد نتانياهو بهذه الدبابة في الزيارة السابقة، على أن يتسلمها في زيارته الحالية، كرمز لعمق التطور في علاقة حكومته بروسيا. ولا يعرف ما إذا كانت تل أبيب ستهدي بدورها إلى موسكو طائرة ميج 21 التي سرقتها من العراق قبل عقود، من باب مبادلة الثمين بمثله، إلا أن أمرا بات محسوما في تل أبيب وهو أن الوجود الروسي في سورية ضمان لأمنها لسنوات طويلة. مؤشر آخر يتحدث مراقبون عن مؤشر آخر على تطور العلاقات بين البلدين، وهو شعور موسكو بالحاجة إلى اليهود في إسرائيل وخارجها، مما يتجلى في توجيه الإدارة الروسية في القرم الدعوات إلى هؤلاء، للمجيء والاستثمار والإقامة في القرم، وحرصها على تمتين التواصل مع اللوبي اليهودي في أميركا وبلدان أوروبية، لاعتقادها أنه سيساعدها في مواجهة الضغوط والعقوبات الغربية. ولا يخفي مسؤولون وكتاب روس اطمئنانهم إلى التحول الهائل في علاقة بلدهم مع إسرائيل على حساب تقاليد العلاقة الروسية العربية، وبعضهم وصلت به الحماسة حد الترحيب بتعيين أفيجدور ليبرمان وزيرا للدفاع في حكومة تل أبيب. وبالنسبة إلى هؤلاء فإن ليبرمان روسي يتقن الروسية أكثر من الإنجليزية. 12 زيارة قام رؤساء وزراء إسرائيل بحوالي 12 زيارة إلى موسكو منذ 2000، وزار نتانياهو روسيا ست مرات، وهو في منصب رئيس الوزراء، وفي 21 سبتمبر الماضي قصد موسكو برفقة رئيس الأركان الإسرائيلي، واتفق مع بوتين وقيادة الجيش الروسي بشأن آلية تنسيق بين الجيشين في سورية، ثم زار نتانياهو موسكو في 21 أبريل الماضي للبحث في الوضع السوري والمفاوضات بشأنه. وفي 20 نوفمبر الماضي التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي الرئيس الروسي، في باريس على هامش قمة المناخ، بينما زار الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، في مارس الماضي، الكرملين الروسي.