انتصر العداء للاجانب في الانتخابات الدنماركية، أي انتصر اليمين، وانتقل الحكم من يد الى يد. وخلافاً لأي يمين آخر في أي مكان فإن اليمين الدنماركي يتزعمه حزبان، واحدهما يدعى "اليسار الليبرالي" الذي غدا أكبر أحزاب البلد بعدما نال 3.31 في المئة من الأصوات، والآخر هو "حزب الشعب الدنماركي" المعروف بعدائه للأجانب. انتهت الانتخابات وأعلنت نتائجها في وقت متقدم ليل أول من أمس. وبذلك خسر الحزب الاشتراكي الديموقراطي رئاسة الوزراء التي استلمها طوال تسع سنين متواصلة، وهبط الى مرتبة الحزب الثاني في الدنمارك بعدما تربع على المرتبة الأولى طوال 80 سنة من دون انقطاع. قال معلقون في كوبنهاغن، امس، إن المجتمع الدنماركي أصابه الجنون. فالحزب الاشتراكي، برئاسة بول نيروب راسموسن، قرر إثر أحداث 11 أيلول سبتمبر اجراء انتخابات برلمانية مبكرة، لأن المجتمع الدنماركي أصابه القلق بعد الهجمات على أهداف أميركية، واعتقد ان الناخب الدنماركي سيجدد للحزب الاشتراكي لأنه الحزب الوحيد الذي يمكنه اشاعة مناخ آمن. لكن الاشتراكيين وقعوا في الحفرة التي حفروها لكتلة اليمين، بعدما خذله الناخب الدنماركي واستدار يميناً حتى انه لم يتردد في اعطاء ثقته إلى أحزاب عنصرية لم تكن تنال في الاحوال العادية سوى نسبة ضئيلة جداً من الاصوات، مثل حزب الشعب الدنماركي. استغلت كتلة اليمين، بنجاح كبير، تداعيات احداث 11 ايلول وأحرزت فوزاً انتخابياً تاريخياً. وبرر الحزب الاشتراكي فشله بأن كتلة اليمين ركبت "موجة العداء للإسلام"، ونسي قادة الاشتراكي أن حكومتهم، ولا سيما وزيرة الداخلية، هي التي فجرت الحملة العنصرية ضد الأجانب بعدما قالت إن "هناك قسماً كبيراً من الأجانب يمارسون السرقة والإجرام ويجب عزلهم في جزيرة وسط البحر". تلك التصريحات العنصرية مهدت لحملة انتخابية وصفت صحافة الدنمارك بأنها "الأوسخ" منذ زمن الهيمنة النازية. وقد طبع حزب الشعب الدنماركي، الذي تترأسه بيا كايسرغارد، منشورات تشبه منشورات الأحزاب النازية، من ذلك مثلاً صورة كبيرة لشاب أجنبي متهم بالاعتداء الجنسي، وكتب تحتها: "حان وقت التغيير". ولم يأنف الحزب الاشتراكي من استخدام أساليب مشابهة لكسب بعض الأصوات، إذ أعلن في حملته أنه في حال فوزه سيتبع اجراءات صارمة لمنح اللجوء، وأنه سيصعّب الزواج من أجانب خارج الدنمارك. كان الاشتراكي يسعى الى كسب ل "رص الصفوف" امام ما حصل في أميركا، فخسرها لمصلحة كتلة اليمين التي فازت بالذريعة نفسها. اختفى الخطاب العقلاني والإنساني وصعد خطاب العنصرية داخل المجتمع الدنماركي. وانتعشت الصحف الصفراء فشاركت في صب الزيت على نار العنصرية، كذلك فعل الحزب الاشتراكي وشاركه خصمه حزب اليسار الليبرالي الذي ظهر في شكل حزب عنصري أكثر مما ظهر... "ليبرالياً"! اما الصوت الوحيد الذي حاول أن يطفئ النار فجاء من خارج الدائرة السياسية، إذ قام المخرج الدنماركي الشهير لارسن فون تريير بطبع منشورات على نفقته، داعياً مواطنيه إلى عدم التصويت للأحزاب العنصرية. لكن صوته لم يصل، فالدنمارك اختارت طريقها، وذهبت الى اقتراع وصف بأنه "مع أو ضد الإسلام" حتى على حساب قضايا سياسية داخلية مهمة. والأكيد أن الدنمارك المقبلة على تولي رئاسة الاتحاد الأوروبي، ستواجه عزلة سياسية أوروبية في حال تبنت الحكومة المقبلة برئاسة رئيس حزب اليسار الليبرالي اندرش فوغ راسموسن تشريعات تتعارض وسياسة الاتحاد الأوروبي. أما بالنسبة الى المواطن الدنماركي، فلن يصعب عليه يتعلم اسم رئيس الوزراء الجديد، لأنه يحمل اسم العائلة نفسها للرئيس الخاسر: راسموسن.