منذ قديم الزمان تعلق الكورد بالمستحيل وشحذ الهمة الى ما لا سبيل إليه مدفوعاً في ذلك بسببين من اسباب العيش بحرية وكرامة اسوة بالشعوب المتحررة. أولهما من طبيعة الكوردي، ينجم بذاته بلا تكلف، فقد هدته تجربته عبر الزمان الى أن النضال من اجل تذليل المستحيل جدير ان يذلله في النهاية. فثوراته وانتفاضاته كلها، منذ بدأ في استعمال ابسط الأسلحة في ثلم الصخور، وشحذ العظام، منذ عشرات الألوف من السنين دفاعاً عن نفسه وعائلته وشعبه حتى اليوم الذي حرر جزءاً من ارضه وشعبه في كردستان العراق، في آذار مارس عام 1991، ثورات متصلة من تحقيق المستحيل. والسبب الآخر التسامح والتساهل مع الشعوب الأخرى في المنطقة، وعدم طلب المتعذر، وما تعجز عنه القدرة وترتد دونه العلاقات الأخوية والاحترام المتبادل بينها. فقد وجدنا الشعب الكوردي، وقادة الكورد المخلصين، منذ قرون، سابقوا فيها شعوب المنطقة وقادتها. فبنوا بأخلاقهم ووطنيتهم، وبشعرهم وفنهم وخيالهم عوالم من الأفكار والأضواء وحاولوا إقامة جنات من العدالة والحق والجمال، بعناء شديد، لم تزل بصماتها راسخة في اذهان المنوّرين من الكورد والعرب والفرس والترك، قبل ان يطمع حكام المنطقة، ومن ورائهم قوى طامعة، في تقسيم وطنهم كوردستان بحسب بنود معاهدة لوزان الجائرة عام 1923. أيها الإنسان النبيل ان الشعب الكوردي، بملايينه الثلاثين ومن اجزائه الأربعة، يتوجه إليكم بنجواه. وقد استعرنا، نحن لفيف من المثقفين الكورد في المهجر، بساط ريح الأوفياء لشعوبهم وللإنسانية، وشخصكم العظيم النموذج، لنطلع مقامكم على معاناة شعب لا يقل نضالاً وكبرياء من شعب جنوب افريقيا الصديق. وقد اختزلنا فيه تاريخ شعبنا النضالي الطويل في محطات مركزة طامعين في وصوله الى مهوى نظركم، وحاولنا تقديمه الى شخصكم الكريم عبر وسائل الإعلام، بسبب مسافات فلكية تفصلكم عنا، حيث انت في قمة القمم من القوة الروحية والإنسانية القادرة، والشعب الكوردي في معظم اجزاء كوردستان يئن تحت وطأة المستبدين، ومن حملات محو الهوية الثقافية، والتهجير، والتمييز القومي والعرقي، تماماً كما عانى شعب جنوب افريقيا من التعسف والاضطهاد والتمييز العنصري قبل الاستقلال. وقلب مثل قلب الشعب الكوردي نبض جل تاريخه، بعظام الأمور، ومعارك النضال، يزهو بنفسه بتحرر شعب عظيم مثل شعبكم الذي يخاطبه، من خلالكم واستجابتكم النزيهة القيام بزيارة ميمونة لإقليم كوردستان العراق المحرر سوف تُخرج للقائك ابناء الشعب الكوردي وقواه الوطنية التي تمكنت، بعد انتفاضة آذار عام 1991 من وضع اسس قويمة لكيان مؤسساتي راق قائم على نظام فيديرالي على أرض اقليم كوردستان العراق. وسوف تنجلي كثير من الحقائق امامكم، لأنه لا يوجد لدى الشعب الكوردي عقيدة، مهما كانت اساسية، توازي قدسية الحقيقة. ومن هنا، ايها الإنسان العظيم، تتأتى اهمية زيارتكم الى الشعب الكوردي في اقليم كوردستان العراق، لأنكم سوف ترسخون اقدام الشعب الكوردي على ارضه ووطنه. وتتعرفون على شعب حاز على الكثير من الأرقام القياسية: 1- كانوا وما زالوا، رابع قومية في الشرق الأوسط من دون كيان دولة مستقلة، 2- يعتبر الكورد الشعب الأتعس حظاً بين شعوب وقوميات العالم، 3- اكبر اثنية في العالم من دون دولة، 4- اولى ضحايا التهجير الجماعي في العالم. 5- اكثر شعوب العالم تعرضاً لعمليات الإبادة الثقافية والجسدية على أيدي الحكومات المستبدة، 6- سجل لا مثيل في عدد الثورات والانتفاضات المقهورة، وتلقي العقوبات الصارمة. كما ان زيارتكم ستكون استجابة لزخم من الأعماق لإشعال شمعة تضيف بصيصاً من النور قد يساعد في اضاءة مساحة من دنيا الإنسان الكوردي. فمن الثابت ان اية اشارة ايجابية تصدر من مقامكم، بخصوص الحقوق المشروعة للشعب الكوردي، وأنتم الشخصية الدولية والإنسانية المعروفة وقبلة الشعوب المستضعفة، ستكون اكثر وقعاً، لأنكم صاحب الفم الشامخ. كما ان جدارتكم بالقيادة هي التي اوصلتكم الى الدرجات العليا. كما نستبيح لأنفسنا، نحن جمهرة من المثقفين الكورد في اوروبا، القول: انه لعمل وطني وضميري وإنساني كبير في تصدي واحد مثلكم لإرهاب الدولة ضد الشعوب المضطهدة. وإننا لا نعدو الحقيقة اذا قلنا ان شعب كوردستان كان ولا يزال اقل الشعوب على وجه الأرض حظاً من التمتع ولو بأبسط حقوقه الإنسانية، ناهيك عن الحقوق القومية المشروعة. فليس له سوى امل واحد هو الاستمرار في النضال الحضاري السلمي لتبوؤ مكانة لائقة، أسوة بشعوب الأرض. إن أقصى ما يتعلق به امل الشعب الكوردي هو المساواة مع شعوب المنطقة، في اطار من الاحترام المتبادل والتكافؤ في الحقوق والواجبات. وهي مطالب لا تنال من المصالح الكبيرة للقاهرين. والشعب الكوردي يميز بين التمتع بحق تقرير المصير وإنشاء دولته المستقلة وهو حق طبيعي ومشروع، وبين المطالبة بالفيديرالية ضمن الإطار الوطني داخل دولة تحتل جزءاً من اجزائه، حفاظاً على وحدتها الوطنية، وهو فهم كاف لنشدان الصدق وحباً للمصارحة والحوار الذي لا ينشد الشعب الكوردي من ورائه إلا الخير لجميع شعوب المنطقة في اطار من نقاء الغاية وصفاء العلاقات بينها. وفي الختام لشخصكم الكريم كل الإجلال مشفوعاً بأخلص التمنيات... رشيد عقراوي مسؤول إعلام فيدراسيون المنظمات الكوردية في هولندا