كثيرون هم الطلاب الذين يقاومون ظروف الحياة الصعبة، ويصرون على إكمال دراستهم، فيما يدفع العوز المادي بعضهم الى ترك الدراسة والانصهار في سوق العمل متحملين أعباء الحياة التي غالباً ما تطيح بالكثير من طموحاتهم. ويختار البعض تأجيل دراسته سنة أو أكثر لتوفير المصاريف اللازمة فيقضون بذلك سنوات طويلة في الجامعة قد تصل في الكثير من الأحيان الى ضعف المدّة الدراسية. وباتت ظاهرة تأجيل الطلاب تخرجهم وإطالة فترة دراستهم أو حتى رسوبهم المشكلة الأكثر تعقيداً بالنسبة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي. والأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة كثيرة أهمها الأوضاع الاقتصادية لذوي الطلاب وقدرتهم على توفير التعليم لأبنائهم خصوصاً إذا كانوا جميعاً في أعمار متقاربة. الحاج سعد واحد من هؤلاء فقد أجبر ابنته شيماء على ترك الدراسة في كلية طب الأسنان عام 2003 بسبب عدم تمكنه من تأمين متطلبات دراستها لأنه يعيل عائلة تتكون من ثمانية أفراد غالبيتهم من الطلاب. ويقول الحاج سعد إن ابنته لا ترغب في العودة إلى الدراسة في كليتها على رغم صدور قرار بإعادة الطلاب «المرقنة قيودهم»، فقد مضى زمن طويل على تركها الدراسة، ناهيك بزواجها واستقرارها في حياتها. لكن الوالد يشعر بالأسى لعدم إكمال ابنته المتفوقة تخصصها الجامعي. وطبقاً لنظام التعليم في العراق فإن الطالب الذي يرسب في مرحلة دراسية جامعية سنتين متتاليتين يرقن قيده أي يفصل من الجامعة. وأحياناً تتخذ الوزارة قراراً مفاجئاً بإرجاع الطلاب المرقنة قيودهم كما في العام الماضي، إذ سمحت الوزارة لهؤلاء بالعودة لإكمال دراستهم شرط النجاح، لكن طبعاً لا يعود الجميع لأن بعضهم يكون قد تزوج أو ترك البلد أو وجد مهنة جيدة. وتظهر بين الحين والآخر مبادرات تعاضد بين الزملاء والمدرسين لمساعدة من يسمون ب «المتعففين» عن إكمال دراستهم والتغلب على المعوقات التي تعترض طريقهم. وتقول سرور مصطفى إحدى خريجات كلية الهندسة في جامعة بغداد إنها اعتادت دفع القسط الدراسي لإحدى صديقاتها «المتعففات» أربع سنوات كاملة حتى تمكنت الأخيرة من إتمام شهادتها الجامعية. سرور وجدت في تلك الصديقة حباً للدراسة وتفوقاً كبيراً في علاماتها في العام الدراسي الأول، لكنها فوجئت بها وهي تودعها قبل منتصف العام وتقول لها انها ستترك الجامعة متذرعة بمبررات لم تقنع سرور. فضغطت عليها بالحديث حتى اكتشفت أن السبب هو عدم قدرتها على دفع القسط. تقول سرور: «عرضت عليها دفع النفقات الدراسية فرفضت لشعورها بالحرج فأقسمت لها إن الأمر سيبقى بيننا ولن يطلع عليه أحد، ثم انتهت القصة بأن تخرجنا معاً». ويقوم بعض الأساتذة بخطوات مشابهة لدعم طلابهم المعوزين الذين يلمسون لديهم تفوقاً أو حباً للدراسة. ويقوم أحد أساتذة الجامعة المستنصرية بتخصيص مبلغ سنوي من المال لدفع قسط أحد طلابه. وخصص المبلغ هذا العام لطالب يعمل في كشك لبيع الشاي ليعيل عائلته ولم يتمكن من دفع تكاليف الجامعة. ويقول الأستاذ الذي فضّل عدم ذكر اسمه: «من خلال صلتي المباشرة بطلاب الدراسة المسائية وجدت أن شريحة واسعة منهم يتغيبون بسبب انشغالهم بالعمل لتأمين مصاريف الدراسة وحتى لقمة العيش». ويؤكد أن طلاب الكليات ينقسمون الى ثلاث فئات الأولى غنية جداً يركب أبناؤها السيارات الحديثة ويتباهون بما لديهم، والثانية متوسطة، فيما الثالثة معدمة وبالكاد تؤمن كلفة النقل والملابس. وعن معدل المصروف اليومي للطلاب يوضح الأستاذ «إن غالبية طلاب بغداد وخصوصاً الإناث انضمت الى خطوط نقل جماعية من مناطق سكنها الى الجامعات لقاء ما يعادل 60 دولاراً شهرياً، أما طلاب المناطق المحيطة ببغداد فيدفعون ضعف هذا المبلغ للوصول الى الجامعة». وفي شأن المعلومات عن قيام بعض الأحزاب بتقديم مساعدات مالية للطلاب يقول: «هذا الأمر غير صحيح فلا وجود لأي مساعدة من الأحزاب أو المنظمات أو أي جهة أخرى سوى قيام منظمات علمية بتأمين رواتب شهرية ثابتة للعشرة الأوائل في كل قسم أو كلية لكنها مبالغ محدودة جداً». وأعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عن استراتيجية جديدة لتحديد مشكلات الجامعات العراقية وتتضمن مجموعة من المحاور من بينها إطلاق السلف المالية للطلاب المتعففين، ومعالجة وضع الأقسام الداخلية من خلال تغيير الآلية الحالية وتحويلها إلى شركات مختصة، وتوفير سكن وبيئة تليق بالأستاذ الجامعي. وطبقا للخطة ستتم دراسة واقع التعليم في جامعات كردستان وإيجاد آليات لزيادة التفاعل بينها وبين بقية الجامعات العراقية، وإدخال الجانب الاستثماري في مجال التعليم من خلال توافق مخرجات وزارة التعليم مع القطاع الخاص وسوق العمل، وخلق التوازن الجغرافي والسكاني في البعثات والزمالة الدراسية، وتأسيس شبكة للمعلومات العلمية والأمنية تساعد في الكشف عن التزوير والمخالفات القانونية، فضلاً عن ضمان حصة العنصر النسائي من التعيينات في وزارة التعليم. ويضم قطاع التعليم العالي في العراق 25 جامعة حكومية و14 أهلية، فضلاً عن هيئة المعاهد التقنية والكليات الإسلامية فيما يصل عدد الطلاب الجامعيين إلى 700 ألف طالب وطالبة طبقاً لآخر إحصاءات الوزارة.