يشير بيتر سكوتسديل، وهو سفير كندي سابق وأستاذ للعلاقات الدولية في جامعة كاليفورنيا إلى أن التغطيات الرسمية والإعلامية الأميركية لهجمات الجمرة الخبيثة تتسم بقدر من الغموض. ولا يعود ذلك، في رأيه، إلى نقص في المعلومات عن التركيب الجيني للجرثومة المسببة للمرض، وانما الى جهود مكثفة يقودها نائب وزير الدفاع بول وولفوويتز وجيمس وولزي المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية وريتشارد بيرل وغيرهم. ويسعى هؤلاء الى التمهيد لاتهام العراق رسميا بالمسؤولية عن هذه الهجمات، ومن ثم توفير الذريعة الملائمة لشن هجوم شامل على العراق ينتهي بإسقاط نظام الرئيس صدام حسين. ويعزز بعض التقارير المنشورة أخيرا وجهة النظر هذه، إذ أشارت صحيفة "واشنطن بوست" أول من أمس الى أن الفحوص التي أُجريت على التركيب الجيني لجرثومة الجمرة الخبيثة التي وصلت الى مكتب السناتور توم داشل تكشف، بما لا يدع مجالا للشك، أن الجرثومة تمت معالجتها بمادة كيماوية معقدة التركيب والتصنيع، على نحو يسمح ببقائها معلقة في الهواء مما يسهل عملية استنشاقها ويزيد من خطورتها. وذكرت الصحيفة ان هذا النوع لا يمكن إنتاجه سوى في معامل ثلاثة بلدان هي أميركا والاتحاد السوفياتي السابق والعراق. وعلى رغم أن الصحيفة أوردت رأياً لمسؤول حكومي كبير قريب الى التحقيقات يستبعد فيه أن يكون العراق مصدر الجرثومة لكنها شدّدت على استحالة إنتاج هذه الجرثومة وعلى هذا النحو في معمل جامعي أو في معمل بسيط ، ملمحة إلى ضرورة عدم استبعاد العراق من لائحة المتهمين. ويري سكوتسديل في تحليله ان الموقف "الغامض" قصدا من الجرثومة مرتبط إلى حد كبير بالصراع الذي ما زال مستمرا بين صقور يريدون توسيع مادة الحرب وبين آخرين معتدلين يريدون أن تقتصر العمليات على أفغانستان حتى اسقاط نظام "طالبان" والقضاء على تنظيم "القاعدة". ومن المعروف أن وزير الخارجية كولن باول ونائب الرئيس ديك تشيني يريان ضرورة عدم توسيع نطاق الحرب في الوقت الراهن على الأقل حفاظا على تماسك التحالف الدولي. غير أن سكوتسديل يشير، بناء على معلومات دقيقة متوافرة لديه، إلى "أن الهدف الأساسي المباشر لتجمع وولفويتز هو توسيع نطاق الحرب بغزو العراق واحتلال حقول النفط القريبة من البصرة. ويعرف هذا التجمع أن مثل هذه الخطوة ستقوّض الإجماع الذي يقوم عليه الائتلاف المعادي للإرهاب. وهم على استعداد لقبول هذا الثمن، بل يتطلعون لدفعه". ويقول إن عدداً متزايداً من خبراء الدفاع في البنتاغون وفي وكالة الاستخبارات المركزية باتوا متحمسين لضرب العراق أكثر من أي وقت مضى. ويشددون على الجرثومة الخبيثة بوصفها توّفر الذريعة والحجة الملائمة. وتسندهم في ذلك جوقة من الإعلاميين والصحافيين يأتي في مقدمهم مايكل بارون من مجلة "يو. أس. نيوز أند وورلد ريبورت"، وويليام سافير وجوديث ميللر من صحيفة "نيو يورك تايمز" ولاري كينغ صاحب البرنامج التلفزيوني الذي تقدمه شبكة "سي. ان. ان"، وجيمس وولزي الذي يبدو وكأنه المنسق العام لهذه الحملة. ولا يشير سكوتسديل إلى مواقف وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في الأيام الأخيرة. فالوزير الذي تباعدت مواقفه بعض الشيء في فترة سابقة عن مواقف هذا التجمع، بدأ يعود الى الاقتراب منه على نحو صريح ومباشر، اذ صرح أخيراً: "ليس هناك تحالف وحيد في هذه الحملة... بدلا من ذلك ينبغي أن يكون هناك عدد من التحالفات المرنة التي ستتغير وتتطور... إن الهدف هو الذي يحدد التحالف ولا يجب أن يحدد التحالف الهدف". ورحبت صحيفة "واشنطن بوست" بهذا التصريح في مقال افتتاحي الأحد الماضي، واعتبرته دليلا على يقظة أميركية آخذة في التبلور في أعقاب قمة شنغهاي حيث طالب الرئيس الصيني جيانغ زيمين وغيره بدور رئيسي للأمم المتحدة . ومضت الصحيفة تقول إن ما تطرحه بعض الدول عن ضرورة الحفاظ على التحالف الدولي، "وإخضاع أي عمل ضد الإرهاب لهذا الهدف هو وصفة للشلل يقدمها أولئك الذين يعارضون أي خطوة قوية خارج أفغانستان... على الولاياتالمتحدة إن أرادت أن تنجح في حربها ضد الإرهاب أن تعمل بشكل خلاّق لتجاوز التحالف الراهن". وتخلص الصحيفة إلى "أن واشنطن ملزمة في الفترة المقبلة تفادي الأخطاء التي أُرتكبت أيام التحالف ضد العراق والتي قّيدت حركتها الديبلوماسية والعسكرية وسمحت لصدام بالبقاء في السلطة حتى الآن".