تتخذ الولاياتالمتحدة اجراءات صارمة ضد تبييض الاموال على صعيد عالمي، في مسعى لتفكيك المرتكزات المالية للارهاب الدولي. لكن فرض قيود عالمية أشد صرامة على القطاع المصرفي، وتشديد الرقابة في القطاع المالي، يمكن ان يعطيا عكس النتائج المرجوة، ويطلقا فضائح فساد حول العالم. كما ان مزيداً من الشفافية وفرض تطبيق القانون سيدفعان التنظيمات الارهابية ومهربي المخدرات وشبكات الجريمة الى تعزيز التعاون في ما بينها، وانشاء شبكات اكثر إبهاماً لتبييض الاموال. صادق الرئيس الأميركي جورج بوش في 26 تشرين الاول اكتوبر الماضي على قانون شامل لمكافحة الارهاب، سيشدد القيود على الشبكات المصرفية والمالية ويوسّع التحقيقات في حلقات تبييض الأموال، التي يعتقد ان منفذي اعتداءات 11 أيلول سبتمبر استخدموها. وبجعل تبييض الأموال غير المشروعة عبر المؤسسات الغربية اكثر صعوبة. لكن فرض مزيد من القيود على المصارف الاميركية - بالتالي على المصارف الأجنبية - قد يغير في شكل جذري معالم قطاع المال العالمي. فاجراء تحقيق بقيادة الولاياتالمتحدة في تبييض الأموال على الصعيد العالمي، يمكن ان يكشف الفساد في اوساط الاعمال والحكومات حول العالم. كما ان هذه الاجراءات ستدفع المتورطين بالنشاط غير المشروع الى مزيد من السرية. وقد تترتب على النتيجتين آثار بعيدة المدى. فالضوابط المصرفية الأكثر صرامة ستؤدي، على سبيل المثال، الى تعقيد التعاملات المالية العالمية. والمطالبة المتزايدة بالشفافية في الولاياتالمتحدة قد تدفع المصارف الأجنبية إلى البحث عن بدائل للتمويل الأميركي، وتؤدي الى خفض حصة القطاع المصرفي الأميركي في السوق العالمية. وقد تُضطر شركات مثل "سيتي بانك" و"بانك اوف اميركا" إلى تنفيذ القوانين المصرفية الجديدة التي يمكن ان تلقى مقاومة من شركات أجنبية، مما سيؤدي إلى دق اسفين بين أسواق المال الأميركية والأجنبية. ومن منظور آخر، يمكن تشديد القيود على تبييض الأموال في البلدان الغربية، ان يتسبب في تصاعد الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات في الدول التي تمتاز بقوانين مصرفية اقل شفافية. كما يرجح أن يؤدي إلى زيادة استخدام انظمة التعاملات غير الرسمية، مثل نظام الحوالة المالية الذي يحظى بشعبية في جنوب آسيا والشرق الاوسط. والأرجح ان التنظيمات المحظورة، مثل المنظمات الارهابية، ستوسع تعاونها مع عصابات اجرامية اخرى - بما فيها جماعات الجريمة المنظمة وتهريب الأسلحة - لتفادي المساعي الأكثر تشدداً لفرض القانون. وبالتالي، كل منظمة ستضيف طبقات جديدة من الحماية كي تصون موجوداتها وتحميها من بعضها بعضاً، حتى في الوقت الذي تتبادل فيه الاستفادة من "حيل المهنة" لدى كل منها. لكن التعاون الأوثق قد يصبح ذا فائدة لأجهزة الأمن. فالترابط بين الجماعات الاجرامية عبر موجوداتها، سيشكل خطراً كامناً على بعضها بعضاً: عندما تُكشف احداها في مجرى تحقيق ما، ستكشف جماعات أخرى. قانون مكافحة الارهاب الجديد سيعقّد التعاملات بين الولاياتالمتحدة والمصارف الأجنبية. مثلاً، يحظر القانون الجديد على المصارف الاميركية التعامل مع المصارف الهيكلية، التي لا تحتفظ بفروع. كما يقضي برقابة أشد وشفافية أكبر بالنسبة إلى المعلومات عن المودعين في المصارف الاجنبية. ويعطي القانون وزارة الخزانة الاميركية صلاحيات واسعة لاستهداف بلدان أو مصارف، تعتبر متهاونة ازاء تبييض الأموال. أموال الإرهابيين وتبتكر واشنطن وسائل جديدة لتتبع الموجودات المالية للارهابيين المفترضين. وعقد فريق عمل متعدد الجنسية، يضم ممثلين من اليابان والمملكة المتحدة وأميركا، اجتماعاً طارئاً في 29 تشرين الأول اكتوبر في واشنطن، للتوصل الى سبل لعرقلة نشاط الشبكات المالية لجماعات ارهابية. وادرج فريق العمل - الذي يعتبر جزءاً من "مؤسسة التعاون والتنمية الأوروبية" - على اللائحة السوداء 17 بلداً تعتبر متهاونة في ما يتعلق بتبييض الاموال. بينها مصر وغواتيمالا وهنغاريا واندونيسيا واسرائيل ولبنان ونيجيريا والفيليبين وروسيا وناورو. إلى ذلك، تتقارب جماعات المتمردين وكارتلات مهربي المخدرات ومؤسسات الجريمة المنظمة حول العالم. وأدت عولمة الاقتصاد خلال العقد الماضي إلى تشديد الضغوط على الحكومات لمكافحة الفساد وتبني الشفافية. ومن الأمثلة أن "دولاً مارقة" مثل إيران وليبيا وكوريا الشمالية بموجب التصنيف الأميركي، تراجعت عن التأييد المكشوف ل"الإرهاب"، وفرضت اجراءات مشددة على تجارة المخدرات وتهريب الاسلحة. وفي 1999، سلّمت ليبيا اثنين من مواطنيها يشتبه في انهما نفذا تفجير طائرة "بان اميركان" في 1988، وهي خطوة أدت في النهاية الى تعليق العقوبات الدولية. وفي ايران، استنكر الرئيس محمد خاتمي الإرهاب مرات. ويرجح أنه كان وراء التراجع الظاهري للدعم الايراني لجماعات متطرفة في الشرق الاوسط. ولأنه لم يعد بامكان الجماعات السرية ان تتوجه الى مؤسسات تابعة لدول، لتسهيل تبييض الأموال، أصبحت تعتمد على نفسها في شكل متزايد. وانشأ كثير منها شبكات مالية خاصة به. ومعروف ان لدى اسامة بن لادن استثمارات في مشاريع تجارية في شرق افريقيا، بينها مصارف، كما يقول مسؤولون أميركيون. تحديات للأجهزة الأمنية والساسة هذا الاعتماد على الذات وانتشار الموجودات يخلقان تحديات للاجهزة الامنية التي تخضع لقيود تتعلق بالسلطات القضائية، وقيود اخرى لا تلزم لاعبين خارج اطار الدولة مثل تنظيم "القاعدة" او تجار المخدرات في كولومبيا او مهربي الاسلحة في شرق افريقيا. وتثير مكافحة تبييض الأموال على مستوى عالمي مجموعة من الصعوبات، بالنسبة إلى الحكومات، بما في ذلك احتمال توريط رجال اعمال او سياسيين بارزين في فضائح. إذ تكشف التحقيقات الجنائية المحلية غالباً مجرمين غير متوقعين. وفي البرازيل أدت حملة متواصلة على الفساد إلى فضائح، وصلت آثارها الى الرئاسة. وفي فرنسا توصلت تحقيقات الى ربط شخصيات بارزة في مجال الأعمال والحكومة، بصفقات لتهريب أسلحة. تاريخياً، لم تنجح قوانين مكافحة تبييض الأموال لأسباب، بينها رغبة حكومات في حماية الحياة الخاصة لمواطنين اثرياء. ولن يتغير هذا الوضع، حتى بتوسيع جهود الولاياتالمتحدة لكشف الاموال ذات الصلة بتنظيم "القاعدة". وقد تقدم حكومات منفردة الدعم رسمياً للولايات المتحدة، ولكن لن يكون هناك ما يوازي هذا الدعم من نخب الأعمال في دول كثيرة. وبين الصعوبات الاخرى نمو شبكات مبهمة. إذ سيزداد استخدام شبكات التحويلات المالية، خصوصاً في جنوب آسيا والشرق الاوسط، مما سيزيد تعقيد مساعي تتبع الموارد المالية للإرهابيين المفترضين. * خاص ب"الحياة" بإذن خاص من Stratfor. com حقوق النشر محفوظة ل c 2001 stratfor.com All Rights reserved