الفنان التشكيلي العماني محمد الحسني واحد من الوجوه التي رافقت تطور الحركة الفنية في عمان وأحد ابرز وجوهها. حاز عدداً من الجوائز سواء في المهرجانات السنوية التي تقيمها الجمعية العمانية للفنون التشكيلية أو مرسم الشباب، كان آخرها قبل أيام فوزه بجائزة الابداع التشكيلي العماني في المعرض السنوي للجمعية العمانية للفنون التشكيلية عن أفضل عمل فني. يتميز اسلوب الحسني باعتماد الرمزية منهجاً في أعماله، اذ كلما سار على طريق اللوحة اكثر فإنه يربك متابعيه حتى يبدو أن الحال استقرت به اخيراً على حواف الحروف العربية ليواصل بها رمزيته وجمالياته التي يصنع منها افقاً جميلاً على رغم صراخ الذت الذي يكاد يخرج من حدود إطار اللوحة. هذا التحرك في اتجاه الحروفية يقول عنه محمد الحسني: "عملية الانتقال من مرحلة الى اخرى تأتي بحسب التطورات والتجارب والظروف العملية، اذ ان كثرة التجارب تولد لدى الفنان خبرة في كيفية التعامل مع الحرف او اللون والحفاظ على الجودة والصدق في المطروح على الساحة التشكيلية. يمر الفنان بظروف نفسية أحيانا فيحاول صوغ مفهوم هذا الارتباط بالفن والانتقال من اللوحة المشكلة الى الحروفية والعكس. اطرح مواضيع وأتعمق فيها على رغم تشعبها، وأرى المساحة أمامي بحسب مفهومي ومنهجي الذاتي خصوصاً في عملية التجريد الذي اتناوله بحذر شديد للغاية، ولا اخلط بين التجريد الواعي والتجريد العشوائي من دون طرح صادق، احاول قراءة الموضوع اولاً ثم تأتي مرحلة التفكير في صوغ ذلك بصدق، فالقضية عندي اهتمام في صلب ذلك الشيء المطروح". اذاً كيف تتكون حروف اللغة الى صورة جمالية تبدعها انامل الفنان في قالب احترافي؟ يرى الحسني ان المعنى هو كيف يتجرد الانسان من ذاته وكيف يطرح الهدف على نفسه والآخرين، أطرح ما تبوح به ذاتي وما احس به، واشتغل عليه على رغم الاتهامات بالإيحاءات الجسدية أحياناً. ويضيف: "أحياناً يرى المتلقي الحروف جامدة صامتة بينما هي تحمل روح الجمال الابداعي، الفنان يعيد الروح الى هذه الحروف فيجملها في حال من الابداع لتتحرك وتنطق وهي تبرز وتتجمل حيث الاحساس راحة للعين والنفس والفكر معاً. الفنان صاحب الفكرة هو من يستطيع التعاطي فيها بروح حبه للجمال مثلما هي مشاهد الحياة تمر علينا ولا يلتقط جمالياتها الا صاحب العين اللاقطة، وهنا يأتي دور الفكر في اقتناص اللحظة ليضع فيها الابداع ويترجم الحروف لتتحول حروف اللغة من ابجديات الى صور ناطقة وحاملة للمعاني". ومحمد الحسني دائم التجريب، ينتقل من مرحلة الى أخرى باعثاً في ريشته حلماً جديداً بأسلوب مختلف، يقول عن تجريبيته: "يعيش الفنان الحياة كأنه في مختبر، يجرب ويحلل تجاربه لتصلح للعرض، نحاول التعايش والتحاور مع الاحداث والظروف، الفنان حال غير مستقرة، ومعاناتي مستمرة مع التجريب لانتاج الجديد والمطور، ألاحق المدارس الحديثة واطرق موضوع كتابة المخطوطات والمعلقات التاريخية والقصص والسير الاسلامية، اخاف على نفسي من التجمد في قالب واحد أكون اسيره،...". وحصل الحسني على جوائز عدة، واتهم بأنه يعمل من أجل الجوائز فقط. وهو لا يرى في نيل الجوائز نقيصة للمبدع، لأنها في رأيه تحفز الفنان على الاشتغال "وحصولي على جوائز محلية ودولية حملني مسؤولية أن اكون في مستوى هذا الفوز، فهو رد فعل سريع على مجهود بذل لكنها تعين على بحث دائم عن الافضل، لوحاتي ليست مخصصة للدخول في مسابقات ومهرجانات فقط، انما هي اشتغال دائم وبحث عن المتطور في الساحة التشكيلية، نعم يسعدني الفوز بجائزة لكن الشعور الافضل هو احساسي بأنني قادر على انتاج اللوحة التي تشعرني بأنني تقدمت خطوة، الجأ الى الرموز والاسلوب الحديث فلوحاتي تتناول الحروفية العربية والمخطوطات التاريخية والرسومات القديمة في الكهوف والجبال والتعاويذ، تنقل كل ذلك بحداثة تجريبية". واشتغل الحسني على اشعار الصوفية في لوحات كبيرة تراوحت عرضاً وطولاً بين مترين الى ثلاثة امتار، سألناه عن هذا الاتجاه فأجاب: "البعد الصوفي في لوحاتي هو نتيجة بحث ومعاناة ودخول الى مناطق ابداعية جديدة، لشعراء ابدعوا بالكلمة تلك الروائع، وتوخيت جمالية اخرى في نقل ذلك البعد الصوفي الى لوحاتي، عندما فكرت بداية في كتابة المعلقات السبع ظل هذا الهاجس اربعة اشهر وأنا ابحث عن كيفية اخراج هذه الفكرة الى حيز الوجود بطريقة فنية حديثة، قرأت اشعار الصوفيين قبل انجاز المعلقات وانجزت لوحة اسميتها "فطاحل الصوفية" ضمت اشعاراً لابن عربي والجيلاني وابن الرومي والسكندري والحلاج، ثم كتبت البردة والمعلقات السبع واحدة تلو الأخرى وكلها ذات مقاس يتراوح بين مترين وثلاثة امتار طولاً وعرضاً". وعن دعم الحكومة للحركة التشكيلية العمانية يرى الحسني ان "تشجيع الدولة موجود وهناك جمعيات ترعى الفنان وتقدم له ما يساعده على المشاركات العربية والاقليمية والدولية، لكن كل فنان يبحث عن المزيد، الفنان مغلوب على امره فهو ينتج، ومطالب من جمعية الفنون التشكيلية والهيئات الاخرى بانتاج جديد وجيد، والفنان يبحث، ليس عن الانتاج فقط، وانما عن نوعية هذا الانتاج. ولذا فان اعماله تتكدس ولا تجد من يقتنيها، ازدحام بيته بلوحاته يشعره بأن ابداعاته غير مرغوب فيها، وبالتالي سيختنق بها روحياً وجسدياً، الفنان المبدع دائم المعاناة، لأنه دائم البحث عن الابداع وتوفير ما يساعده على ذلك. الفنان العماني مثله مثل غيره من المبدعين في عالمنا العربي يطالبه من حوله بالابداع وهو يفكر في توفير لقمة العيش لأولاده وتأخذه الحياة الى البعيد عن حدود مرسمه، هذا العشق الكبير الذي هو بمثابة الماء والهواء له".