فقيه للرعاية الصحية تحقق 195.3 مليون ريال صافي ربح في أول 9 أشهر من 2024 بنسبة نمو 49%    البنك الأهلي السعودي يطلق محفظة تمويلية بقيمة 3 مليارات ريال خلال بيبان24    القبض على يمني لتهريبه (170) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    حاكم الشارقة يفتتح الدورة ال 43 من معرض الشارقةالدولي للكتاب    الأمير محمد بن عبدالعزيز يدشّن فعاليات مهرجان شتاء جازان 2025    بانسجام عالمي.. السعودية ملتقىً حيويًا لكل المقيمين فيها    "ماونتن ڤيو " المصرية تدخل السوق العقاري السعودي بالشراكة مع "مايا العقارية ".. وتستعد لإطلاق أول مشاريعها في الرياض    إيلون ماسك يحصل على "مفتاح البيت الأبيض" كيف سيستفيد من نفوذه؟    "البحر الأحمر السينمائي الدولي" يكشف عن أفلام "روائع عربية" للعام 2024    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    الطائرة الإغاثية السعودية ال 20 تصل إلى لبنان    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير منطقة الباحة يستقبل الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للأرصاد    محافظ جدة يشرف أفراح آل بابلغوم وآل ناصر    «الإحصاء»: ارتفاع عدد ركاب السكك الحديدية 33% والنقل العام 176%    السعودية بصدد إطلاق مبادرة للذكاء الاصطناعي ب 100 مليار دولار    إصابة فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحام بلدة اليامون    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    الذهب يقترب من أدنى مستوى في أكثر من 3 أسابيع    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    العام الثقافي السعودي الصيني 2025    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    ترمب.. صيّاد الفرص الضائعة!    ترمب.. ولاية ثانية مختلفة    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    قصص مرعبة بسبب المقالي الهوائية تثير قلق بريطانيا    صمت وحزن في معسكر هاريس.. وتبخر حلم الديمقراطيين    «البيئة» تحذّر من بيع مخططات على الأراضي الزراعية    الاتحاد يصطدم بالعروبة.. والشباب يتحدى الخلود    هل يظهر سعود للمرة الثالثة في «الدوري الأوروبي» ؟    «بنان».. سفير ثقافي لحِرف الأجداد    اللسان العربي في خطر    الإصابات تضرب مفاصل «الفرسان» قبل مواجهة ضمك    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    الجلوس المطوّل.. خطر جديد على صحة جيل الألفية    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الإصابة تغيب نيمار شهرين    التعاون يتغلب على ألتين أسير    الدراما والواقع    يتحدث بطلاقة    سيادة القانون ركيزة أساسية لازدهار الدول    التعاطي مع الواقع    درّاجات إسعافية تُنقذ حياة سبعيني    العين الإماراتي يقيل كريسبو    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"القاعدة" في السودان تحولت "عالمية" ... ومزارعها قسم للزراعة وآخر للتدرب 3 . بن لادن : لسنا في السودان لنقوم بتجارة ... ندعم الحكومة فتدعم جماعتنا
نشر في الحياة يوم 06 - 10 - 2001

بعدما عرضت الحلقة السابقة انتقال اسامة بن لادن من المملكة العربية السعودية الى أفغانستان بداية التسعينات، تتناول حلقة اليوم الفترة التي قضاها في السودان.
أمضى أسامة بن لادن في السودان واحدة من أهم الفترات في حياته. إذ استطاع هناك مواصلة إعداد مقاتليه إعداداً عسكرياً في مزارع كان يديرها في مناطق سودانية. كما أتاح له وجوده في هذه الدولة وعلاقته مع كبار المسؤولين فيها، البقاء قريباً من أحداث المنطقة، خصوصاً في الخليج، والقرن الإفريقي، ومصر ودول المغرب العربي.
يقول "المرصد الإسلامي" في تقريره عن إبن لادن: كان التوجه الى السودان أحد الخيارات المطروحة أمام أسامة، ليس لأنه سيكون قاعدة جديدة لمشروع جديد، ولكن لأنه سمع الكثير عن هذه الدولة التي بدأ الإسلاميون يتحدثون عن حماستها للإسلام والمسلمين، وحرصها على تطبيق مشروع إسلامي. وظن انه يستطيع ان يقدّم شيئاً الى هذه الدولة من خلال قدراته التجارية والانشائية وعلاقاته في الخليج، فضلاً عن انها تؤمن ملاذاً له بديلاً من أفغانستان.
توجه الى السودان بطائرة خاصة وفي رحلة سرية. كان ذلك نهاية 1991. اصطحب معه بعض رفاقه، في حين لحق به آخرون بطرق أخرى. أحسنت الحكومة السودانية وفادته. لكنه في تلك الفترة لم يكن بحاجة الى أي دعم مادي لأن أمواله كانت لا تزال تحت سيطرته وتمكن في شكل طبيعي من نقل جزء من أرصدته ومعداته الى السودان. لم يساهم في "أي عمل عسكري" في هذا البلد، لكنه ساهم بقوة في مشاريع طرق وانشاءات ومزارع وغيرها، وكان أشهرها "طريق التحدي" من الخرطوم الى بورتسودان.
يروي السوداني جمال أحمد الفضل في شهادته أمام محكمة مانهاتن الفيديرالية في نيويورك ان أسامة بن لادن - الذي قُدّرت ثروته ب 300 مليون دولار - أقام في السودان علاقات جيدة، أمنية وتجارية، مع حكومة الرئيس عمر البشير وزعيم الجبهة القومية الإسلامية الدكتور حسن الترابي. لم يكن الزعيمان حينها قد افترقا
ويشرح طريقة انتقال "القاعدة" من أفغانستان الى السودان، فيقول ان قادة "القاعدة" بدأوا يدرسون جدياً الانتقال الى الخرطوم في 1990، بعدما رأوا الانقلاب على حكومتها المنتخبة بقيادة السيد الصادق المهدي، وتولي إسلاميين على رأسهم الترابي السلطة بالتعاون مع قادة إسلاميين في القوات المسلحة، على رأسهم الفريق البشير. كان الإنقلاب حصل قبل نحو سنة، نهاية حزيران يونيو 1989.
ويضيف "ابو بكر السوداني" انه سمع نقاشاً في احد معسكرات "القاعدة" بين ابو عبيدة العراقي وأيوب العراقي وأبو فضل العراقي وابو أُنيس السعودي وأبو حسن السوداني اسمه الحقيقي علي هارون، يدور حول "التغيير في الحكومة في السودان ومجيء الجبهة القومية الإسلامية الى السلطة"، وكيف ان ذلك التغيير و"الانتقال الى السودان سيكون أفضل ل "القاعدة" لأننا سنكون قريبين الى الدول العربية". لكن بعض الحاضرين رد داعياً الى الحذر وعدم التسرّع قبل معرفة حقيقة الحكومة الجديدة وسياستها.
وعلى هذا الأساس، أرسل أسامة بن لادن الى الخرطوم وفداً ل "استجلاء الوضع"، ضم أربعة من القريبين اليه هم: ابو همام السعودي وابو هاجر العراقي وابو حسن السوداني وابو رضا السوري. التقى الأربعة عدداً من المسؤولين وعادوا الى أفغانستان لإعداد تقرير عن حصيلة لقاءاتهم. وفي ضوء هذه الزيارة، عُقد لقاء في مخيّم الفاروق في خوست، حضره الوفد الزائر للخرطوم وقادة في "القاعدة". وينقل أبو بكر السوداني عن "أبو هاجر العراقي" اسمه الحقيقي ممدوح سليم قوله في ذلك اللقاء ان الاجتماعات مع الجبهة القومية في الخرطوم كانت "مفيدة جداً" وان الجبهة "سعيدة بعلاقتها مع القاعدة وإمكان انتقال التنظيم الى السودان"، وانه جلب معه كُتباً للدكتور الترابي. ويضيف ان بعض الحاضرين طرح تساؤلات عن الأخير و"كيف يمكن الوثوق به" بسبب تلقيه تعليماً في جامعات غربية بينها جامعة السوربون في باريس. رد "أبو هاجر" - كما يروي الشاهد السوداني - أن الترابي "عالم إسلامي" و"حافظ للقرآن" ويعرف الكثير الكثير عن الشريعة الإسلامية وأحكامها و"له 40 سنة في الدعوة".
ويبدو ان قادة "القاعدة" أخذوا في النهاية بفحوى تقرير وفد ابن لادن، ووافقوا على الانتقال من افغانستان الى السودان، وهو أمر بدأ نهاية 1990 ومطلع 1991.
مزراع وشركات
بدأت عملية الانتقال بمجيء أعضاء في "القاعدة" تولوا شراء أو استئجار بيوت للوافدين وعائلاتهم، ومزارع للتجارة والتدرب على الأسلحة. المزرعة الأولى التي اشتراها تنظيم "القاعدة" كانت في شمال العاصمة الخرطوم، كلّفت 250 الف دولار وكانت مخصصة ل "جماعة الجهاد" المصرية. المزرعة الثانية التي اشتراها التنظيم كانت مزرعة ملح في بورتسودان، على بعد 1100 كلم من الخرطوم. كانت مساحتها 40 فداناً وكلّفت 180 الف دولار.
مع مجيء ابن لادن نفسه الى السودان، بدأ تنظيم "القاعدة" يوسّع نشاطه في شكل لافت. إذ أنشأ عدداً كبيراً من الشركات، ستكون لاحقاً محور جدل واسع حول حقيقة الهدف منها. ففي حين تقول أجهزة استخبارات غربية وعربية انها كانت "واجهات" لتسهيل عمل "القاعدة" وأعضاء التنظيم، يقول مناصرون لإبن لادن ان في ذلك تضيخماً لدور الشركات والعاملين فيها، إذ ان كثيرين من هؤلاء لم يكن لهم سوى دور تجاري بحت يقتاتون منه. ولم يكن يعرف الدور السري لبعض الموظفين في الشركات.
في أي حال، أيّاً كانت حقيقة هذه الشركات، "واجهات" أم مجرّد مؤسسات تجارية، فإن الثابت ان ابن لادن أشرف خلال سنوات قليلة على شبكة واسعة من المؤسسات ذات الوظائف المختلفة. شركة "وادي العقيق" كانت الأولى له في السودان ويُطلق عليها "أم الشركات". وتفيد أوراق قضائية أميركية انه أسس بعد "وادي العقيق" "شركة لادن العالمية"، وهي تُعنى بالتصدير والاستيراد، ثم شركة "طابا انفستمنت" طابا للاستثمار التي تُتاجر بالبضائع المحلّية في السودان وكانت تُحوّل أرباحها من الجنيه السوداني المنخفض باستمرار الى الدولار أو الجنيه الاسترليني. ثم أسس شركة "هجرة للبناء" وهي تُعنى بالمقاولات، خصوصاً بناء الطرق والجسور. بين الطرق التي عبّدتها طريق طوله 83 ميلاً بين الدمازين ومدينة الكرمك.
كذلك أنشأ إبن لادن شركة أخرى أطلق عليها "قدرات للنقل"، وشركة "الثمار المباركة" التي تدير نشاطها من مزرعة ضخمة في الدمازين، حجمها 50 الف فدان. وكانت تتولى الاتجار بمزروعاتها في الدمازين وعلى رأسها السمسم والذرة البيضاء والفستق. لكن تلك الزراعات كانت فقط جزءاً مما يحصل في المزرعة، إذ ان جزءاً مُحدداً منها كان مُخصصاً لعمليات التدرب على الأسلحة والمتفجرات. ومن بين الذين نشطول في هذا المجال المصريون "سيف الإسلام" و"سيف العدل" و"سالم المصري" والسوداني "أبو طلحة".
واشترى تنظيم إبن لادن شركة دبوغ جلود في الخرطوم، لكن شراءها لم يكن كما يبدو جزءاً من خطة مالية اتبعها. إذ يُقال انه اشتراها في 1993 فقط عندما عجزت الحكومة عن تسديد مبلغ مستحق عليها له، نتيجة بناء شركته "هجرة للبناء" توظّف 600 شخص "طريق التحدي" الذي يصل الخرطوم بمنطقة بورتسودان على البحر الأحمر. وعرضت حكومة الجبهة القومية عليه هذه الشركة كجزء من المبلغ المستحق.
ولكن لا يبدو ان تجارة إبن لادن في السودان كانت مربحة. إذ يقول "ابو بكر السوداني" انه اجتمع مرة مع زعيم "القاعدة" و"أبو رضا السوري" في "بيت الضيافة الكبير" في الخرطوم، وتناول الحديث إنخفاض قيمة الجنيه السوداني في مقابل الدولار. وينقل عن ابن لادن: "إن أجندتنا مشروعنا أكبر من التجارة. لسنا هنا لنقوم بتجارة، بل نحتاج الى ان نقدّم دعماً للحكومة التي ستساعد جماعتنا. هذا هو هدفنا".
دعم عسكري متبادل
تمثّل دعم ابن لادن لحكومة الخرطوم في أوجه عدة، منها شراؤه أجهزة اتصال سلكية ولاسكلية ورشاشات كلاشنيكوف لقوات "الدفاع الشعبي" التي أنشأتها الجبهة القومية، وتضم طلاب المدارس العليا والجامعات الذين يُرسلون في بعض الأحيان، بعد تلقيهم دروساً قتالية، الى جبهات القتال ضد المتمردين في جنوب البلاد.
كذلك كان تنظيم "القاعدة" يشتري أجهزة اتصالات متطورة من خلال الجيش السوداني. وحصل ابن لادن نفسه على جهاز اتصال ساتالايت من المانيا ثمنه 80 الف دولار. كذلك أقام علاقات وثيقة مع أجهزة الأمن، ومن أوجه ذلك التعاون مكتب الارتباط بين الطرفين، وكان هدفه تحديد هوية العرب الآتين الى السودان، بعدما فتح أبوابه لهم من دون تأشيرات. وكان السودانيون يخشون ان يأتي بعض هؤلاء الى بلادهم بحجة انه من الإسلاميين الذين تدرّبوا في أفغانستان وانه مُضطهد في بلده إذا عاد، في حين ان الحقيقة هي انه عميل لإحدى أجهزة الاستخبارات العربية التي تُحاول معرفة حقيقة نشاط المعارضين الإسلاميين في "المزارع السودانية". لذلك، كان الأمن السوداني يطلب من "القاعدة" التحقق من هوية زائر ما، وحقيقة دوره في أفغانستان.
ولم يكن سراً ان السودانيين يريدون استخدام ورقة ابن لادن والمعارضين الإسلاميين في خلافهم مع بعض الدول العربية. ففي تلك الفترة، كانت علاقة الحكومة السودانية بالغة السوء مع حكومة الرئيس حسني مبارك، وكانت أجهزة الأمن المصرية على علم وثيق بحقيقة ما يحصل في "المزارع" وعمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود، وبينها عمليتا تهريب أسلحة ل "جماعة الجهاد" في قوافل من الجمال عبرت الحدود باتجاه اسوان.
توطيد علاقات
وعالمية "القاعدة"
وطّد أسامة بن لادن، خلال وجوده في السودان، علاقته بكثير من الجماعات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي. ويبدو ان تلك الفترة كانت فترة تكريس "عالمية القاعدة". ففكرة تكوين جماعة مسلحة لا انتماء مناطقياً لها، تجمع المشاركين في الجهاد الأفغاني من أي دولة جاؤوا، ظهرت في أفغانستان لكنها لم تتكرس سوى في السودان. هناك وثّق إبن لادن صلته بالجماعات المسلحة الناشطة في الدول العربية. كانت علاقته بالغة الخصوصية مع المصريين، تحديداً أعضاء "جماعة الجهاد". وشكّل هؤلاء العمود الفقري ل "القاعدة" منذ نشأة هذا التنظيم، إذ كان بينهم "ابو عبيدة البنشيري" اسمه الحقيقي علي الرشيدي، وهو شرطي مصري سابق و"ابو حفص المصري" محمد عاطف و"سيف العدل" و"سيف الإسلام المصري" و"سالم المصري". كذلك تأثر إبن لادن بمنظري "جماعة الجهاد" وعلى رأسهم الدكتور فضل سيد فضل إمام صاحب كتاب "الجامع في طلب العلم الشريف" والدكتور عبدالمعز أيمن الظواهري الذي حلّ لاحقاً محل الأول على رأس "جماعة الجهاد".
كذلك بنى إبن لادن علاقات مهمة مع تنظيم "الجماعة الإسلامية" بقيادة الشيخ عمر عبدالرحمن. ويقول شهود للإدعاء الأميركي ان السيد أبو ياسر رفاعي طه كان ممثل "الجماعة" في "القاعدة". ويُزعم أيضاً ان كثيرين من قادتها، وعلى رأسهم مسؤول مجلس الشورى حالياً السيد مصطفى حمزة، كانوا يعملون لدى شركات ابن لادن في السودان. وحمزة هو الذي قاد محاولة الإغتيال الفاشلة التي تعرّض لها الرئيس حسني مبارك في اديس ابابا في حزيران يونيو 1995، ويعيش الآن في أفغانستان ومن مؤيدي وقف العمليات المسلحة، في حين يعارض رفاعي طه هذا النهج.
كذلك وطّد ابن لادن علاقته ب "الجماعة الإسلامية المسلحة" في الجزائر. وكان أحد مؤسسي هذه الجماعة قاري السعيد الذي كان عضواً في مجلس شورى "القاعدة"، ويحظى بثقة واحترام واسعين منذ أيام مشاركته في الجهاد الأفغاني. وكان وراء ظهور النواة الأولى ل "الجماعة" الجزائرية بعدما عاد سراً الى بلاده واقنع السلفيين بالتوحد مع جماعات جهادية و"الأفغان". وقد اعتُقل في 1992 وسجُن في تازولت باتنة، شرق الجزائر، ثم نجح في الفرار في عملية الهروب الواسعة بداية 1994 وشارك في عملية انضمام فريق كبير من الجبهة الإسلامية للإنقاذ الى "الجماعة المسلحة" في ايار مايو 1994. وقُتل في معركة في باتنة، صيف ذلك العام.
بنى إبن لادن في ليبيا علاقة جيدة مع ليبيين شاركوا في الجهاد الأفغاني وشكّلوا لاحقاً، في 1995، تنظيم "الجماعة الليبية المقاتلة". وغضب منه بعض أعضائها، نهاية 1995، عندما خضع لرغبة الحكومة السودانية في الطلب منهم مغادرة السودان. وكان الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي مارس ضغوطاً واسعة على حكومة الرئيس البشير لتسليم قادة "الجماعة المقاتلة". وفضّل الأخير ان يسلك طريقاً وسطاً: لم يُسلّم الليبيين الى بلادهم واكتفى بمنحهم مهلة لمغادرة السودان مهدداً من يرفضها بتسليمه. وتولى ابن لادن تقديم مبلغ من المال الى الموافقين على الخروج، وزودهم ثمن تذاكر سفر، وانتقل بعضهم الى بريطانيا.
كذلك أقام ابن لادن علاقات مع سلفيين وجهاديين تونسيين، ولكن كانت له تحفظّات عن "حركة النهضة" التي كان تنظيم "القاعدة" يرى ان فكرها ليس إسلامياً صحيحاً، خصوصاً لجهة قبولها بعض أوجه الديموقراطية وتداول السلطة من خلال انتخابات.
وفي المشرق العربي، كانت لإبن لادن علاقات مع سوريين وقدّم اليهم أموالاً بغية ترتيب أوضاعهم وتشكيل جماعة مسلحة تعمل ضد النظام. لكن هذه الجماعة لم تُبصر النور. أما في لبنان، فيروى انه أقام علاقات مع جماعات تنشط خصوصاً في منطقة الشمال طرابلس والضنية ومنطقة الجنوب صيدا وضواحيها. وكان زعيم جماعته هناك يُعرف باسم "اسامة اللبناني". كذلك قدّم مساعدات الى كثير من الجماعات الإسلامية حول العالم، بينها "جبهة مورو" في الفيليبين، وحزب النهضة في طاجيكستان، وجماعة الشيخ فضل الرحمن في باكستان.
شراء يورانيوم
بين أخطر ما حاول تنظيم ابن لادن القيام به في السودان هو ما يتردد عن محاولته شراء "يورانيوم" عام 1994. ويقول أحمد الفضل السوداني انه تولى شخصياً جزءاً من هذه المهمة التي شارك فيها عدد من القريبين من إبن لادن، بينهم "ابو فضل المكي" و"ابو هاجر العراقي" و"ابو دجانة" و"ابو عبدالله اليمني" و"ابو رضا السوري". ويضيف الفضل ايضاً ان مادة اليورانيوم كانت متوافرة لدى وزير سوداني سابق في عهد الرئيس جعفر النميري هو ضابط في الجيش وشخص آخر. ويروي "ابو بكر السوداني" ان مادة اليورانيوم عُرضت على تنظيم "القاعدة" بمبلغ مليون ونصف مليون دولار "إضافة الى عمولات" للمشاركين في الصفقة، وان عناصر من التنظيم ذهبوا لفحص المادة ومصدرها جنوب افريقيا، وجلبوا جهازاً من كينيا وفحصوها في منطقة "حلّة كوكو". ويضيف انه لا يعرف هل تمت الصفقة في النهاية، لكن مسؤولي "القاعدة" دفعوا له مبلغاً من المال عشرة آلاف دولار! في مقابل جهوده في ترتيب الاتصال بينهم وبين مالكي اليورانيوم.
علاقات مع ايران
ويُروى أيضاً ان ابن لادن بنى خلال وجوده في السودان علاقات مع الحكومة الايرانية التي زاره وفد منها ناقش معه أوضاع المسلمين في العالم وضرورة توحّدهم في مواجهة عدوهم الأساسي: الغرب. وتولى ابو هاجر العراقي مهمة الاتصال بالإيرانيين عبر مكتبهم في الخرطوم. ويبدو ان هذه العلاقة تطورت على رغم تحفظات بعض مسؤولي "القاعدة" عن العلاقة مع "دولة شيعية". إذ يزعم شهود إثبات للسلطات الأميركية ان "حزب الله" اللبناني درّب في معسكراته أعضاء في "القاعدة" على استخدام الاسلحة والمتفجرات. وكان بين الذين ذهبوا الى لبنان للمتابعة الاتصالات بالحزب الكثير من الاعضاء المصريين في "القاعدة".
أحداث الصومال
وخلال وجود ابن لادن في السودان جاء التدخل الأميركي في الصومال إثر المجاعة. فأرسل تنظيم "القاعدة" مسؤوله العسكري الثاني "أبو حفص المصري"، لإعداد تقرير عن الوضع هناك، فذهب وكتب. وينقل "ابو بكر السوداني" عن "ابو حفص" قوله إثر عودته من الصومال ان المهمة "لن تكون سهلة ولكن علينا ان نبدأ". كان ذلك في 1993.
ومثلما هو معروف تولى "أبو حفص" عملية إعداد الصوماليين لقتال القوات الأميركية التي وصفها إبن لادن في أحد اجتماعاته مع أنصاره بأنها "رأس الأفعى" التي تريد التمدد من الصومال للإحاطة بالعالم الإسلامي المجاور في السودان مثلاً والجزيرة. وفي 1993 تطورت المواجهات بين القوات الأميركية وفصائل صومالية يقودها فارح عيديد، وشاركت مجموعات تدعمها "القاعدة" في تلك المعارك التي قتل فيها كثيرون من الجنود الأميركيين وسُحلت جثثهم في شوارع مقديشو. أدى ذلك الى انهاء مهمة القوات الأميركية في الصومال، وسحبها الى سفن في عرض البحر قبل الانسحاب نهائياً.
اعتبر إبن لادن هدا الانسحاب نصراً. وكان في ذلك الوقت يُقدّم دعماً الى فصائل جهادية في اليمن ويمنيين توطدت علاقته بهم منذ ايام الجهاد الأفغاني. كما كانت له علاقة وثيقة في حضرموت نفسها التي تتحدر منها عائلته. وفي هذا الإطار، حاول أنصاره الهجوم على قوات أميركية كانت متوقفة في عدن في طريقها الى الصومال. ولم يُعرف الكثير عن تلك الحادثة آنذاك، ولكن تبيّن لاحقاً ان أحد المهاجمين فقد بعض أطرافه نتيجة التفجير الذي حاول القيام به ضد الأميركيين.
وعلى رغم ان علاقة ابن لادن كانت قوية بجماعة "الجهاد" اليمنية، إلا انها ضعفت بعد انتهاء "حرب الانفصال" في اليمن في 1994. إذ ان العلاقات في اليمن قبائلية الى حد كبير. ونجح الرئيس علي عبدالله صالح في ضم كثيرين من الجهاديين الى صفوف حزبه "المؤتمر الشعبي" ومنحهم مناصب وصرفهم عن سيرتهم السابقة، في حين انضم آخرون الى حزب التجمع اليمني للإصلاح بقيادة الشيخ عبدالله الأحمر والشيخ عبدالمجيد الزنداني زعيم السلفيين في اليمن.
طائرة بن لادن لنقل صواريخ "ستينغر" ... ورش مبيدات!
} في ما يأتي ملخص لبعض ما ورد في أقوال المصري عصام الريدي أمام محكمة مانهاتن في نيويورك حيث أدلى بشهادته في قضية تفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام، وهي تتناول تجنّده في الولايات المتحدة للقتال الى جانب "المجاهدين الأفغان"، وتُركّز على قصة طائرة أسامة بن لادن التي قادها من أميركا الى السودان.
وُلد عصام الريدي في القاهرة عام 1958، لكنه بقي خمس سنوات فقط في مصر قبل انتقاله الى الكويت حيث عاش 23 سنة. وتوجه في 1976 الى كراتشي لدرس الهندسة، لكنه لم يُكمل دراسته بسبب الاضطرابات الاجتماعية العنيفة إثر إعلان الاحكام العرفية في عهد ذوالفقار علي بوتو.
وقرر الريدي الانتقال الى اميركا لاكمال دراسته و"تحقيق رغبته" في ان يصبح طياراً. كان يدرس الهندسة الكهربائية في كراتشي، وعندما وصل الى تكساس عام 1979 درس الطيران في معهد "بوردمان" وتخرج منه وعاد الى الكويت. لكنه لم يجد عملاً، فرجع الى أميركا. والتقى في الولايات المتحدة الشيخ عبدالله عزام، بعدما كان التقاه للمرة الأولى خلال دراسته في باكستان. وكان الفلسطيني آنذاك استاذاً في المدرسة الإسلامية في إسلام آباد. اللقاء الجديد بينهما في أميركا حصل على هامش مؤتمر لمنظمة "مايا" رابطة الشباب الأميركي المسلم في 1982 او 1983، وتحدث فيه عزّام عن الجهاد في افغانستان معتبراً إياه "فرض عين" على المسلمين.
بعد مغادرة عزام مؤتمر "مايا" في تكساس، تواصلت الاتصالات بينه وبين الريدي وتناولت "كيفية مساعدة أفغانستان"، كما يروي المصري. في بداية 1983 انتقل الريدي الى بيشاور واسلام اباد في باكستان. نزل ليلة عند الشيخ عزام قبل انتقاله الى بيشاور للقاء عبد رب الرسول سياف أحد قادة المجاهدين. وسأل الشاب الوافد سياف هل من الضروري ان يبقى في بيشاور للمساعدة ام انه يمكن ان يُساعد من الولايات المتحدة، فأجابه ان بقاءه ضروري. فرد بأن خبرتيه الوحيدتين هما الطيران والسفر حول العالم. فقال له الزعيم الأفغاني ان مساهمته في الطيران ليست ممكنة، لأن "المجاهدين" الأفغان لم يكونوا يملكون سلاح طيران، ويمكنه ان يساعد في شحن بعض الأغراض لهم. وبقي الريدي في بيشاور 18 شهراً ساهم خلالها في شحن بعض الأغراض ل "المجاهدين" بينها: أجهزة غطس سكوبا، أجهزة تحديد بُعد الأشياء، مناظير وأجهزة رؤية ليلية، وأجهزة فيديو وبطاريات.
عاد عام 1985 الى آرلنغتون تكساس. لكنه بقي على اتصال مع "المجاهدين" وقدم اليهم مساعدات بينها مناظير رؤية ليلية، يقول انه شحنها في حقيبة شخصية مع وديع الحاج أميركي لبناني دين في قضية تفجير السفارتين في شرق افريقيا. كذلك ارسل اليهم رشاشات "باريت" من عيار 50، وهي مشابهة للسلاح السوفياتي 7،12 سلاح ثقيل. لكن الأفغان اتصلوا به مجدداً. وارسلوا اليه رسالة بالفاكس قالوا فيها انهم لا يعرفون طريقة تحديد الهدف بدقة في هذه الرشاشات. فطار الى بيشاور وعلّمهم كيف يُحدد الهدف.
طائرة ابن لادن
كان الريدي يعرف أسامة بن لادن منذ أيام مساعدته "المجاهدين" الأفغان في الثمانينات، لكن العلاقة بينهما تجددت في 1993. إذ اتصل به وديع الحاج من السودان، وكان سكرتيراً شخصياً لإبن لادن، وأبلغه رغبة الأخير في شراء طائرة "تستطيع التحليق مسافة الفي ميل ولا يتجاوز سعرها 350 الف دولار". وبحث الريدي عن طائرة بهذه المواصفات واتصل بالحاج وأخبره انه وجدها: سعرها 350 الف دولار وصاحبها مستعد لإعطائه خصماً مقداره تسعة في المئة عمولة اعتيادية لمن يشتري طائرات في أميركا أو يبيعها. وتسبب ذلك في جدل "ديني" بين الريدي وبعض رفاقه لجهة حقه في تقاضي مثل هذه العمولة في مقابل ترتيبه الصفقة.
لكن صفقة الطائرة لم تتم في النهاية، ليس بسبب ذلك الخلاف، بل لأن وديع الحاج قال ان إبن لادن يريد طائرة سعرها "250 الف دولار وليس 350 الفاً". رد عليه الريدي، كما يروي، بأنه لا يمكن شراء طائرة مستعملة تستطيع التحليق المسافة التي يطلبونها بهذا السعر. لكن المتحدثين باسم زعيم "القاعدة" أصروا على 250 الف دولار، وشرحوا انهم يريدون طائرة تحلّق مسافة الفي ميل لحاجتهم الى نقل أغراض، بينها صواريخ "ستينغر"، من بيشاور الى الخرطوم. أوضح لهم الريدي ان ذلك ممكن شرط أخذ إذن من الدولة التي تنطلق منها الطائرة وآخر من الدولة التي ستهبط فيها. فرد وديع: "لدينا إذن بالإقلاع من بيشاور وإذن بالهبوط في الخرطوم". لكن المصري رد أنه تبقى هناك مسألة تتمثل في إمكان وقوع مشكلة للطائرة ما يُجبرها على الهبوط إضطرارياً في دولة أخرى مما يؤدي بالتالي الى مواجهة خطر انكشاف حمولتها.
واشترى الريدي طائرة عسكرية من نوع "389ت" أُخرجت من الخدمة، وهي موازية للطائرة المدنية المعروفة باسم "سابر 40". كلّفت 210 الآف دولار بعد إجراء تعديلات عليها في مخزن في تكسون اريزونا. وأجريت عليها اختبارات ميكانيكية وسُجّلت رسمياً، ما جعلها صالحة للطيران المدني بحسب مواصفات وكالة السلامة الجوية الدولية.
أقلع الريدي عام 1993 بالطائرة من فورت وورث تكساس باتجاه الخرطوم. لكن قدرتها على الطيران كانت بحدود 1500 ميل، الأمر الذي لا يسمح لها بعبور المحيط الأطلسي. لذلك كان عليه ان يطير شمالاً في اتجاه القطب الشمالي، قبل ان ينزل مجدداً في اتجاه اليابسة. بدأت الرحلة من فورت وورث في دالاس تكساس الى سانت ماري على الحدود الكندية، ومن هناك الى منطقة خليج فيربشر فخليج فيرفرشو في كندا، ثم الى ايسلندا، ومنها الى لوكان، فروما، فالقاهرة، فالخرطوم. كان يجب ان تستغرق الرحلة يومين فقط، لكن الطقس السيّء في فيرفرشو 65 درجة تحت الصفر ومواجهته مشاكل ميكانيكية في كندا ارغماه على التأخر اسبوعاً. وفي النهاية وصل سالماً الى الخرطوم وسلّم الطائرة الى صاحبها.
حاول أسامة بن لادن ان يُبقي المصري في الخرطوم، عارضاً عليه فرصة عمل. قال له ان بامكانه ان يطير بطائرته، ويتولى رش مبيدات زراعية من الجو، كما يمكنه لاحقاً تأسيس "شركة نقل لشحن المنتجات الزراعية" من أجل نقل منتجات شركات زعيم "القاعدة" الى خارج السودان وتسويقها. لكن الريدي رفض العرض، خشية ان تكون الوظيفة المعروضة عليه جزءاً من النشاط السري لإبن لادن في الخرطوم. ورد الأخير: "هذا ليس جهاداً عرض العمل. إنه مجرد وظيفة في شركة رسمية مسجّلة في الخرطوم".
وعرض عليه 1200 دولار راتباً. فسأله الريدي: هل هذا الراتب للوظائف الثلاث: قيادة الطائرة، رش المبيدات، وشحن البضائع؟ وفي النهاية، لم يوافق على العرض، وغادر الخرطوم.
بعد بضعة شهور اتصل وديع الحاج مجدداً وطلب منه ان يأتي من اميركا للقيام برحلة بين الخرطوم ونيروبي. عاد فوجد الطائرة ما زالت بحال جيدة. طار في الرحلة مع طيّار مُستأجر في "الخطوط السودانية" ونقلا خمسة أشخاص يرتدون الزي السعودي واليمني والخامس زياً غربياً.
بعد يومين عاد بالطائرة الى الخرطوم من دون الخمسة، ثم رجع الى أميركا.
بعد ذلك بنحو سنة ونصف سنة اتصل وديع به مجدداً، وكان الريدي يعمل آنذاك في الخطوط الجوية المصرية في القاهرة. قال له ان اسامة يريد استخدام الطائرة للقيام في تجارة ما بدل إبقائها جاثمة في مطار الخرطوم. هذه المرة كان وديع يعيش في نيروبي وليس الخرطوم، فطار المصري من القاهرة الى نيروبي ثم الى العاصمة السودانية كان يعرف ان أسامة تلاحقه أجهزة أمنية مما قد يسبب له مشاكل في مصر إذا اكتُشف انه يطير بطائرة زعيم "القاعدة". قال له الحاج ان طيّاراً يُدعى "النووي" اسمه إيهاب علي، وهو موقوف حالياً في أميركا سيقابله في الخرطوم. تقابل الرجلان في فندق هيلتون وناقشا أموراً تتعلق بطائرة إبن لادن وطريقة فحصها ومعرفة قدرتها على الطيران. وأوضح له النووي انه تلقى تدريباً على الطيران في الولايات المتحدة.
ذهبا الى الطائرة، لكنها كانت في حال يُرثى لها: إطاراتها فارغة من الهواء، أو ذائبة من شدة الحرارة على أرض المطار، ومن بقائها متوقفة في المكان نفسه مدة طويلة جداً. أما المحرّك فكان ممتلئاً بالرمل بسبب العواصف التي تضرب الخرطوم. وبحث الريدي و"النووي" عن بطارية جديدة للطائرة وأعادا شحنها، ونظّفا المحرّك، وملآ الإطارات بالهواء، وفحصا جهاز الهيدروليك.
بدأ الرجلان تجهيز الطائرة للإقلاع. حاولا، لكن المحرّك دبّت فيه النار. أوقفت الطائرة وأُعيد فحص المحرّك وإصلاح العطل. وقررا الإقلاع مجدداً قبل إجراء مزيد من الاختبارات. يروي الريدي: "أقلعت الطائرة. طارت في شكل جيد. كانت لدينا بعض المشاكل في جهاز "الباور" يُحدد علو الطائرة، لذلك قررت ان أحط ثم أقلع مباشرة، ثم أحط وأقلع، ثم مرة ثالثة قبل التوقف نهائياً. كنت متيقناً ان المحرّك قادر على الطيران، لذلك قررت التوقف. وعندما حاولت فوجئت لأنني لم استطع وقف الطائرة. فقدنا جهاز الهيدروليك، أو المكبح الأساسي، فحاولت استخدام المكبح البديل. كنت اتحدث مع مساعدي النووي. قلت له اننا فقدنا السيطرة على المكبح الأساسي وانني استخدم البديل. لكننا فقدنا البديل ايضاً، فاستخدمنا المكبح اليدوي. فقدنا كل انواع المكابح، ولم نستطع وقف الطائرة، والخيار الوحيد أمامنا، بالطبع، كان إطفاء المحرّك بهدف تخفيف اندفاع الطائرة، وهذا ما فعلت ... اقفلنا المحركات، لكننا كنا ما نزال نسير على المدرّج الذي تجاوزناه. السرعة كانت نحو 60 عقدة عندما ارتطمنا بكومة من الرمل خارج المدرج. ... أول شيئين فكّرت بهما بعد الاصطدام: سلامة مساعدي الذي لم يكن يعرف شيئاً عن مثل هذه الأجهزة، وثانياً كيف أغادر الخرطوم بأسرع ما يمكن!"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.