على رغم العزلة والأزمة الاقتصادية ما زال طلاب العراق الجامعيون يذهبون الى كلياتهم ومعاهدهم، بعضهم مشياً على الأقدام توفيراً لأجور النقل، وآخر ارتضى القليل من المصروف اليومي الذي يقبله "خجلاً" من العائلة، فيما الجميع تخلى عن "التسابق على الألبسة الأنيقة الغالية وعن ركوب سيارة تاكسي أو حتى القيام بسفرات جامعية" بحسب ما يقول عضو الاتحاد الوطني لطلبة العراق أحمد فؤاد لصحيفة "الرأي" الأسبوعية الصادرة في بغداد، والذي يعتبر حال "التقتير" مؤشراً ايجابياً يعكس "روح التضامن". الطالبة في كلية العلوم في جامعة بغداد انعام صبري تقول انها تتسلّم ثلاثة آلاف دينار من والدها مصروفاً أسبوعياً نحو دولار ونصف الدولار وترى ذلك كافياً للنقل وشراء بعض اللوازم الدراسية. أما ما تحتاج اليه من طعام فيتكفله "سندويتش" تحضره من البيت، والملابس تختارها "أنيقة وجميلة وغير مكلفة" مؤكدة انها لا تريد تحميل عائلتها أكثر من طاقتها: "أنا واحدة من بين ثمانية أشقاء وشقيقات، وحرص والدي على توفير ما احتاج اليه من مصروف يدفعني دائماً الى النجاح والتفوق وأتمنى أن أرد له جميله في المستقبل". وترسم انعام صورة عما يعانيه طلاب الجامعة في العراق اليوم: "نعاني صعوبات كثيرة لكننا نستخدم أساليب للاستمرار في الدراسة. فليس شرطاً استخدام ورق جديد في الكتابة بل نستعمل أوراقاً سبق استخدامها". الطالب في قسم الإحصاء كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد نجاح جاسم يقول: "على رغم ان اخوتي ووالدي هم من يعيلني حالياً ويدفعون لي ما أحتاج اليه إلاّ أنني أحياناً أشعر بالحرج كونهم يعطونني ما يشقون من أجل الحصول عليه"، ويرى أن ألف دينار كمصروف يومي كافية، فهو "من هواة النقل العام" ويحرص "على شراء ملابس بسيطة غير مكلفة تجنباً لإثقال كاهل العائلة بمصاريف اضافية من دون أن ينسى الإشارة الى انه يوفر من مصروفه للتضامن مع زملاء يعيشون "ظروفاً صعبة". طلاب بغداد يساعدون زملاءهم من طلاب المحافظاتالعراقية الدارسين في جامعات العاصمة، وهنا يؤكد جاسم: "المصروف اليومي بالنسبة الى طلبة الجامعات العراقية صعب في هذه الأيام. وهناك الكثير من زملائي، طلبة بغداد، يشاركون زملاءهم طلبة المحافظات مصروفهم اليومي. فالقادمون الى بغداد في ظل ظروف صعبة. وفي أيام الامتحانات نجتمع معاً في الأقسام الداخلية التي يسكنها طلبة المحافظات ونشتري من مصروفنا طعاماً وبعض ما تتطلبه الدراسة". الطالب في قسم المحاسبة معهد التكنولوجيا في بغداد ستار فليح يرى ان "الزي الموحد" الذي باعته الدولة لطلبة الجامعات بسعر زهيد هو 3 آلاف دينار دولار ونصف الدولار، خلّص الطلبة من أعباء شراء الملابس، كما ان توفير الطعام لطلبة المحافظات عبر "دفاتر اطعام" مكنهم من الحصول على ما يحتاجون اليه من كافتيريات الجامعة، خفف عن عائلات هؤلاء الطلبة المرهقة أصلاً أعباء تأمين الحياة في شؤون أخرى. وعلى طريقته يوفر ستار فليح اعباء عن عائلته: "غالباً ما أذهب الى المعهد مشياً على الأقدام ولا أحتاج الى أجرة النقل، كما أنني أحصل على محاضراتي من زملائي وبذلك أوفر ثمن الدفاتر والأوراق التي أكتب فيها المحاضرات". وجهة نظر اخرى هذه "الصورة النموذجية" لا يراها الجميع ولا يتفقون بشأنها، فثمة من يرى الظرف الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الطالب، و"التقشف" في موازنات الجامعات أضرّا بالاتصال مع أحدث المناهج العلمية والوسائل التربوية، فتقول الطالبة س.س لصحيفة "صوت الطلبة" الأسبوعية الصادرة في بغداد عن "الاتحاد الوطني لطلبة العراق" ان "التطور السريع لا نجده في المادة العلمية المنهجية، فما زالت أساليب التعليم قديمة والمادة أكل عليها الدهر وشرب فنراها بعيدة من عالمنا هذا الذي ما لبث يستخدم أحدث أساليب التكنولوجيا والحاسوب". وتضيف: "نقرأ عن حضارة الغرب التي نراها بعيدة منا". قسم غير قليل من طلبة الجامعات العراقية يحاول الجمع بين الدراسة والعمل في وقت واحد لتأمين متطلباته المعيشية له ولعائلته أحياناً، ما يؤثر في مستواه العلمي. وهنا يقول الأستاذ الجامعي كريم خضيرة: "كان الطالب سابقاً لا يمتلك هموم معاناة الحياة وقسوتها. أما الآن فالطالب يعمل اضافة الى الدراسة من أجل اعالة نفسه وتأمين مصاريف الدراسة، ومعاونة أهله، ما يضطره لتأجيل امتحاناته وقد يرسب متعمداً لإيجاد وقت كاف للعمل، ما ينعكس سلباً على مستواه العلمي". "صناديق اعانة الطلبة المحتاجين" تقدم أموالاً لعدد من الطلاب الذين يقدمون وثائق تثبت انهم من أبناء شهداء حربي الخليج الأولى والثانية أو من أبناء "الأسرى والمفقودين"، فيما ينال أعضاء "الاتحاد الوطني لطلبة العراق" التنظيم الطالبي لحزب البعث الحاكم معونات خاصة لا تمنح عادة للطلبة من خارج التنظيم الحزبي، والأمر ذاته يحصل عليه الطلبة "المتطوعون في جيش القدس".