تعليقاً على تعليق السيد عبدالله عمر "الحياة" في 22/10/2001 تحت عنوان: "لا ثقة كافية بمعلومات جانب واحد". - أولاً: حاول السيد عبدالله أن يبرر مماطلة الحكومة السودانية يوسف خازم، وعدم تمكينها له من زيارة مناطق معينة بأن المناطق في جنوب السودان يمكن تقسيمها الى ثلاثة أقسام: 1 منطقة تحت سيطرة حركة التمرد، 2 منطقة تحت سيطرة الحكومة، 3 مناطق نزاع مسلح واطلاق نار، والحكومة لا تملك ان تأخذ صحافياً الى المنطقة الثالثة. وفي اعتقادي ليس هنالك خطوط تقسيم واضحة. المنطقة كلها منطقة حرب. الحكومة تريد ان تقضي على الحركة الشعبية، وتسيطر على كل المنطقة. والحركة الشعبية تحلم بالوصول الى الخرطوم، والواجب يقضي أن تعطي الحكومة الصحافي المجال لمعرفة ما يجري، وتعطيه المعلومات التي ترى أنها داعمة لموقفها، ولكن مماطلة الحكومة دفعت الصحافي الى أن يلجأ الى الطرف الآخر، وينشر أكثر من عشرة مقالات تظهر، من وجهة نظري، ضعف الحكومة وغيابها، وتتضمن كل ما يريده الطرف الآخر، ثم جاء عبدالله عمر ليخبرنا ان ما حدث ليس حقيقة موضوعية. - ثانياً: أشار عبدالله عمر الى أن ما ذكره يوسف خازم من قصف وإبادة لم يتجاوز رواية على لسان قادة من التمرد أو شفاه أفراد عاديين. وفي اعتقادي هذا طمس للحقائق، وتزوير لواقع معروف. فالحرب الأهلية في السودان حصدت كثيراً من الأرواح. وبعض الجهات تقدر عدد قتلاها بمليونين. وشردت الملايين. ونزوح المواطنين من جنوب السودان وجبال النوبة لم يكن نتيجة للتنقل والحركة الاعتيادية، كما ذكر عبدالله عمر، بل الحرب هي التي أرغمتهم على ذلك. وهذه الحقائق معروفة، ولا تحتاج لتوثيق بصورة فوتوغرافية كما يطلب السيد عبدالله عمر، وهو يعرف كل الحقائق هذه. - ثالثاً: هل مصالحنا تستوجب إخفاء الحقائق اليوم وغداً بعد غد؟ وإلى متى نستطيع أن نخفيها ونردد أن كل ما ورد من سرد معتمد على المتمردين؟ والقول ان المناطق المحتلة التي أطلق عليها اسم المدن لا تعدو أن تكون نقاطاً أسستها حركة التمرد كمراكز للانطلاق، لا يقلل من اهمية الاراضي الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية. والمدن والقرى التي تحت سيطرة الحركة الشعبية في مناطق جبال النوبة هي قرى قديمة ومعروفة. واحتلالها أوقف الحركة بين مدينة لقاوه والدلج، وتسبب في نزوح كثير من السكان، وأوقف التعليم في المنطقة، والحقيقة الأخرى ان الجيش لا يقبل بتعاون المواطنين مع المناطق التي تحت إدارة الحركة الشعبية، ومن يتعامل معها قد يعرض نفسه للتعذيب والموت. - رابعاً: القول ان عائد البترول يمثل وقوداً للحرب فيه كثير من الصحة، لأن الحكومة التي جاءت عن طريق القوة كلما زاد مالها زاد طغيانها، وزادت قوة قمعها، وتوافرت لها الوسائل الى ذلك. ومن مصلحة الذين يختلفون معها أن لا تتوافر لها وسائل القمع، وان يصلوا معها الى حلول قبل أن يزيد ثراؤها. كما ان سكان مناطق البترول كانوا مهمشين في السابق. وقول عبدالله عمر: "اي منطق اقتصادي او اجتماعي ذلك الذي يقف في وجه ان يتحمل المواطنون تبعات المشاريع الاقتصادية القومية الكبرى"، غير مقنع. فالمناطق التي قامت فيها مشاريع في السابق، مثل حلفا القديمة والقرى المجاورة لها التي تأثرت بمياه خزان السد العالي قد تم تعويض المواطنين عن كل شيء من قبل حكومة السودان، والحكوم المصرية، وشيدت القرى والمدارس والطرق والمشاريع الزراعية، وانتقل المواطنون من منطقة قاحلة الى منطقة في وسط السودان فيها كل وسائل الحياة والتحضر، ولم يفقدوا شيئاً غير تعلقهم بحلفا القديمة، وسموا المولودة الجديدة حلفا الجديدة، فأنستهم حلفا القديمة. أما المشاريع الزراعية الكبيرة مثل مشروع الجزيرة، ومشروع الرهد، فإن تأثيرها على سكان المنطقة كان ايجابياً وليس سلبياً. وخزان توليد الكهرباء في شمال السودان، من المؤكد أن أثره على سكان المنطقة سيكون ايجاباً، ووجوده في هذه المنطقة لخدمتها أولاً، بل كل امكانات السودان سوف تجند لارضائهم، وأسباب ذلك معروفة ولا داعي لذكرها. وذكر عبدالله عمر، لفائدة القارئ بحسب قوله، ان أسباب ظهور حركة التمرد الحالية، بقيادة قرنق، هي رفض فاعليات من قبيلة قرنق الاجراء الحكومي بتقسيم ادارة الاقليم الجنوبي الى ثلاث ادارات، وجواباً علينا أن نعرف الحقائق الآتية: 1 - ان اتفاقية اديس أبابا، في عام 1972، تمت بين حكومة نميري والجنوبيين، بقيادة جوزف لاقو، وهو لا ينتمي الى قبيلة قرنق. 2 - الاتفاقية تنص على جعل المديريات الجنوبية الثلاث اقليماً واحداً. 3 - قسم النميري الاقليم الجنوبي المكون من المديريات الثلاث الى ثلاثة أقاليم بعد مرور عشر سنوات على الاتفاقية، وبذلك تم الغاء الاتفاقية بإلغاء نص أساسي فيها. 4 - قبيلة الدينكا هي أكبر قبيلة في الجنوب، بل هي أكبر قبيلة في السودان، وفي أي حكم ديموقراطي لا بد من أن يكون لهم وجود واضح. 5 - ان احترام الاتفاقيات واجب وطني، ولا يمكن أن تلغى الاتفاقيات بمزاج الحكام من دون الرجوع الى المواطنين. بريطانيا - جبريل حسن أحمد